تقديم

تقوم هذه الورقة البحثية بدراسة مركزية السارد وحضوره، والفضاء النصي الذي يحتله من خلال الآلياتِ السردية التي يستخدمها، وتجعل صوته مسيطرًا علي السرد، وُتمَحوره حول ذاته واهتماماته، وترصد العلاقة بين حضور هذا الصوت وبين المؤلف الحقيقي، وذلك في ثلاثة نماذج تنتمي إلي الكتابة الروائية للروائيين الجدد الذين أخذت أعمالهم تنتشر في مصر منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي .

وتدرس هذه العلاقة من منطلق فرض يري أنه ثمة علاقة تماه ٍ بين السارد والمؤلف في الكتابة الروائية الجديدة، وأن هذا التماهي بوصفه علاقة بين طرفين: مجازي ( السارد ) وحقيقي ( المؤلف )، يدفع إلي رؤية السارد بوصفه صوتـًا فنيـًّا للمؤلف. وهذه العلاقة مشروطة بتصور أن النص الروائي الجديد ( الذي يصلنا من خلال صوت السارد، وهو ذات مجازية متخيلة ) لا يمثل المؤلف ـ وكذلك ما يتصل به من خبرات حياتية، و وقائع حقيقية، وأشياء موجودة في عالمه الحقيقي الخارجي ـ إلا بشروط خطابه الأدبي. و أول هذه الشروط إعادة بناء ما هو واقعي أو حقيقي، ليصبح علامة نصية مجازية لها قوة الحقيقي أو الواقعي. ومن ثم يصبح النص الروائي الجديد بخطابه الأدبي هو مصدر التعرف علي السارد/ المؤلف الذي صار علامة أو عنصرًا نصيـًّا، ومع هذه الصيرورة تنتفي الإحالة إلي السيرة الذاتية للمؤلف أو العالم الخارجي.

لنر ذلك من خلال النصوص.

التجريب واللعب ومحاكاة الذات في "الخوف يأكل الروح"

"الخوف يأكل الروح" رواية قصيرة، واضحة القصر، مقسمة إلي ثلاثة أقسام، في كل قسم يروي السارد حكاية عن شخصية أو شخصياتٍ، لا تحضر في القسمين الآخرين. الحاضر في كل أقسام الرواية، والقابض علي عملية السرد، هو مصطفي ذكري الذي يهيمن صوته، فيحكي، وينقل كلام الآخرين، ويشرح، ويعلق، ويعقب. مصطفي ذكري هو السارد وليس المؤلف الحقيقي كما سيتبادر إلي الذهن، فهذا اسم السارد الذي ورد في مفتتح الرواية علي لسان جورج المزيف ـ الزوجة التي كانت تقلد صوته ـ وهو يدعو صديقه للحضور:

"مصطفي .. مصطفي .. هكذا جاء صوته لجوجًا علي الهاتف». (ص12)

و ُذكر كاملا ً ـ في القسم الثاني ـ علي لسان السارد نفسه في سياق كلامه عن "الرسائل" التي كتبها لصديقة التليفون:

" تعليق علي الخطاب الثاني عشر المفقود، ويضاف في هذا الخطاب لسان آخر إلي ألسنة الباب الخارجي لبيت مصطفي ذكري». (ص42)

السارد مصطفي يضعنا أمام ظاهرتين متداخلتين: وجود سارد مسيطر علي عملية السرد، وتماهيه مع المؤلف الحقيقي. سيطرة السارد تحقق من خلال بعض الأساليب السردية والمهارات الكتابية التي تجعله مسيطرًا علي عملية السرد وحسب، وُتمَحورها حول ذاته واهتماماته. وهناك أسلوب بعينه يعتمد عليه سارد "الخوف يأكل الروح"، هو التوليد الذي ينتج تكرارًا، ويمكن القول إننا أمام سارد مولع بتوليد حكايات وأفكار، تتحول بفعل التوليد المستمر إلي مجموعة من التفاصيل، هذه التفاصيل تمثل الواقع وما هو موجود بالنسبة للسارد.

في الاستهلال أو مفتتح القسم الأول يقدم السارد أصدقاءه جورج وزوجته نانا، فيبدأ بتقديم ما تتميز به نانا من "سمات خفية فوق طبيعية». (ص7)، ثم جورج الفنان التشكيلي الكلاسيكي الذي يشبه زوجته، ويمتلك كلبًا يجمع بينه وبين صاحبه عرج خفيف في الساق اليمني لكليهما. هنا يشرع السارد في سرد أفكاره حول " تزامن العرج في الكلب وصاحبه». (ص9)، ثم يحكي قصة إصابة الكلب بالعاهة علي يد صاحبه. حيلة استغل فيها جورج طبيبين بيطريين، يكسر جورج ساق كلبه اليمني، ويحضر طبيبًا لوضع جبيرة، وبعد مضي نصف المدة يستدعي طبيبًا آخر لفكها، لتدوم عاهته أبدية "كما دامت عاهة صاحبه». (ص9)، ثم يرفع دعوي ضد الطبيب الثاني بتهمة فك الجبيرة في نصف المدة، فتحكم المحكمة "بسحب رخصة العيادة منه لكونه تسبب في عاهة مستديمة لكلب مرخص». (ص9). تنشر الحادثة تندرًا في صحيفة يسارية، ويقرأها الطبيب الأول وكان علي شيء من الثقافة، فيكتب تعليقا إلي الصحيفة ـ يلخص السارد مضمونه ـ استشهد فيه بمشهد في فيلم قديم بعنوان رجل وامرأة، يظهر فيه الرجل وكلبه وهما يغمزان في مشيتهما الغمزة نفسها، وبعد الاستشهاد يقص قصته مع جورج وكلبه توني، و" يتهم جورج بالوحشية والجنون وعدوي الواقع بالفن، ليبرئ ساحة زميله، لكن مع الأسف أخذ التعليق مأخذ الطرافة، ولم يتحرك أحد». (ص10)

