قبل يومين وليلة من عيدنا الحالى ، أهدتنى الصدفة البحتة لان أجلس على كنبة فى بيت الصديق الرائع محمود الشاذلى ، طبعا ليست هذه هى الصدفة وان كان فرح القلب والبقاء على ظهر الحياة هى مصادفات فى الاساس ، ولكن الصدفة هنا أن مكانى على الاريكة فى موضع معين تحت جزء من المكتبة ، فقد كنت اجلس وبعض الكتب الناتئة من الارفف توخذ مؤخرة رأسى ، وأنا أحرك رأسى يمينا وشمالا متفاديا الاحتكاك بها ، لحظتها كنت استمع لقصيدة الخريف وهى من اواخر ما كتب شاعرنا، ومع اندماجى مع تموجات القصيدة لم يكن بوسعى زحزحة مكانى لأقى المخيخ لديا من تحرشات الكتب ، لكنى بعد ان انتهيت من كلامى عن القصيدة ، تفرغت لمهمة حماية رأسى فمددت يدى الى الكتاب الذى وخذنى عمدا او مصادفة ، واذا به كتاب " زمن الرواية " وقد كنت ابحث عنه ولكن لم يقع فى يدى بورقه وغلافه الا فى ذلك اليوم ، تحسست رأسى وكأنما الالم لم يظهر الا فى هذا الان رآنى الصديق انظر للسقف فصمت قليلا واحترم تأملاتى لكنى فى الحقيقة كنت انظر الى الله لانى تخيلت انه كتب على صفحات القدر
.
" زمن الفانتازيا"

مشهد (150 ألف) " مكتبة محمود" ليل \ داخلى

جلس محمد على الاريكة مسندا رأسه على حواف الكتب المدببة
وبخار الشاى يصعد سلم الهواء الحلزونى ، وانفاسه مطربة وعلى ثيابه
خطوط من الدم تشف عن مسارات طولية تحت القميص وكأنه تعرض للجلد

محمد : قتلوا القصة القصيرة يا محمود
محمود: امتى حصل ده
محمد : : بعد ظهر الزمن دة
محمود: فين اتنشر الخبر
نظر محمد الى سطور الجراح فى صدره وكأنه يجاوب على السؤال
محمود: وازاى حصل دة
محمد : : بدم بارد
محمود متاثرا محمود: طيب ليه بس
محمد : عشان مش عايزين على الزيبق يظهر
محمود: انت شكلك تعبان وابدتديت تلخبط فى الكلام
محمد : لا صدقنى هوة دة اللى حصل
: محمود انا عارف انك شايف العصر دة عصر اضمحلال وكتير بتشبهه بعصر المماليك بس دة مايخلكش تخلط بين على الزيبق البطل الشعبى وبين فن القصة القصيرة

يقوم من مكانه ويدور فى المكان وهو يتحدث محمد : صدقنى القصة القصيرة هى على الزيبق بص فى عصر مملوكى زى دة بتموت فيه كل حاجة حلوة وبينحدر الاقتصاد والثقافة والمرور وكل حاجة بتغرق وتتتجه للقاع بيظهر كاتب القصة القصيرة زى الفارس الملثم ويبعت تلغرافاته ومنشوراته الصغيرة القادرة على تحريك الناس وكب النار على جرحهم ، رسايل موجعة زى النخذات تصحى الناس والثقافة من الثبات العميق

محمود: انت بتتكلم عن الفن بشكل عام

محمد : : لا مش كل الفنون تقدر تعمل كدة فى كل الاوقات والعصور ، فيه فنون معينة بتعمل دة بجدارة فى عصر معين وفنون تانية فى عصور تانية تقدر تعمل نفس الدور
محمود: أنت برضه بتخلط الامور ببعضها
محمد : لا اسمعنى بس الشعب اللى نايم على الرصيف مش ممكن اصحيه واقدمله مشروع ورؤية كاملة عن العالم هينام فى النص لكن ممكن اصحيه على اغنية صغيرة احكيله حكاية صغننه تحرك الموت اللى جواه ، اشد انتباهه اجرجره فى ديل الحكايات لحد ما يقف على رجليه اللى نسى هوة مفروض يعمل بيها ايه

محمود: يا سيدى الفنون كلها بتعمل كدة وبعدين الشعب اللى نايم دة بيقرا رواية وبيستمتع بيها

محمد : : فيه فرق هوة بيقرا ايه وهوة محتاج يقرا ايه ايه اللى ينفع ايه اللى يعدى بيه السور بالاعيب سحرية زى الاعيب على الزيبق مفيش زمن معين لفن معين بس لو هنقول دة زمن ايه يبقى زمن انفجار روائى فى حين اننا فى لحظة تاريخية تحتاج للقصة القصيرة تحتاج للزيبق

محمود : برضه هتقلى على الزيبق بقلك ايه انا مش مقتنع بكلامك وبعدين شامم فيه ريحة تحريض وادلجة واحنا فى زمن المقولات الصغرى والرواية فن كبير

