كولن هايتور: الأفكار الجديدة الوحيدة التي لا يمكننا التشكيك بها هي أفكارنا نحن.

الرواية هي التاريخ غير الرسمي للعالم، لم يكن يمكنني أبدا أن أتجاهل هذه الحقيقة!

نرزح نحن - علي سبيل المثال - تحت وطأة تاريخ ليس له علاقة بالناس وبالتحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدونها، فلن تقرأ في كتاب التاريخ المدرسي شيئا عن هجرة المصريين للخليج في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، لكنك ستقرأ ذلك في عدة روايات خصصت لهذه القضية التي تركت تأثيرات واسعة علي الحياة المصرية في الحضر والريف بشكل عام، فهل كان يمكنني أن أتجاهل ذلك وأنا أكتب الرواية!!

التاريخ علي سبيل المثال سيذكر شيئا ما عن نكسة 1967، سيذكر شيئا عن اندحار الجيوش وانتصار الجيوش، وقادة المعارك، لكنه لن يكون معنيا باعتقال رب أسرة أثناء النكسة وانهيار تلك الأسرة وشتاتها، لن يذكر شيئا أيضا - هذا المدعو التاريخ - عن التحولات القاسية التي شهدها المجتمع المصري أثناء الستينيات، لأنه كان معنيا فقط بتسجيل انتصارات (الشعب) في الأماكن التي شهدت الاستعمار، لن يذكر التاريخ شيئا عن ذلك!

التاريخ أيضا ليس معنيا بالتغيرات النفسية السلبية التي تقع للأطفال نتيجة للحوادث الفجائية، أو نتيجة للتشوه الطبقي للمجتمع، أو نتيجة للكوارث البشرية أو حتي تلك الطبيعية، لن يذكر التاريخ شيئا عن ذلك!

لن يذكر التاريخ شيئا عن الأطفال الذين فقدوا القدرة علي الخيال، هؤلاء الصغار الذين فقدوا القدرة علي المتعة في التخيل، عن متعة التحليق بعيدا عن أرض الواقع المزري، عن علاقة الأطفال بالأساطير والجنيات والملائكة والتنانين السحرية والديناصورات المتوحشة، هؤلاء الأطفال الذين يضطرون للعمل في تلك المهن المتواضعة من أجل أن يحيا الكبار فاقدي القدرة أو فاقدي النخوة، لن يذكر التاريخ أسماءهم أو سماتهم، لن يشير إليهم علي الإطلاق، فالتاريخ معني فقط بمن يكتبه، ومن يملك القدرة علي التأثير علي من يكتبه!

لن يذكر التاريخ شيئا عن معارك المثقفين مع السلطة، ولا كيف يكتب أحد الروائيين روايته كي يحكي أوهامه المزدوجة، ولا كيف يجلس ليكتب روايته، ولا ما هي الحالات التي تنتابه لكي يكتب تلك الرواية ولا عمله الأصلي، وكيف يحتال علي الحياة من أجل الوجود، ولا عن معاركه مع نفسه والآخرين والسلطة من أجل أن يكتب تلك الرواية، ولا كيف تخرج الرواية للناس وما الذي نزفه من أجل أن تأتي تلك اللحظة التي ينتظرها بفارغ صبر، تلك اللحظة التي يقف فيها هنا ويتحدث، ما الذي يجعله يفعل ذلك، ما هذا الإلحاح الوجودي القاتل الذي يدفعه للانتحار، إذ لا تأتي المقدمة إلا لاعتبارات كثيرة بعضها للأسف ليس له علاقة بالموهبة، المجتمع ككل يتم تزييفه بشكل أو بآخر مرة أخري!