التوليد يبدو واضحًا، فمن تزامن العرج يتولد سؤال السارد، ومن السؤال يتولد تفسير محتمل لإصابة جورج، ومنه تتولد قصة السبب المؤكد لإصابة الكلب، ومنها تتولد قصة القضية، وتحولها إلي خبر صحفي طريف، ومقال الطبيب الأول، ثم التعليق الختامي للسارد. وهناك ظاهرتان مهمتان: الأولي التفاصيل التي تتصل بقصة عرج توني نتيجة التوليد، والثانية وجود طرفين ينهض عليهما ما يقصه السارد : فكرة جادة ومثيرة للانتباه، وفكرة أو شيء هامشي أو تفصيلة صغيرة بعيدة عن الانتباه، يبدأ السارد في التركيز عليها، فيزداد حضورها، وتتصدر المشهد. فقد تحول السارد تدريجيا عن تقديم شخصية جورج وعرجه إلي عرج الكلب، و أزاح الشخصية الإنسانية عن مركزها الذي حظيت به في السرد الكلاسيكي، وجعل هويتها وملامحها مرتبطة بدخولها في علاقة مع العنصر الهامشي الآخر، فعرج الكلب يحدد الطبيعة النفسية المضطربة لشخصية جورج. وبعد أن يقدم لنا السارد جورج ونانا يأتيه صوت جورج لجوجًا عبر الهاتف، يطلب منه الحضور:

" مصطفي .. مصطفي .. هكذا جاء صوته لجوجًا علي الهاتف. أعرف جورج ونانا منذ عشر سنوات، لكنني لا أشاهدهما كثيرًا لكثرة العمل. قال أريـد أن أراك، هناك أشياء حـدثت يجب أن تعرفها، ثم قال بصوت مشروخ، توني مات، يجب أن تحضر.طلبت منه أن يهدأ حتي أعرف لماذا يريد مني الحضور بهذه الطريقة المفاجئة لاسيما والليل يتقدم ويوغل في شتاء بارد،لكنه لم يقل غـير نبـأ موت كلبه توني .. وضعت سماعة الهـاتف، وشرعت فـي ارتداء ملابسي، وانطلقـت مسرعًا إلي حي جاردن سيتي،كان البيت من طابقين علي الطراز القديم.. البيت في شارع هـادئ جدًا.تذكرت توني، لطالما قام جورج مع كلبه العزيز بتمشية الصباح في هذا الشارع الهادئ .... هل كان انزعاج جورج لموت كلبه يصل إلي هذا الحد؟ ثم ماذا عن زوجته؟هل أصابها سوء لموت توني؟.

علي الدرجات القـليلة التي تؤدي إلي الباب الخارجي الكبير المصنوع مـن حديد أسود مشغول، وخلفه زجاج إنجليزي سميك مضلع ـ وجدت فأرًا سمينًا بليدًا منتخفا بصورة مرعبة،يحاول هبوط الدرجات من منتصفها.كان حريا به أن يهبط الدرجات عند أقصي جوانبها لأنه يعترض طريقي.نعم كان كبير الحجم لكن هـذا ليس سلوك فأر. كان لونه يضرب إلي الرمادي القاتم المشوب بلون ترابي أغـبر وكالح. وكانت حركته بطيئة جدًا، بل كانت حركة بائسة كريهة. كانت درجات السلم عالية علي وزنه الثقيل، لذا كان عند كل درجة يتوقف قليلا، ويحاذر الهبوط الذي يأتي في النهاية ارتطامًا ووقوعًا علي فمه.حركته تفتقر بشكل مريع معني الرشاقة.توقف عند قدمي بغباء عنيد، وأبعد ما يكون عن معني الجرأة وكأنه يريد مني أن أفسح له الطريق هكذا بلا مبالاة وخمول يبعث الرهبة في النفس.

كان فـمه وأنفـه ملطخـين بدم متخـثر جاف من أثر اندلاقه علي بوزه أثناء هبوطه درجات السلم..... وكان الاشمئزاز يرتفع في داخلي كرغبة في القيء. لكن شروعه في متابعة هبـوط درجات السلم بحركته البطيئة البائسة ـ فـور زوال العـواقـب والحـواجـز من طريقـه ـ دغدغ شيئـًا ما في أعماقي السحيقة.

شيئًا وجوديا.كأنني أشعر بذنب لا خلاص منه لاحتقار هذا الكائن منذ لحظات.

إنه الآن يتابع طريقه و يستأنف سيره غاسلا شعوري بالاشمئزاز نحوه. إنني الآن و أنا أنظر إلي مؤخرته و ذيله السميك واندلاقه المأساوي علي درجات السلم و افتـقاده لليسر ودأبه علي العـسر ـ أحترم كـينونة مجهولة ومتباعـدة ومغرقة في بيوريتانيتها، أحترمها و أقدرها و أطمئن إليها. لكن بعـد كل هـذا أليـس هناك انقـباض في صدري مفاده أن أري هذا الفأر السمـين المتـخم بوجوديته الغامضة ـ قبل رؤية الصديقين العزيزين جورج ونانا؟». (ص 12، 13، 14).

مفاجأة المكالمة، ونبرة صوت جورج وإلحاحه، وتوقيت المكالمة، ومنولوج السارد المنفعل تقول إنه لدينا حدث جاد ومثير، لكن السارد يتحول من الحدث الجاد محطمًا توقعنا إلي حدث آخر هامشي ـ يفترض ألا يثير انتباهه وهو في هذه الحال الانفعالية ـ وهو هبوط فأر ضخم للدرج. شيئـًا فشيئـًا يدفع بالفأر إلي الصدارة، فيبدو علي القدر نفسه من أهمية الحدث الجاد. ويأخذ السارد في وصفه بدقة متناهية، ويسرد تفاصيل تحيل هبوط الفأر للدرج إلي حادث مثير، أثار مشاعر و أفكارًا داخل وعي السارد، انتهت بربطه بالحدث المثير الأول الذي جاء من أجله، وهو مقابلة نانا وجورج، ويحدس بأمر غير سار.

