شو بيبقى من الرواية ؟


مر زمن طويل منذ أن كان المريض يجلس صامتا أمام طبيبه في انتظار ورقة العلاج ليأخذها شاكرا , وينصرف !
إنه يريد أن يعرف كل شيء عن حالته وأسبابها ولماذا هذا الدواء بالتحديد .. و ... و ....
كذلك القارئ أيضا .. لم يعد ذلك الوديع الجالس محتضنا كتابه , متلقيا حواديتك في صمت باسم , وأنت تحكي له عن عوالم بعيدة لم يختبرها .
إنه المتلقي الذي يعترضك , ويعلق عليك سلبا وإيجابا ببساطة . وليس في الإبداع فقط ... بل حتى الصحف الورقية والتي أصبح لها نسخا إلكترونية على النت , أصبح متاحا لقرائها تقييم ما فيها من أخبار وتوضيح مدى أهميتها لهم ورضاهم أو عدم رضاهم عن التفاصيل التي قدمت لهم .
هذا التواصل تكمن خطورته في الوعي بضرورة التوازن بين الاشتباك مع تفاصيل الحياة وتناول المشاعر الإنسانية بقرب وحميمية تتسلل للمتلقي ببساطة , وبين الحفاظ على جماليات وفنيات الكتابة لتظل في مستوى أعلى من لغة الشارع ,
فما أكثر الكتابة الآن , وما أبسط النشر , ولكن لابد أن نتساءل ما الذي سيبقى من هذا الزخم ؟ سيبقى فقط الحقيقي الذي هو ببساطة لا يشبه إلا نفسه
.
عن الستينات والسبعينات وما بعد الألفين
بصراحة لا أفهم ماذا يعني أن يكون كاتبا ما ستيني أو تسعيني أو ما بعد ألفيني ... هل يرتبط ذلك بتاريخ ميلاده ؟ أم بتاريخ صدور أول كتاب له ؟ ام بتوقيت دماغه وإحساسه بما حوله ؟ ربما كان من الأوقع أن نقول الكتب التي صدرت في الستينات او السبعينات ... وهكذا
وربما بهذا التصنيف نستطيع أن نقول إن إنتاج الثمانينات والتسعينات كان ضحلا , ليس من ناحية جودته الأدبية وإنما من ناحية وصول الأدب لمستحقيه .. أقصد القراء والمشتغلين بالفكر والثقافة عموما .
فإذا كانت السينما قد ساعدت كثيرا في ذيوع وانتشار أدب الستينات , فالشبكة العنكبوتية ساعدت أكثر في انتشار وترويج الإنتاج الأدبي في السنوات الأخيرة ..
أما في التسعينات مثلا كان الواحد / والواحدة طبعا منهم يدور بمخطوط كتابه في أروقة وعتبات قصور الثقافة ثم ينتظر شهورا طويلة ليأخذ دوره في النشر .. قد يكون حينها تجاوز كتابته السابقة بمراحل فيصدر الكتاب كأنه كائن غريب عنه بلا أب أو أم .. هذا طبعا إذا كان غير متيسرا ماديا ليطبع على حسابه ليكون كمن ألقى نقوده في بحر غير آسفا أو مأسوف عليه ..
ثم تبدأ المرحلة التالية , فيحمل علي كاهله سلة الكتب يدور موزعا علي المعارف والأصدقاء - مجانا طبعا - وما يستطيع أن يصل لهم من كبار الأدباء ومسئولي النشر في الصحف الكبرى ليحظى بخبر صغير أو مقالة وينتهي الأمر .
الآن الوضع مختلف كلية , أولا لتعدد وانتشار دور النشر والصحف الخاصة , وثانيا لسهولة الاتصال والتواصل بين المشتغلين بالثقافة ..
هذه السهولة جعلت البعض يعتقد أن فعل الكتابة " ولا أبسط " خصوصا مع النظرة المادية في الترويج والتسويق لبعض الكتابات والتي تنتهجها بعض دور النشر .. وإن كنت أتفهم هذا السلوك التجاري البحت من دور نشر صغيرة وحديثة إلا إني عجزت عن تفهمه من دار نشر لها اسم عريق مثل " الشروق " حين تتبنى نشر وتسويق ثلاثة كتب مأخوذة من مدونات .. وهذا بالمناسبة ليس هجوما علي تلك المدونات ,فنجاحها له ما يبرره من تماسها الصادق مع الواقع المعاش واشتباكها مع معاناة وأحلام الكثيرين من الشباب , لكنه جعل الأمر يبدو كمن استغل ذيوع أغنية ما وأراد تحويلها لديوان شعر .
عن السرد والسرد الجديد
في مشهد من أحد أفلام هنيدي الكوميدية كان البطل يجلس في الكافيتيريا مع حبيبته محاولا أن يقول لها قصيدة غزل , وراءه كان يجلس الرجل الذي يرمز للمثقف بنظارته وكلامه الرصين .. بدأ هنيدي يقتبس من كلمات الرجل الجالس خلفه لحبيبته , حتي اضطر أن يكمل بنفسه فقال لها : الحب الحب .. الشوق الشوق .. بلوبيف بلوبيف " وينتهي المشهد بالرجل الرصين يعيد نفس الكلمات التي سمعها من هنيدي لحبيبته : بلوبيف بلوبيف
!!
ورغم هزلية المشهد إلا إنه يجعلني أقف طويلا أمام العلاقة بين الكاتب والمتلقي وتأثر كل منهما بالآخر وإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا التأثر مقبولا ...
مازلت لا أستطيع وضع تعريف محدد للسرد الجديد , ففي رأيي إن كل سرد جيد لابد بالضرورة أن يحمل شيئا جديدا متفردا ..
لكني أتوقع الكثير والكثير من هذا المؤتمر الذي يجري التحضير له بطريقه غير مسبوقة لسببين .. أولهما أمين عام المؤتمر أ . سيد الجميل والذي يتعامل مع الأمر بروح المبدع وليس بروح الموظف .. والثاني هو هذه التقنيات الحديثة التي تجبرت وتسلطت وجعلت الجميع يعيش في علبة واحدة يبدأها بكلمة
start
حتى فكرة الشللية والجماعات الأدبية المنغلقة على أنفسها وعلى أماكنها الخاصة , أصبح من السهل اختراقها والتفاعل والاشتباك معها , والاستفادة منها أو نقدها عن طريق التواصل الإلكتروني ..