هذه هي قضيتي في السرد، خيال الأطفال وإنسانيتنا المشتركة وحروب المثقفين، هذه القضايا مجتمعة هي منابعي الحقيقية للكتابة. لقد قدم العرب للعالم ألف ليلة وليلة، لتترك تأثيرها الحالم والأسطوري علي كل ما يكتب حتي الآن، باعتقادي في هذه اللحظة أن العرب قادرون علي تقديم النسخة الثانية من ألف ليلة وليلة في هذه اللحظة علي وجه التحديد لتعزيز الوجود الإنساني، كما أعتقد أن علاقتنا بالآخر علي المستوي الإنساني العام تشكل في حد ذاتها واحدة من أهم عناصر تطورنا الحضاري، فلم يكن لظهوره دائما في حياتنا هذا الجانب السلبي، بل علي العكس فقد ساعد علي مزيد من التنوير علي الرغم من اختلافنا معه في كثير من القضايا.

لم أكن في يوم من الأيام معنيا بالكتابة لمجرد الكتابة، لقد عشت حياتي متنقلا بين الورش وحقول القطن وصيد السمك، صبيا وعاملا حتي أصبحت أستاذا في الجامعة، كنت أعلم أن هناك يقينا داخلي يتعلق بعلاقتي بكتابة الرواية، هذا اليقين الداخلي تكون داخلي حين قرأت الرواية الأولي في حياتي، كانت الرواية في تلك اللحظة هي التي منحتني القدرة علي احتمال الحياة، هي التي دفعتني للتحقق من خيالاتي، هل خيالي ينبع من رغبتي في مصادرة الواقع، أم تلوينه أو إسقاطه نهائيا وإعادة بناء عالمي الخاص!

لم تساعدني الروايات العربية كثيرا في التحقق من قيمة الخيال فهي محجوزة دائما لصالح الواقع، أدخل سينما أفكار الرواية العربية أجدها جميعا تسلط الضوء علي واقعنا المصادر كلية من قبل السلطة والجهل وتجهم حوادث الأيام، من المؤكد أن هناك الكثير من العناوين التي حققت لي المتعة والخيال معا، لكن الرواية الغربية حققت لي ذلك بشكل مضاعف.

كان السؤال في العشرينيات من العمر هل سأكتب الرواية أم أتفرغ للقمة العيش؟ هذا السؤال المرير الذي يواجه به أغلب من يكتبون الرواية في العالم العربي، وهو في مصر أشد وطأة، ما أعرفهم من روائيين يؤكدون لي أن الثقافة قيمتها الوحيدة في عقولنا، عقول المؤمنين بها، وهي لا تعني الكثير بالنسبة للآخرين.

كثيرا ما تحينت الفرصة لأسرق لحظة التخيل بعيدا عن مرارة العمل في الورش والحقول، وحين كنت في الخدمة العسكرية كتبت أول أعمالي في قلب صحراء السلوم، كانت عن الحب بين طفلين، ولخطأ ما ارتكبه مرسال الهوي بينهما انتهت تلك العلاقة لتتركهما مشوهين للأبد، في هذا الوقت لم تكن أدواتي السردية قد اكتملت وكان وعيي غارقا في مأساة الكثيرين من حولي، لكني كتبت، لا أدري كيف كتبت، لأتحقق فيما بعد من أن هذا العمل الذي فقد مني في ذلك الوقت قد قرأه أصدقائي في الكتيبة، قد اختفي، تحققت في تلك اللحظة من قدري في كتابة الرواية، لكني انتظرت طويلا حتي أستطيع أن أقدم للعالم شيئا، انتظرت لأن الحياة لن تسمح لك بالوجود بسهولة، لابد أن تقاتل أكثر في سبيل ذلك!