هذا الأسلوب السردي يكشف أمرين، الأول انشغال السارد في التفاصيل انشغالا يكشف عن لحظة عبثية نادرة، لحظة لعب. فالشيء الهامشي التافه ( مثل فأر ) يأخذ منه مجهودًا في القول مقارنة بالحدث الجاد(1). لكن السارد الذي يمتلك رؤية جمالية خاصة لا يراها كذلك، يراها ذاتا موجودة، ربما كان وجودها غامضا، لكنه وجود طاغ ٍ، له حضوره الآني في ذاته ( لاحظ قول السارد ضغط السارد علي ذاته والظرف "إنني الآن" في مواجهة هذا الوجود )، وفوق ذلك هو وجود مؤثر، أثر في السارد. والثاني أن الهامشي هذا "الموجود الآن" لم يعد عارضًا، إنه مرتبط بما يبدو أنه جوهري، هذه رؤية السارد التي دفعته إلي ربط رؤية الفأر برؤية الصديقين.

وبالطريقة عينها يقوم بالسرد في القسم الثاني الذي وظفت فيه عناصر من سيرة المؤلف الذاتية، فهو يستهله بالحديث عن باب البيت الخارجي غير المغلق بإحكام دائمًا، والشعور بفقدان الأمان الذي أصابه نتيجة لذلك، ودفعه إلي الجلوس أمام الباب ليؤمن نفسه. ويقع البيت في شارع خسرو باشا، ومن موقعه أمام الباب الخارجي يمكنه أن يري أي شخص "يحاول الدخول إلي حرمة البيت"(ص31). ويولد من ذلك حكاية "سعدية المجنونة" التي كان يراها من موقعه، وحكاية شارع خسرو باشا مع البلدية، ثم حكاية أفراد أسرته، وذكريات طفولته، والخوف المتأصل في نفسه الذي يتولد عنه حكايته مع صديقة التليفون المجهولة التي تتصل به، والمكالمات والرسائل المتبادلة ومضمونها. و دومًا يولد أفكارًا تخصه، فمن مضمون الرسائل تتولد فكرة "القبح"، فيناقشها من خلال علاقته بشعوره بالخوف، وتولد فكرة القبح مسائل تتعلق بالصلة بين الكتابة والقبح، مثل استخدام الأسلوب الساخر والجاد، أو المتفلسف والتقريري المباشر في قول الأشياء. ومع نهاية الفصل ( المضني علي قصره) يصبح السرد مجموعة من التفاصيل الصغيرة لذوات غالباً مهمشة (سعدية المجنونة، وأفراد أسرته العاديين، والسارد نفسه الذي يكتب روايات عاطفية من الدرجة الثانية ).

هذه التفاصيل تدخلنا في دوامة مرهقة ـ أحيانًا ـ من التلقي، وتكشف عن وجود ذات ساردة منغمسة في وجودها الفردي وزمنها الخاص، ذات تهتم بالأشياء الهامشية والصغيرة، لا لشيء إلا لتصور وجودها وطغيان إحساس السارد بهذا الوجود. ومقابل ذلك لم تعد فيه الجماعة ولا قضايا الوطن الكبري السياسية والاجتماعية والتاريخية محط اهتمامها، ومن ثم تصبح طريقة التوليد والحرص علي التفاصيل طريقة كتابة، و تفكير، و رؤية للعالم. نعم، طريقة كتابة تكشف عن قناعات المؤلف الجمالية وكيف يري العالم من خلالها، هذه القناعات تظهر من خلال مصطفي ذكري السارد المتخيل و الصوت الفني لمصطفي ذكري الحقيقي.

وتؤكد أعمال مصطفي ذكري المؤلف أن التوليد والانشغال بالتفاصيل وبالهامشي إستراتيجية كتابة، فقد أقام نصه "تدريبات علي الجملة الاعتراضية" علي الجملة الاعتراضية، وهي محدودة الاستخدام، وينظر إليها علي أنها جملة فرعية، فقلب مصطفي ذكري التراتب الشائع عنها في البلاغة والكتابة العربيين، وحولها إلي أصل، إلي جملة أساسية، لكن هذا القلب تحقق بواسطة كتابة تبدو للنظرة الأولي مهارة أو لعبا شكليا . أما دال "المتاهة" الوارد في عنوان نصه "هراء متاهة قوطية"، فيصف طريقة التوليد للأفكار والحكايات التي ترهق القارئ، وتشعره أنه يسير في متاهة تدوخه، وهي طريقة واضحة بقوة في سرد القسم الثاني من "الخوف يأكل الروح". وفي "مرآة 202" يعتمد سرد البطل عماد علي التوليد والتكرار. ومن ثم فنحن أمام كتابة روائية مختلفة عن الكتابات التي تسبقها، خاصة كتابات نجيب محفوظ، والكتاب الذين عرفوا بجيل الستينيات، ولا يزالون يكتبون، مثل: محمد جبريل، وجمال الغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد.

الصلات بين"الخوف يأكل الروح" ونصوص المؤلف الأخري خاصة "مرآة 202"، تكشف لنا عن تقنية أو مهارة كتابية أثيرة لدي السارد، تجعله حاضرًا ـ لحظة القراءة ـ في سياقات السرد المختلفة، وهي اختلاف الضمائر الذي يمنح صوت السارد تنوعًا، وتجعلنا نراه بضمائر مختلفة، في المقطع السردي الواحد. ويعتمد السارد في هذه التقنية علي لعبة الغموض والوضوح التي تمنح حضور السارد ثراء أكثر، فهناك مقاطع سردية في القسمين الثاني والثالث تبدو غامضة في سياق ضمير الغائب، تعقبها مقاطع بضمير المُتكلم تزيل غموضها، وتدفعنا إلي العودة لرؤية ما كان غامضًا مرة أخري. وهذه اللعبة أوضح ما تكون في المقاطع التي يتكلم فيها السارد عن الخطابات التي تبادلها مع صديقة التليفون.