2 تعليق:

مرحبا يارحاب
كلامك جميل وجدير بالمناقشة
والمشهد الذى تناولتيه من الفيلم دال جدا
ولكنى أفهمه كما لو أن الشرائح الاحتماعية أصبحت تتكلم لغات مختلفة وأنها احدثت نوع من العزلة بين البشر
أنا لا أستطيع أن أجلس بين جماعة من رجال الأعمال لحظة ولا أفهم لغتهم
لى أصدقاء لديهم سيارات وأنا الوحيد الذى لايمتلك سيارة
حين نجتمع أشعر بغربة وعزلة ، وهم يتبادلون حوارات ممتعة عن الميكانيكية والسمكرية والكاربراتير ومخالفات المرور وماركات السيارات وخلافه
اعنى أن اهتمامات الناس أصبحت مختلفة ومتعددة ، والمجتمعات تتحول إلى جيتوهات تنشأ حسب هذه الاهتمامات ومجالات العمل ، فضلا عن العزلة القائمة بين الشرائح الاجتماعية أصلا
فالمثقف فى الفيلم يفتقد اللغة البسيطة التى يكلم بها حبيبته ولهذا ظن أن (هنيدى) البسيط يمتلك اللغة المناسبة فرددها واستعارها منه
وكذلك الرجل البسيط يعتقد أن المثقفين وحدهم يملكون اللغة السامية المناسبة للتعبير عن العواطف فاستعار لغة المثقف
كل منهما يبحث عن لغة لايمتلكها ويظن أنها عند الآخر

13 ديسمبر 2008 في 3:31 م  

مكانش هنيدي
كان اللمبي

23 ديسمبر 2008 في 11:24 م  

Blogger Template by Blogcrowds