مع هجرتي للخليج أدركت أن الكتابة هي الحل الوحيد للخروج من مأزق الحياة، قرأت تقريبا خلال تلك الفترة أهم الأعمال العربية والغربية والشرقية، كنت ألاحظ مأزق الحياة لنا هناك، أيقنت مع قراري الأخير بالخروج من هناك أن الكتابة الروائية هي مصيري فكتبت "التساهيل" عام 1990، استمتعت بكتابتها وبطريقتي في السرد التي كانت تبحث في مفهوم متعة الكتابة المصحوبة بمتعة القراءة، كنت أكتب كأنني أتدحرج من فوق جبل عال، تماما ككرة الجليد، هذا هو أيضا ما كتبته في تلك الرواية، كتبتها في دفقه واحدة قبل الخروج من الكويت عام 1990، واستكملت تصحيحاتها في القاهرة بعد ذلك ولم تصدر إلا عام 2005، كانت تسيطر علي حالة من الأسئلة المتدافعة تبدأ لماذا ذهبنا إلي هناك؟ للعمل أم للموت؟ كان الموت يحوطني من كل مكان هل استطعت التعايش مع ذلك؟ أو كتابته لا أعرف؟ لكنه كان واحدا من الهواجس الداخلية التي سيطرت علي إبان كتابة التساهيل، لم أنم تقريبا أثناء كتابتها، كنت متحمسا للغاية أبحث عن التفاصيل داخلي، لم ألجأ للصحف فالمادة كلها كانت في ذاكرتي، كما أن بها بعض التفاصيل المتعلقة بحياتي هناك.

لقد كانت عملا ساخنا، فهي عملي الأول الذي أردت نشره لكن ذلك لم يحدث بل نشرت عملا بعنوان "المواسم" عام 1995، عملا روائيا قصيرا، أطلق عليه هو وعمل آخر بعنوان "مرح الفئران" نشر عام 2006 تجربتين روائيتين، كنت أريد الكتابة حول الماضي في الأولي والحاضر الراهن في الثانية من خلال تجربة أساليب متعددة في السرد، فهما في بنيتهما يشبهان تماما الصور السينمائية ولكن لا تغيب الأسطورة سواء التراثية أو الدينية عن الرواية الثانية معتمدا علي العناوين في الثانية كمفتاح أساسي لفهم العمل، علي أن قمت بكتابة المشاهد بشكل مفصل، المشهد أو الصورة السردية هي بنية العمل، يعقب ذلك الحوار بالعامية المصرية، السرد هو بطل العمل الأساسي والحوار يتراجع إلي حد ما في الخلف.

الزمن متحد ومتصل، يسقط أحيانا لصالح زمن قديم، تقدم فيه لحظة نادرة توحي بارتباطه المصيري بالحاضر، ليس لمرح الفئران بطل محدد، البطل هو الصراع الاجتماعي القائم داخل الحارة المصرية والقضايا الاجتماعية المطروحة هناك، ليس الفقر وحده بل العبث بجوهر الحب، الجنس لا يتحرج عن أن يصبح معادلا موضوعيا للحب والرومانسية وما يترتب علي ذلك من خلخلة للعلاقات الاجتماعية.

رواية: «التساهيل في نزع الهلاهيل - 2005»

تعتمد هذه الرواية علي الرحيل إلي منطقة جديدة في المكان علي الرواية العربية، حيث تمثل الكويت في الثمانينيات قبلة للباحثين عن الحياة الكريمة، لم يكن هناك مفر أمام بطل الرواية من الرحيل إلي هناك تاركا خلفه العديد من المآسي، الانتقال في السرد من الصحراء الغربية إلي صحراء الكويت، يواجه من خلال وجوده بالعسكرية بتجريده من ملابسه كل صباح، في مطار الكويت يتعرض لنفس الموقف، إنه عار تماما أمام السلطة، شاركت في التعرية كل أطراف علاقاته من النساء اللائي عرفهن إلي السلطة في عالمه وفي العالم الذي ذهب إليه، من حتي بعض المنتمين لدول العالم الثالث، كأنها مؤامرة كونية لجعله عار دائما أمام كل من لهم به علاقة، حتي لو كانت علاقة فوقية أو متوازية.

هلاهيله الداخلية تبدأ في التكشف أمامه، إن حبيبته لم تتركه بل تركها هو متعمدا، لأنه كان قد انهار تماما ولم تعد لديه قدرة علي القتال مع الجميع فانسحب، كان يظن أنه انسحب لمكان أفضل، لكنه اكتشف أيضا أن ذلك لم يكن حقيقيا، فها هم جميعا يموتون أمامه، أو تنهار أحلام الثراء التي أتوا بها، فكل جاء وداخله الفيروس الذي ظن أنه تركه هناك.