"الخطاب الثالث عشر. قالت امرأة قبيحـة بعد ثرثرة مرحة ـ لرجل قبيـح وبلهجة جادة هل أنا قبيحـة ؟ أجاب الرجل بلهجة لا تقـل في وجومها عـن لهجة المرأة ـ بصيغة سؤال .كان سؤال هو نفس السؤال الذي سألته، هل أنا قبيح؟ أجابت المرأة باستغراب وقالت أنت رجل... (ص42)

كـثرت نساء الرجل القبيح بعـدد لا نهائي ومع الكثرة أتقـن الرجل تفاصيـل دقيقة عن المرأة القبيحـة التي قطـع علاقته بها إلي الأبد منـذ أن قالت له أنت رجل. تلك الشجاعة التي جعلته مثـل دون جـوان. إنه كلب وفي حمل في عقـله وقلبه فضل المرأة القبيحة التي دفعتـه إلي عالم النساء. قالت إن لك يـدًا غليظة ثقيلة حين مسكتُ يدها، لم أقصد أن أكون ثقيلا غليظا وأنا أمسك معصمها... (ص43)

فالغموض الذي يلف سياق ضمير الغائب علي امتداده السردي يزول مع التحول إلي ضمير المتكلم الذي يخص السارد وحده في النص. ولكن لماذا الإشارة إلي المقاطع السردية الخاصة بالرسائل تحديدًا ؟. لسببين: الأول أن هذه المقاطع تحولت إلي مجال لمهارات كتابة ذات طابع تقني صرف، واختلاف الضمائر لعائد واحد هو مهارة تقنية من تلك المهارات. والثاني أنها إحدي الوسائل التي تصنع منطقة يتماهي فيها السارد مع المؤلف، وذلك من خلال المزج بين أحداث القصة كما يحكيها السارد وبين هموم الكتابة المهنية البحتة التي تخص المؤلف الحقيقي، والتي يفترض ألا ُتعرض داخل الحكاية. المهارات التقنية الصرف بدورها تعبير عن هذه الهموم، عن هوس كتابة تجرب بطريقة مختلفة، ولهذا ترد إشارات ـ في هذا السياق تحديدًا، سياق فكرة القبح التي ولدها السارد من مضمون الرسالة الثالثة عشرة ـ إلي نصوص للمؤلف الحقيقي، يمكن وصفها بأنها نصوص تجريبية تعبر عن هموم الكتابة :

" علي سبيل المثال لا الحصر، فأنا قد تحدثت في وقت مضي عن القبح بشكل مجرد، وكانت مناسبة الحديث هي إحدي القصص التي تحمل عـنوان"حديث الصورة" و كانت القصة ضمن كتاب صغـير بعـنوان " تدريبات علي الجملة الاعتراضية". كان حـديثي في " حديث الصورة " موجهًا بشكل مباشر إلي القارئ........ لكن ما إن بدأت الكتابة حتي هاجمتني أسباب فنية بحتة ذات طابع تقني صرف. (ص44)

"تدريبات علي الجملة الاعتراضية" ـ كما أشرنا سلفا ـ نص لمصطفي ذكري الحقيقي، إذن لدينا اسم المؤلف الحقيقي، ونص من نصوصه، يضاف إلي ذلك عناصر من سيرته الذاتية : الحي السكني، والبيت، وأفراد الأسرة. وهناك تأثير هذا البيت علي التصورات الجمالية التي تشكل كتابة "الخوف يأكل الروح"، وقبلها "تدريبات علي الجملة الاعتراضية" :

" كان قـدري في هذا البيـت أن أري بشكل أبدي كل الأفعال البسيطة وهي تؤدي بدقة متناهية وكأنها تؤكد روحًا أخري وراء جديتها، روحًا عبثية يقع تحت تأثيرها كل من يراقبها». (ص30)

السارد يتكلم عن أسرته من موقع المراقب لما يؤدونه ـ خاصة الأب ـ من أعمال بسيطة ( فهم أفراد عاديون تمامًا )، وها هو ذا قد وقع تحت تأثير روحهم ( لنلاحظ إشارة السارد إلي القدر)، فظهر في كتابته. هنا يحدث التباس بين المصطفيين السارد ( المتخيل) والمؤلف ( الحقيقي )، قد يفضي إلي إقامة علاقة تطابق، والنظر إلي الصوت المتكلم علي أنه صوت المؤلف الحقيقي. لكن يجب ألا تخدعنا عناصر السيرة الذاتية وبعض التجارب الشخصية، خاصة وهي ترد في سياق ضمير المتكلم الذي نبني عليه دائمًا ـ في هذا النوع من الكتابة ـ وهم التطابق.

المسألة كلها تتعلق بـ"هموم الكتابة"، وبأسباب فنية بحتة ذات طابع تقني صرف دفعت إلي توظيف هذه العناصر، وهو ما يجعلنا أمام كتابة أشبه بمحاكاة الذات، يحاكي المؤلف ذاته من خلال السارد. وإضافة بعض عناصر من السيرة الذاتية والتجارب الشخصية ذريعة مصطنعة لكتابة تجرب، وتعتمد علي لعب ومهارات محاكاة الذات مهارة منها. وإذا ما تذكرنا أن السارد كاتب روايات عاطفية من الدرجة الثانية، فسندرك أنه واقع تحت تأثير هوس المهنة، مهنة الكتابة.

تجربة المؤلفــة) وتجربة السارد(ة) في " دنيازاد

" العلاقة بين المؤلف والسارد في نص مي التلمساني " دنيازاد " أكثر تعقيدًا منها في "الخوف يأكل الروح"، وتنشأ عنها مشكلة ترتبط بنوع النص لا نصادفها في نص مصطفي ذكري. فطبقـًا لتصريح المؤلفة الحقيقية، فإن روايتها " دنيازاد " تحكي تجربة شخصية، تجربة ولادة طفلتها دنيازاد وموتها. لكن الاكتفاء بهذا الوصف غير دقيق؛ لأن النص يجعل من حدث الولادة نقطة انطلاق لسرد تجارب وخبرات أخري. فالسرد يبدأ بحادثة موت " دنيازاد" في سياق ضمير المتكلم للساردة:

"جاءت دنيازاد إلي الغرفة 401 للمرة الأولي والأخيرة تودعني في

أكفانها البيضاء». ( ص7)

