عن الناس الكبار جدا






ليس فكرا.. وإنما خناقة على قطعة من التورتة

إلى طارق إمام ومحمد عبد النبي طبعا
وصديقتى الرائعة نهى محمود .. بس من غير كراكيب

أفرح جدا عندما أرى المبدعين يقولون أراء نقدية ، ويمارسون حقهم فى تقييم تجاربهم وتجارب الآخرين .
أفرح جدا عندما أرى مبدعا يمتلك وعى نقدى وفكرى يمكنه من الدفاع عن مفاهيمه للسرد . لأن هذا يعنى أنه ليس مجرد حكاء حواديت بل مثقف ومسيطرعلى المعرفة ، ولأن الكتابة تحتاج دائما إلى معرفة عميقة بالعالم وإلا جاءت تافهة وهبلة .
لهذا أفرح جدا كلما قرأت أو سمعت مداخلات ثقافية أو فكرية أو نقدية لطارق أمام ومحمد عبد النبى وأعتبرهما مثقفين حقيقين ومبدعين مهمين فى نفس الوقت .
مثل هؤلاء الكتاب يشعروننى بالفرح لأنى اخترت أن أكون مثلهم ، رغم أن القدرـ فقط ـ جعلنى أسبقهم فى رسم صورة المبدع الجديد الذى أؤمن به .
عندما خضت التجربة الثقافية والنقدية من غير أن التفت إلى تحذيرات البعض من أن يؤثر هذا على تجربتى الإبداعية ، ووصل الأمر إلى السخرية عندما قال أحدهم : سيد الوكيل قلب لمفكر ، وكأنه يجب على أن ألغى عقلى حتى أكون مبدعا .
ما أعنيه أن :
الإبداع الجديد ليس مجرد طريقة جديدة فى كتابة السرد أو الشعر ، بل هو قدرة على التفكير الديناميكى والمتجدد.
فطرائق السر الجديدة موجودة دائما فى كل زمن ، ثم تصبح قديمة بمرور الوقت . وما أحدثته من تجديد فى روايتى فوق الحياة قليلا أثار الدهشة وقتها واعتبر بداية للرواية الجديدة ، أما الآن فبعد مرور عشر سنوات عليه ، صار شائعا ومنتشرا ومبتذلا ولامعنى له، حتى أننى أرفض أن أكتب مثله الآن . وهكذا يحتاج المبدع درجة كبيرة من الوعى والمعرفة ليظل ساردا جديدا ومتجددا .
السرد الجديد هو ابن زمنه ولحظته ، ولا يوجد سرد جديد للأبد .
لهذا فالحاكمية للمبدع نفسه وليس للسرد أ أقصد لوعى وثقافة المبدع.
فالمبدع المثقف الذى يمتلك وعيا متجددا ، يمتلك أيضا رؤية موسوعية شاملة ، تجعله قادرا على فهم الماضى بدرجة أعمق ، والنظر إلى المستقبل بدرجة أبعد .
ومثل هؤلاء لايتورطون فى أحكام القيمة المطلقة ، كتورط إبراهيم فرغلى بالسخرية من كتاب القصة القصيرة وإعلان موتها ، أو كتورط نهى محمود بأن جيل الثمانينيات والتسعينيات جيل ضحل . وتورط سحر الموجى بأن كتاب جيلها ( التسعينيات ) هم أصحاب الكتابة الجديدة ، وهكذا فإن مثل هذه التصريحات لاتعكس سوى مجرد خناقة على تورتة الكتابة الجديدة .

فقط أردت أن أقول : إن الأراء النقدية والمداخلات الفكرية ورطة لصاحبها، تحتاج منه أن يكون شديد الحذر قبل إطلاق مقولاته بثقة .
أخطر شيء فى حياتنا هو أننا نطلق المقولات بثقة ، بما يعنى أننا فقدنا فضيلة الشك ، والشك هو أول خطوة فى تفكير نقدى وثقافى جديد . ومن ثم إنتاج سرد جديد .
مما يدهشنى أننا الآن نتكلم عن اللايقينية ، وما بعد الحداثة ، لكن مقولاتنا تفتقد التفكير المابعد حداثى ، وتمتلك اليقين ، وتنزع إلى تثبيت اللحظة المعاشة وتضعها فى حيز الإطلاق وكأنها قرآن لايأتيه الباطل من أى جهة لامن يمينه ولاشماله ولامن بين يديه .
التفكير المابعد حداثى يقتضى التعدد والتجاور وليس نفى الآخرين
التفكير المابعد حداثى يقتضى الشك ورفض اليقينيات والمطلقات .
التفكير ما بعد الحداثى يقتضى التجريب والمراجعة المستمرة للمقولات التى ننتجها .
التفكير المابعد حداثى يقتضى التفكيك وخلخلة الثوابت ، وليس استبدال الثوابت القديمة بأخرى جديدة .
والتفكير القديم هوالذى استبدل زمن القصة فى عصر يوسف إدريس بزمن الرواية بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل .
والتفكير القديم هو الذى استبدل أيقونات جيل الستينيات بأيقونات جيل التسعينيات ، وهونفسه التفكير الذى يسعى لإنتاج أيقونات جديدة فى الألفينيات.
التفكير القديم هو التفكير الضيق الذى ينحصر فى معانى ضيقة مثل الجيل أو الزمن أوالقيمة أو الأهمية أو الريادة .
وكما ترون ، كلها معانى مطلقة ومطاطة ، ويمكن أن نطلقها على أى شخص وأى زمن . وأى عمل . مثل هذا التفكير لايرسخ سوى للأحادية ، ولا ينتج سوى الأيقونات ، إنه فى الحقيقة تفكيرالنصف الأول من القرن الماضى ، الذى أنتج الزعامات الكبرى : عبد الناصر فى السياسة ، وأم كلثوم فى الغناء ، وصالح سليم فى الكرة ، ويوسف إدريس فى القصة ....إلى آخرمثل هذا الكلام الكبير جدا .





3 تعليق:

الله بجد .. انت ببساطة قلت كل اللي جوايا وباحاول ارتب علشان اكتبه ..
تسلم الدماغ
أهديك قول براتند راسل الذي يعجبني كثيرا :
برتراند راسل: مشكلة العالم أن المتعصبين هم واثقين من أنفسهم دائما و أحكم الناس تملؤهم الشكوك.

23 نوفمبر 2008 في 11:37 م  

أهلا بالطبيبة الرائغة رحاب
مبدعة جميلة ومثقفة من طراز رفيع

28 نوفمبر 2008 في 3:05 ص  

مايزعجني فعلا أستاذ سيد
هو تلك الروح التي تتلبس كل كاتب ليعتقد أن روايته هي أهم ما كتب في هذا القرن
وأنه له تلك النظرة التي لم ولن يشبهها أحد
أستاذ سيد
من يعطي المصداقية للعمل؟
الكاتب أم جمهور القراء الذين يجب أن يشملهم التنوع الفكري والمجتمعي
لا تلك الحفنة من القراء المقربين من بيدهم قرار النشر في جريدة أو مجلة أدبية ليتفقوا جميعا على اطلاق مسميات فائقة الطنانة والهتاف على عمل بعينه
أستاذ سيد
أين نحن من عمالقة رحلوا دون أن تكون لهم جرأة التعالي بأعمال تستحق؟؟
مودتي واحترامي

4 ديسمبر 2008 في 9:40 م  

Blogger Template by Blogcrowds