اعتمدت الرواية السرد الخالص، الحوار كان قليلا للغاية، العالم الباطني لبطل العمل هو المسيطر في أغلب الأحوال، كما كان العمل في أغلبه بنائيا، فكل حادثة تقابلها حادثة أخري مغايرة، وكل شخصية لها مقابلها الموضوعي أو السلبي أو حتي المتخيل، سيد العبد بطل الرواية هو الذي يملك مصيره في النهاية فيقرر الخروج فهو ليس عبدا لفكرة الثراء إنه سيد فكرة البحث عن الأمل.

المونولوج الداخلي تقريبا هو المهيمن علي العمل، إضافة إلي العديد من التكنيكات الأخري، كما أن اللغة الشعرية أيضا هي السائدة، فهو يحاكم نفسه في أغلب مراحل العمل، السرد هنا هو سرد داخلي يستبطن روح الأزمة التي يعيشها الراوي، أقترب أحيانا منه وفي أحيان أخري أتباعد كمؤلف، السياق يستمر علي هذه الوتيرة ليتيح لي التعرف علي الأزمة الحقيقية للراوي/ بطل العمل، مع تتالي الأحداث تتساقط أحلام الجميع، حتي العرب الذين يقطنون الكويت تتهاوي أحلامهم سريعا، ليس هناك ضمان لأي شيء، الضمان الوحيد هو الذات، أن تكون قادرا علي القتال، ومادمت قادرا علي القتال، فافعل ذلك هناك في المكان الذي أتيت منه، كيف تكون لغة السرد موازية لهضاب الرواية ووديانها التي تجوس فيها شخصياتها، لم يكن ذلك ليتم دون سرد سريع لاهث متوتر، فالحوادث كثيرة للغاية، والشخصيات تأتي لتعبر عن هذه القانون القدري الدائم، إنها لا تختار أقدارها، قدرتها علي المغامرة محدودة، لكنها أحيانا ما تكون مجبرة علي المغامرة، اللغة السردية هنا تحاول ذلك، المغامرة في لهاث السرد، لهاث المونولوج الداخلي، في لهاث تدخل الراوي من جانب والمؤلف من جانب آخر، لا يظهر بصورته الحقيقية، لكنه يتداخل أحيانا مع صورة الراوي.

العنوان نفسه كان مغامرة في السرد خارج النص، خارج المتن، إنه العتبة الأولي لقراءة النص السردي، أتي العنوان تراثيا ليعكس تراثنا جميعا، الصراع مع القدرية المهيمنة، إنه يتراخي مع مصطلح (التساهيل) ويتصارع مع (النزع) ولا يتهادن مع (الهلاهيل) الداخلية.

رواية "دماء أبوللو" 2007

الطفولة والخيال والآخر الإنساني هي موضوعات هذا العمل الروائي، الطفولة من الموضوعات الآسرة، كنت أسأل نفسي دائما هل حقا نحن نعرف الطفل، وهل يمكن كتابة عمل كامل عن الطفل، يحكيه الطفل نفسه، وهل يصلح سرد الكبار للتعبير الروائي إذا تمكنت من الكتابة عن الأطفال، خمسة وعشرون عاما أحاول كتابة هذا العمل علي أن يسرده طفل، سرد طفل يقترب من سرد الكبار يستطيع فيه أن يقدم الخيال في أقصي حدوده، وحين انتهيت من كتابتها اكتشفت أنني لم أقل ما أريده، فأصبح لها دون أن أدري أجزاء أخري.

عالم الطفل عالم سحري في ظننا، لكن هل هو فعلا كذلك، ألا يفكر الأطفال مثل الكبار، ألم تنتابنا تلك الأفكار نفسها ونحن كبار، لكن كيف كنا نعبر عنها.