لكن سرعان ما يتحول هذا الحدث إلي مثير لأحداث أخري ترويها الساردة، وتؤدي فيها الذاكرة دورًا أساسيا : الزواج، ليلة الزفاف في بيت أسرة الزوج، الحمل، المخاض وآلامه، الجراحة، موت المولود، الدفن، بشائر حمل جديد). وفي سياق القص تستدعي أحداث منتقاة بعناية ذات صلة بأزمة الفقد : جانب من طفولة الساردة وتكوينها الثقافي، وبيع البيت، واستقالة الساردة من عملها. ويمزج السرد هذه الأحداث الخارجية بأفعال الوعي الداخلي ونشاطه: تخيل الساردة لمراحل نمو دنيازاد، والمشاعر ـ خاصة المخاوف والأحزان ـ والأفكار المقترنة بها، وهناك من جانب الساردة تتبع لحالتها الانفعالية، وتطورها الداخلي بعد موت دنيازاد، وتأثيرها علي علاقاتها، وهو ما يظهر بوضوح في نهاية الرواية بعنوانها الدال " نقطة تحول"، وهو فصل يلخص ويضيف :

" بعد مضي شهور، كنت قد كتبت كتابًا جـديدًا وقدمت استقالتي و خاصمت عـددًا من صديقاتي و شربت السيجارة السادسة في حياتي و قررت أن أنجـب طفـلا ً ثالثا يتحـرك الآن في جـوفي . كما أنني تشاجرت لأسباب تافهة وكـدت أصدم رجلا بسيارتي...ثم إنني شاركت زوجي بيع بيـت العائلة وشاركـت شهاب الدين تجربة الحب الأول...لكني أعربت عن سأمي من البواب الجديد الذي لا يغسل السيارة جيدًا ومن الخادمة الجديدة التي تكسر صنبور الماء...ومن أم زوجي التي تكثر السؤال عن تفاصيل كل شيء... أتابع في حرص سريان الدماء المنتفضة علي جانبي الجبين وأتخيل أني مصابة بلوكيميا (هل يسري المرض الآن في نطفة هذا الطفل الثالث الذي أنتظره حقا دون حماس كبير؟ ماذا لو أصبت حقا بلوكيميا؟). صرت الآن أثير غضب زوجي.ترك المنزل ليلتين وعاد.أعطاني خطابا طويلا. قرأته وبكيت في رقة الهواء.لازلت إذن أشعر بمشاعر طيبة تجاه الأشياء.... أشعر بالخوف...». (ص82،81)

يظهر من سياق السرد، في المقتبس، ولغته حضورًا كثيفـًا للذات الساردة ومعاناتها: ضمير المتكلم والمنولوج، والتصريح بعمليات شعورية متميزة، والحس الرومانسي الذي يطل من الخوف من فقدان المشاعر الطيبة، ومن الحرص علي إظهار أحاسيس معينة بالرغم من الحالة الانفعالية السلبية التي تمر بها الساردة ( الإحساس بـ"رقة الهواء" ). وفي المقتبس تروي الساردة أحداثا تلخصها بلغة موجزة ومكثفة، وهي أحداثا واقعية، يعتمد بعض الباحثين علي واقعيتها، فيصفون النص بأنه "رواية سيرة ذاتية"، وهو مصطلح مركب يدل علي أن النص مركب من شكل الرواية وبعض خصائص السيرة الذاتية، ولهذا علاقة بمسألة حضور السارد وتماهيه مع المؤلف.

من الواضح أننا أمام نموذج روائي يرتبط فيه حضور السارد، وتماهيه مع المؤلف ـ بشكل أساسي ـ بالصيغة الأدبية، الصيغة الأدبية بمعني ضيق يقتصر علي الدلالة علي الموضوع وليس علي الشكل أو تقنيات السرد(2). فموضوع السرد، تجربة ذات بُعد سير- ذاتي لمؤلفة لها وجود تاريخي متعين، وهذه التجربة السير- ذاتية ترويها ساردة ـ في المقاطع الخاصة بها ـ بضمير المتكلم. إذن عبر ضمير المتكلم يمثل صوت ساردة متخيلة، وعبر موضوع سردها تمثل مؤلفة حقيقية . وهناك عناصر أخري بجانب الصيغة الأدبية (التجربة الشخصية المروية ) دفعت بعض الباحثين إلي المطابقة بين الساردة والكاتبة، وتبني معادلة ( السارد = المؤلف ): فهما امرأتان شابتان، حرفتهما الكتابة الإبداعية، ولهما التكوين الثقافي نفسه(3). ومثلما ُيستخدم مصطلح نوعي مركب ( رواية سير ذاتية ) لتحديد الشكل السردي لـ " دنيازاد "، يستخدم مصطلح مركب (الراوية الكاتبة ) لتحديد نمط الصوت السردي الأنثوي، وهو مصطلح يدل علي تطابق الشخصين المتخيل والحقيقي. ويعزز التطابق علامات أخري، يتم التعامل معها علي أنها علامات تشير إلي مرجع خارج النص، منها الإهداء، والتصريح باسم الزوج ( وليد)، والمكان الحقيقي متمثلا في الحي السكني، والإشارة إلي نصوص للمؤلفة، مثل " نحت متكرر".

وبناء علي ذلك يعتمد توصيف الشكل السردي ونمط الساردة في " دنيازاد "علي وجود مرجع خارجي، ومعرفة بالسيرة الذاتية للمؤلف(ـة)، وهذه المعالجة ربما تكون مقبولة لأغراض الدراسة العلمية، لكنها تنتج مشكلات عند النظر إلي النص من زاوية العلاقة بين المؤلف والسارد، هذه المشكلات تخص تشكيل النص، ونوعه، وتلقي القراء الذين يشكل مصطلح تحديد النوع أفق توقعاتهم. فنوع النص محدد بمصطلح " رواية"، ويغيب من الغلاف أية علامة تشير إلي " العقد السير- ذاتي"، علي غرار ما نجد في نص نعمات البحيري "يوميات امرأة مشعة"، فبالرغم من تحديد نوعه بمصطلح "رواية" فإن العنوان يتضمن مصطلح " يوميات"، ومن ثم يتحدد شكل النص وخصائصه من تفاعل المصطلحين معًا، ونصبح إزاء "رواية سيرية" دون حاجة إلي مرجع خارجي. والقراء الذين لا يعرفون شيئـًا عن سيرة المؤلفـة الحقيقيـة سيتلقـون النص بوصفه رواية، أي نصًّا يقدم حدثا متخيلا لشخص متخيل، وسوف يتعاملون مع الشخصيات والعلامات الأخري (مثل الأسماء والأماكن والوقائع) علي أنها علامات خيالية، لا مرجع لها في العالم خارج النص.