محمد: مهو لو عبرنا بفن كبير عن المقولات الصغرى دى يبقى حطينا مكعب سكر صغير فى برميل ميه ، على العموم سيبك انت سمعنى اخر قصيدة

القصيدة بعنوان الخريف بتداعياته غاص الصديقين فى تموجاتها غير ان المستمع منهما عندما دفع رأسه للوراء مستمتعا بما سمع نخذه حد كتاب حتى اوجعه ولما شده من مكانه اقتربت الكاميرا من الغلاف ، كان مكتوبا عليه " زمن الروايه : جابر عصفور" فضحك الصديقان حتى استغرقا
قطع


يبدو المشهد فانتازيا ولكنى لدى مغزى سأوضحه فى مقالى القادم عن السرد ومعاركه التى حسمت منذ عشرين عاما ولكننا نعيد اخطائنا فليس لدينا وقت لاختراع اخطاء جديدة.
محمد رفيع

5 تعليق:

منتظرينك يا محمد

10 ديسمبر 2008 في 3:45 ص  

بحد قصة حلوة جدا
جناااااااااان
تسلم إيدك
لكن إذا كانت القصة القصيرة المكافئ الموضوعي لعلي الزيبق والشعر لصوت الثورة ( الأنا الغنائية ) ، لا يمكن تكون الرواية مكافئ لحالة نخر السوس اللي عايشينها ، يعني أنا ممكن أقبل المقارنة دي وافهمها بين أغنية الفيديو كليب والموال الشعبي
:))

10 ديسمبر 2008 في 3:53 م  

هبة
الرواية فن عظيم وأنا شخصيا لم أجد متنفسا لما أريد أن أقول فى الاعوام الفائتة الا هذا البناء الابداعى الرائع ولو كنت تريدين أن تعرفى المعادل للرواية سأقول لك صلاح الدين لانها كما اعرفها مشروع متكامل لكنها تقوى عندما تقوى الامم وتمتلك مشروع حضارى أو على الاقل وعى مشترك بالدور الحضارى للانسان على ارضه ، هو فن موازى للوعى الجمعى وطبعا ظهور هذا الفن بشكل أحادى بديع يشز عن ذلك وللأمم قويت أو عانت ادابها لكن عندما تضمحل الثقافة فى بلد وتتعذر الرؤى ويتم التكريس للرواية فيحدث انفجار روائى كبير يكون الامر غريبا ويحتاج الى تقصى

10 ديسمبر 2008 في 10:07 م  

وهكذا اختلطت القصة القصيرة بالسيناريو بالرواية بالاخراج ، لقد قدمت لنا عمل فنى شبه متكامل فى هذه القصة الطويلة القصيرة المرئية (ايه اللى انا بقوله ده ) بس بصراحة هو دا اللى وصلى
الله يفتح عليك يا عمنا
بجد عالى عالى عالى
وفى انتظار المقال المهم يا رفيع

10 ديسمبر 2008 في 10:35 م  

لا أظن أن رفيع يقصد لانتصار القصة على حساب الرواية
وليست قضيته هنا هى الأنواه الأدبية إطلاقا
أظن المسألة تتعلق بساسيات النفى والإقصاء التى مارسها رجال كبار الشأن بحكم سلطاتهم ووجودهم على رأس المؤسسات التى تطبع وتنشر وتصنع المؤتمرات، وفى النهاية تحدد لنا ماذا نكتب ، وما الفن ومالذى يعيش وما الذى يموت
تخيلوا لو لم يكن جابر عصفور على رأس هذه المؤسسة وامتلك قوة التأثير الإعلامى هل كان الكلام عن زمن الرواية يأخذ أكثر مما يستحق ، أو يتحول إلى أيقونة
تخليوا لو أن ناقدا أو مبدعا آخر كتب مقالا فى جريدة وقال أننا نعيش زمن الرواية ، هل كان التفت إليه أحد
هل كنا صدقناه
المشكلة أننا عادة نصدق المقولات العظمى فقط لأنها تصدر عن رجال كبار الشأن يملكون كل شىء ويرسمون لنا السياسات على مقاسهم
ولآننا ننتمى إلى ثقافة القطيع ، ولأننا مماليك نعيش على عطايا السلطان نصدق كل مايقوله ونتحذب له
ثم فجأة نفيق بعد خراب مالطة
سهى ذكى كانت الأذكى عندما أشارت إلى التركيب المتداخل لما كتبه محمد
هذا أبلغ رد بقول أن الأنواع الأدبية تتداخل وتتعايش
فقط نحن الذين نتخاصم ونختلف ونقسم الحياة إلى أزمنة تسود فيها أنواع على حساب أخرى
كنت رائعا يارفيع
وكأنك تؤذن بمداخلتك هذه إلى أنه آن الآوان لمحاكمة زمن الرواية

11 ديسمبر 2008 في 12:55 م  

Blogger Template by Blogcrowds