العمل علي رواية علي لسان طفل هو عمل يتسم بمخاطرات متنوعة، فإما تكسب القارئ أو تفقده، وإما يتم تسطيح العمل إلي الدرجة التي يفقد فيها قيمته الفنية، ومخاطر السرد الروائي متعددة، هل سيقتنع القارئ.

لم تكن تلك هي القضية وحدها بل الأسطورة اليونانية التي تفجر خيال الطفل السارد، لا يجب أن تكون تلك العلاقة متوترة بشكل أو بآخر، العلاقة بين آلهة الإغريق وطفل مصري من بورسعيد، كيف يمكن بناؤها سرديا!

من المعالجات في هذه الرواية أنني كمؤلف ظللت أراقب الأطفال ونموهم وأفكارهم لفترات طويلة للغاية، قرأت الكثير عنهم، كل ذلك قد يؤهلني لكتابة عمل علمي لكنه لا يؤهلني لكتابة رواية، إنها أهم مغامراتي في السرد حتي الآن، أترك هذا العمل ليحكم عليه من يريد، لكنه في ظني مغامرة ومراهنة كاملة علي أن الطفل يمكنه أن يفعل الأعاجيب.

كان الحل الوحيد في النهاية أن أعود طفلا يكتب، أن أتقمص روح هذا الطفل الذي يناطح الآلهة ويستدعي الأساطير القديمة في زمن الحرب، علي أن أتحول إلي حالة من الهذيان السردي التي تمكنني من أن أعيش طفلا في زمن الحرب، كيف كان يمكنني أن أعري روح الطفل إن لم أتركه يتصرف كما يشاء، إنه يسرد الحكاية! لكنه لا يسردها كالكبار!

كان لابد من استخدام تقنية قريبة من الفلاش باك لكن بشكل أكثر عمقا في السرد وتقنياته، وتيار الوعي، أو ما يمكنني أن أطلق عليه تيار وعي الطفل، فالطفل لا يحكي بهذا الشكل المتعارف عليه لدي الكبار، إنه يحكي كيفما اتفق، لا يتوقف في المناطق التي يريد إظهارها، ويتوقف فيما لا يريد إظهاره حيث أعتقد أن هذا كان الأسلوب الأفضل لكتابة هذا العمل.

لذلك كان السرد يبدو كمجموعة من الحلقات الحلزونية المضفرة والممتدة، فهو يلقي بحكايات غير متصلة يمكننا متابعة بقيتها بعد حين من خلال الراوي الطفل نفسه، ونفس الراوي الذي يظهر في نهاية العمل كبيرا.

كان الأمر يحتاج مجهودا إضافيا يتعلق باللهجة البورسعيدية خاصة في الستينيات وكذلك اللغة اليونانية ببعض مفرداتها الشائعة أيضا، والبيئة في ذلك الحين، كذلك محاولة ملاحقة الزمن الممتد أحيانا بين 1956 وبين 1967، إضافة إلي الأسطورة الإغريقية الممثلة في الإله أبوللو.

السرد الحالي في الرواية المصرية

التعرض لموضوع الكتابة الجديدة يحتاج كثيراً من التأمل، خاصة وأن هناك العديد من القضايا التي تناولتها هذه الكتابات لكن أهم هذه القضايا أو السمات ما يلي:
1- التعبير عن سمات تخص عصرهم لم يتطرق إليها جيل الستينيات أو حتي من هم بعدهم، كالتعبير عن مجتمع المعلومات بكل تأثيراته.
2- محاولة إعادة تشكيل وبناء عوالم جديدة خاصة بهم تقترب في رؤاهم من الوحشية متأثرين في ذلك بالميديا الغربية من جانب وعجزهم عن تغيير العالم الذي يعيشونه من جانب آخر.
3- تناول قضايا وموضوعات تعد من المحرمات والتابوهات للكتاب من الجيل الأقدم مثل الجنس والشذوذ والدين والآخر بأعماقه والذات بكل ما فيها من نقائص.
4- التطرق للقضايا المتعلقة بشيزوفرينيا المجتمع المصري والعربي وانشطاراته.
5- التعمق في بعض الأشكال الفنية بدرجة عالية من التجريب كما في الرواية وقصيدة النثر.
6- مناقشة موضوعات تتسم بالفانتازيا والخيال العلمي وهو ما كان قليلا أو نادرا ما نجده في روايات ما قبل الجيل الجديد.