الصوت السردي وبنية الزمن لهما دور في هدم وهم التطابق، فالساردة لا تروي الأحداث بمفردها، هناك صوت آخر، صوت الزوج الذي يكاد يقتسم وظيفة السارد مع صوت الزوجة الساردة، أقول يكاد لأن حضوره أو المساحة التي يشغلها ـ إذا ما وضعنا في اهتمامنا الشكل الطباعي المختلف للمقاطع التي يرويها الزوج ـ يتضاءل تدريجيا أمام حضور صوت الساردة والمساحة التي يشغلها، كلما تقدمنا نحو نهاية الرواية. وهناك علة واضحة لإدخال صوت الزوج ـ غير التفسير الذي تربطه بتكامل منظوري النوع الإنساني للحياة ـ وهو اكتمال الحدث.

فالزوج يروي بضمير المتكلم الأحداث التي لم تعاينها الساردة بنفسها، وغابت عنها : ما حدث في غرفة العمليات ولحظة الخروج منها، وخبر موت الطفلة وإخفاءه عن الزوجة/الساردة، ونتيجة التقرير الطبي، وطريقة إخبار الزوجة، وإعداد المقبرة، كما يروي ـ بوصفه شريكا للساردة في فاجعة موت دنيازاد ـ مشاعره وأفكاره الباطنية تجاه الحدث، وكأن الكاتبة تريد للساردة أن تكون من ذلك النوع الذي يظهر موضوعيا، فلا يروي إلا ما كان شاهدًا عليه.

وينظم السرد الأحداث وفقـًا لنظام زمني أدبي معقد نوعًا ما، بالرغم من البساطة التي يبدو عليها النص. فتروي الأحداث بطريقة غير منتظمة يتداخل فيها الماضي والحاضر، وهي سمة لخطاب الساردة بوصفها صاحبة اليد الطولي في السرد، إذ يمكن وصف خطابها السردي بأنه خطاب زمني صريح، بمعني أن الحس بالزمن يطبعه بقوة، ويظهر ذلك من خلال تواتر علامات زمنية تحدد زمنًا معينا، أو تشير إليه إشارة غير متعينة. سنأخذ العنوان الأول " سلة ورد " نموذجًا، فهو يبدأ علي لسان الساردة بلحظة ما بعد الولادة (الموت)، ثم تستعاد لحظة الحمل والإعداد لاستقبال المولود، ثم الدفن، ثم الخروج من المشفي والعودة إلي البيت. عند هذه النقطة الزمنية يتحول ما كان حاضرًا إلي ماض، تصبح دنيازاد ماض يستعاد مع لحظة الحاضر التي ترصد فيها المشاعر والوضع الذي آلت إليه الحياة بعدها، ومنذ تلك اللحظة تكثر أفعال الاستعادة والتذكر، وتتداخل الإشارات الزمنية للماضي والحاضر:

"كثيرًا ما كنت أشعر أننا أربعة أفراد في الأسرة فلا أجد غير ثلاثتنا منذ تسعة أشهر، كنت أعـد العدة لاستقبال هذا الكائن الرابع الذي نما بداخلي، بتفاصيله اليومية.

اليوم أفتقده وأستعيد حياتي بصورتها الأولي.عاد جسدي إلي سيرته الأولي. وعاد كل شيء إلي نقطة البدء». ( ص24)

هذا المقتبس مجرد نموذج لخطاب ذي طبيعة زمنية في الرواية، خطاب تشيع فيه الدوال الزمنية المحددة بشكل واضح. وعندما نقول إن تجربة ولادة دنيازاد وموتها نقطة انطلاق لاستعادة شطر من الحياة: ذكريات من الطفولة، والزواج، وبيع البيت، والحمل، والولادة والموت، وأن هذه الأحداث تنسب إلي المؤلفة الموجودة في العالم خارج النص، فإن هذه الأحداث كتبت بشروط أدبية النص الروائي، وأول هذه الشروط الانحراف الزمني الذي يشتهر به السرد القصصي عمومًا. فالساردة تتعامل مع الزمن بوصفه خبرة فردية تعيش في ذاكرتها ووعيها، بوصفه وهو ما مكنها من إعادة ترتيبه، واختيار لحظاته وما يرتبط بها من أحداث خارجية وداخلية، متحررة من قيوده التي يرتبط بها وقوع الأحداث في العالم خارج النص الأدبي. باختصار، صنعت الذات الساردة زمنها الخاص الذي يضفر الحاضر مع الماضي، وجاء خطابها مجسدًا لهذا الزمن، وهذا الخطاب الروائي بأدبيته الزمنية ـ لو جاز هذا الوصف ـ يعلق علاقة التطابق بين المؤلفة والساردة التي باتت تحيا زمنًا مختلفـًا، فالأحداث التي تسردها ( وينظر إليها علي أنها تجربة شخصية أو سيرة ذاتية ) تقع في الزمن، والزمن يعاد تشكيله، ومن ثم يعاد تشكيل ما يقع فيه، فيغدو متخيلا، يجمع بين الأصل والتحول. ويجب أن نضيف أن التحول يحدث بواسطة الكتابة، وأن الكتابة أصبحت أصلا ً، فحدث موت دنيازاد انتهي، لم يعد له وجود إلا في الذاكرة، أو الوعي الذي ربطه بأحداث الحياة الشخصية الأخري، وهنا تطرح الكتابة نفسها علي الساردة ( لأنها من نوع الرواة الذين يكتبون الأدب) بوصفها وسيلة لإبقاء ما يتهدده الزوال والفناء.