7- فيما أري أن أهم أشكال هذه الكتابات هي الإغراق في الذاتية أو الفردانية Individualism وعلي الرغم من أن التجارب الشخصية تعرضت لها الرواية من قبل إلا أن الرواية الحالية لدي كثير من الكتاب تنحو هذا المنحي.

الحقيقة أيضا أن مصطلح الجيل الجديد أو الكتابة الجديدة يحتاج إلي كثير من التأويل فقد أتحدث عن كتاب التسعينيات والألفية الجديدة بينما قد يتحدث آخرون عن ما قبل ذلك بقليل، وبصفة عامة أتفق أن الحياة الثقافية كانت تحتاج لمخاض كبير لم يستطع أن يفعله الشباب عبر كل أشكال الميديا، كالإنترنت والتليفزيون والإذاعة والنشر والمجلات، وأصبحت الكتابة والنشر يتسمان بروح ديمقراطية عالية حتي أن بعض دور النشر تنشر لمجموعات كبيرة من الكتاب معا سواء في مجلة أو كتاب، وأصبح هناك نوع من التفاعل بينهم وبين القارئ وهو ما لم يكن موجودا من قبل ويضيف الكثير إلي هذه التجربة الثرية، وأعتقد أن حرية الكتابة والنشر ستترك للسوق والقارئ بعد ذلك تحديد من هو الأفضل أو الأجدر بالقراءة، إنها الحرية بكل معانيها، وعلي الكتاب الكبار أن يشتركوا في اللعبة فليس هناك مناص من ذلك، كما أن الكتاب الجدد عل الرغم من أن الإنترنت كأحد أدوات الميديا هي التي اجتذبتهم في البداية إلا أنهم أيضا يحلمون بالنشر في الكتب والجرائد، إنهم لا يرفضون أي شكل من أشكال الميديا بل يتعاملون مع جميع وسائلها.

السرد الروائي في كتابات الشباب يتسم بالغرائبية والنحو باتجاه تناول قضايا ليست بالجديدة ولكن بأساليب أكثر تحررا عن ذي قبل، ولعل روايات مثل سرير الرجل الإيطالي لمحمد العزب وفاصل للدهشة لمحمد الفخراني وبابل لنائل الطوخي تمثل هذا الاتجاه المبني علي الغرائبية ومحاكمة الواقع العشوائي والإغراق في الجنس والفيتشية.. كل ذلك مما يؤكد علي ما ذهبت إليه.

كما أن أغلب المبادئ السردية يمكن هدمها بسهولة فلم تعد هناك مبادئ أو قواعد للكتابة، كل ذلك أثر من آثار الماضي في ظن أغلبهم، ولعل روايات أورهان باموك قد تركت هذا التأثير مثلا أو ساراماجو، أو كتاب أمريكا اللاتينية، لدرجة أن بعض الكتاب الشباب في أعمالهم يحاكون أساليب السرد نفسها والصيغ التعبيرية التي يستخدمها هؤلاء؛ إن هذا لمما يؤكد علي أن هناك انفصاما يكاد يكون شبه كامل بين الأجيال الجديدة وبين الأجيال السابقة من الروائيين المصريين لأسباب تتعلق بقيمة الأجيال السابقة في نظرهم ولارتفاع قيمة الآخر من جانب ثان، وهو في ظني سيكون واحدا من أخطر التأثيرات علي الرواية المعاصرة المصرية، لكن أيضا لن يستمر ذلك طويلا في ظل الانفتاح والليبرالية والتحولات الديمقراطية المستمرة.


0 تعليق:

Blogger Template by Blogcrowds