وفي هذا السياق نشير ـ من خلال كلام الساردة ـ إلي نقطتين: الأولي أن إعادة تشكيل الزمن في كتابتها ليست سوي تجسيد لعملية إعادة إنتاج للأحداث داخل الوعي :

"كان عقلي يعمل بانتظام.تعود الصور الواحدة تلو الأخري، وتحتل مساحات متباينة من رأسي.أعيد إنتاج الأحداث وأسأله عمن يعرفون». (ص22)

والثانية أن هذه العملية اقترنت برغبة في إعادة تشكيل العالم، واستعادة الذات التي ظهر للساردة من استعادة الأحداث، وإعادة إنتاجها أنها لا تعرفها بعد :

" أستعيد لحظات الألم الأولي، كالمحارات.وأكتشف أني نسيت طعم وشكل ورائحة الألم. لم تبق لدي سوي تلك الرغبة في إعادة تشكيل العالم، وفقـًا لقانون الغياب.

عدت إلي زوجي وابني الوحيد وبيتي الوحيد وبعض أصدقائي، ولم أجد بعد نفسي التي تصورت أني أعرفها» . (ص 24،23)

كتابة " دنيازاد " استجابة لتلك الرغبة، فقد أعادت الساردة فيها تشكيل العالم وفقـًا لغياب دنيازاد، فتقلب الغياب إلي حضور، والموت إلي حياة، غير أنهما حضور وحياة مجازيان ليسا مثل الحياة الحقيقية التي تروي في السير الذاتية. ويهدي النص المكتوب دون أن تمهره المؤلفة باسمها، ويجمع بين كونه إهداءً حقيقيا ("إلي شهاب الدين") ومجازيا ( " ووجه دنيازاد " ) في آن واحد.الإهداء المجازي موجه إلي "وجه" دنيازاد، لماذا المجاز المرسل؟ لأن الوجه هو أول وآخر ما طالع الساردة من دنيازاد، ومن ثم مَثـُل في الذاكرة مقترنًا بها وبكل ما ارتبط بها من مشاعر وآلام وتصور للحياة قبل الولادة (كان تصور الساردة للحياة مرتبطا بوجود أربعة أفراد) وبعدها. الرغبة في تصوير الحياة قبل الولادة وبعدها ـ وليس كتابة سيرة ذاتية بأسلوب روائي ـ هو هدف الكتابة، وحدث الولادة والموت محرك لهذه الرغبة، ووقود للكتابة الروائية التي لا تعبأ إلا بنفسها وبما تريد قوله بقطع النظر عن الصيغة الأدبية أو الموضوع الذي ستعيد تشكليه ليقول ما تريده الكتابة، وما نقوله يرتبط بالحمولة التراثية لاسم دنيازاد الُمتخَذ عنوانًا للرواية.

دنيازاد شقيقة شهرزاد صاحبة فكرة قص حكايات للملك شهريار، لإعادة تأهيله نفسيا، وتغيير تصوراته عن الحياة وعن المرأة، وهو ما يحدث عندما تنتهي شهرزاد من قص حكاياتها. والساردة تدرك ـ بحكم أنها في النص كاتبة ـ دور دنيازاد في إنقاذ حيوات من الموت بالحكي، وكتابتها هي الحيلة نفسها، فهي تلعب دور دنيازاد وتنقذ الابنة من الموت من خلال الكتابة السردية. إذن ليست الساردة هي المؤلفة الحقيقية، الساردة شخصية نصية تماثل شخصية دنيازاد في نص ألف ليلة وليلة، ولا تماثل مي التلمساني في العالم خارج النص، ومن هذا المنظور، يعلق التناص علاقة التطابق، ونصبح أمام علاقة تماه أو تماس تؤسسها الصيغة الأدبية في النص.

إذن الطرح السابق لا ينفي وجود علاقة بين الساردة والمؤلفة الحقيقية، ففي الوقت الذي يقوض فيه وهم التطابق الذي نشأ بسبب الربط بين الصيغة الأدبية ووقائع خارجية غير نصية، يقيم علاقة نصية من نوع آخر. وكان الدافع وراء ذلك معالجة بعض المشكلات التي نشأت عن ذلك، مثل إدراج الرواية ضمن (الرواية -السير ذاتية)، وما ترتب عليه من تحديد نمط السارد بأنه ( الراوي الكاتب)، وتبني معادلة السارد هو المؤلف، وذلك كي نصل إلي المشكلة، بل المعضلة الأساسية التي لم نشر إليها حتي الآن، وهي إساءة القراءة ( الإساءة بمعني الخطأ ) التي تتأسس علي الخلط بين ما هو مجازي وما هو حقيقي، أو بين التجربة الواقعية والتجربة الفنية، وبالتبعية بين المؤلف الحقيقي والسارد، فتتعامل مع النص علي أنه نص حقيقي وليس أدبيا يخضع لشروط الخطاب الأدبي المجازي، وأنه يهدف إلي التعريض بفئةٍ أو كيان ٍ أو مؤسسةٍ ما، وقد تتحول تلك القراءة المسيئة إلي نوع من الإيذاء أو تتسبب فيه، وهو ما يظهر بوضوح في نص "فوق الحياة قليلا ً".

تماهي الحقيقي والمجازي في خطاب سارد " فوق الحياة قليلا ً"

" ليس فقط الشعراء والقصاص الذين يضطربون بين المجازي والحقيقي، القراء أيضـًا يؤرقهم هذا الاختراق». (ص109)

بهذه العبارة التي وردت في الفصل الخامس آخر فصول الرواية المعنون بـ " موضوع جانبي"، يصف السارد حالته، فسارد " فوق الحياة قليلا ً" قاص بصفتين: الأولي صفة الراوية، فهو قاص الرواية الذي يقص أحداثها بضمير المتكلم بوصفه مشاركًا فيها، والثانية صفة الكاتب، فمهنته كاتب قصص. وهو يسرد أحداثـًا ويخبر عن شخصيات بالصفتين معًا مما يضمن له حضورًا وهيمنة علي عملية السرد. لكن سرده يضطرب ـ كما يقول ـ أثناء ذلك بين ما هو مجازي وما هو حقيقي، مجسدًا ما يصفه بـ" العلاقة المربكة بين الحقيقي والمجازي"، وهو يدرك حالة الارتباك التي يعانيها، ويصرح بذلك الارتباك أثناء حديثه عن شخصية أبي الشمقمق قائلا ً:

" لقد تخيلت هذا الشاعر المتسول، بكرشه الضخم، وعباءة مهلهلة، وشعـر مهـوش يغـطي ملامحـه ،ورأس صلـعاء، وعـينين بيضاوين لا تخبرانك بشيء، وعصا كبيرة بشـكل مبالغ فيه جعلها لتأديب الأدباء، و قادني هذا التخيل إلي السخرية منه في صورة مناقضة فجعلته يبكي كبنت صغيرة محبة، ولست أدري أيهما الحقيقي وأيهما المجازي». (ص109)

بالطبع لم يعد السارد يدري الحقيقي من المجازي؛ لأنه قام بعملية إعادة صياغة لنموذج أبي الشمقمق، لم تستبعد الحقيقي لكنها حولته إلي نموذج أدبي. والسارد واع ٍ بما يفعل، فهو يصف عملية التحويل، ويصف "الصورة المناقضة" التي آل إليها النموذج الحقيقي بعد إعادة صياغته، وهي صورة ساخرة لا يمكن مطابقتها بالنموذج الحقيقي للشاعر الهجّاء، وفي الوقت نفسه لا يمكنها أن تستبعده.

وبتفصيل أكثر يمنحنا سارد " فوق الحياة قليلا ً" ما نكشف به سرده : مادته وكيفيته، فسرده يعتمد علي الاستعارة من الواقع الخارجي، استعارة شخصيات وأحداث وأشياء توصف بأنها حقيقية أو واقعية، لكنه يقوم بإعادة بنائها أو صياغتها صياغة جديدة تحولها ـ إذا ما استخدمنا تعبير السارد نفسه ـ إلي مجاز بواسطة الكتابة القصصية. وهذا النوع من الكتابة القصصية يضع/ يدع الشخصية في منطقة لا تخلص فيها للمجاز تمامًا، فتبدو شخصية متخيلة، ولا تحتفظ بحقيقتها تمامًا. فالسارد يعيد بناء النموذج بخطاب لا يعتمد علي الإزاحة، لا يزيح الحقيقي لصالح المجازي و لا المجازي لصالح الحقيقي، بل يحتفظ بهما معًا، خطاب لا يمزج بينهما ( والمزج تصور شائع لتلك العلاقة )، بل يخترق الحقيقي بالمجازي. وفعل الاختراق يبقي علي الحقيقي واضعًا المجازي في قلبه، وهو ما يسبب "الاضطراب" أو "الارتباك"، وهما تعبيران يصفان استجابة القراء والقصاص. والاستجابة هنا تعني التردد، التردد بين الحقيقي والمجازي، ففي اللحظة التي يبدو فيها النموذج حقيقيا، ويرشح للإحالة إلي الواقع الخارجي، يظهر المجازي فيخلل الإحالة، ويلغي علاقة التطابق. وفي اللحظة التي يبدو فيها النموذج مجازيا أو متخيلا ً يظهر الحقيقي عبر علامات مثل الاسم والمهنة والمكان، تحول دون إخلاص النموذج للمجازية تمامًا، ومن هذه العلاقة يبني السارد نماذج الشخصيات في الرواية.

إن سارد " فوق الحياة قليلا ً" يفكك العلاقة بين الأدبي والواقعي، والحقيقي والمجازي، فيلغي التعارض والتراتب بينهما، ويبني العالم الروائي وشخصياته منهما معًا من منظور يخضع الشخصيات الحقيقية لواقع التجربة الأدبية، ويفسر لنا ذلك لماذا لم يعد السارد قادرًا علي تحديد الفرق بين شخصيتي أبي الشمقمق الحقيقية والروائية، فقد ذابت الحدود الفارقة بين طرفي الثنائية في خطاب السارد. ويزداد الاضطراب ( بالطبع لدي أولئك القراء...، والأدباء!!، الذين يؤمنون بوجود حد فاصل بين الواقعي والخيالي، أو الحقيقي والمجازي إيمانًا يوجه تلقيهم ) عندما يجعل السارد أبا الشمقمق قاصًا شهيرًا يرتاد "مقهي المثقفين"، وشاهدًا علي حادث حقيقي، هو حادث موت القاص إبراهيم فهمي، ويمنحه صفات جسمية ونفسية وسلوكية ( مثل الكرش، والعصا، واللسان الساخر، والشرب) تذكرنا بالكاتب محمد مستجاب، فهل هو أبو الشمقمق الشاعر وقد تحول إلي شخصية روائية، أم أنه محمد مستجاب وقد حوله السارد إلي أبي الشمقمق ليراوغنا نحن القراء!!؟ وسوف يستتبع ذلك التساؤل تساؤل آخر عن السارد نفسه : هل هو شخصية متخيلة أم أنه المؤلف نفسه، سيد الوكيل الذي يرتاد مقهي المثقفين ويعرف مستجاب!!؟ وسوف يمنح السرد بضمير المتكلم تساؤل القارئ مشروعية أكثر، فضمير المتكلم يدعو إلي المطابقة بين السارد والمؤلف الحقيقي، ويصبح الميل إلي نسج هذه العلاقة أكبر عندما يعتمد السارد علي استعارة أشياء من الواقع الخارجي، وإخضاعها للتجربة الأدبية. وهنا نكتشف أن تركيب شخصية السارد نفسه ـ مثلها مثل الشخصيات التي يحكي عنها ـ تخضع لهذه الآلية، آلية استعارة أشياء حقيقية وخرقها بالاستخدام المجازي.

فالسارد بوصفه شخصية من شخصيات الرواية نموذج مصوغ من الحقيقي والمجاز القصصي، ويحضر الحقيقي في قلب المجازي (السارد) ويخترقه بواسطة علامات نصية، تشكل شخصية السارد وعلاقاته. فالسارد قاص، وينسب إلي نفسه المجموعة القصصية أيام هند" وهي لمؤلف الرواية، وله ابنة ـ كابنة المؤلف الحقيقي ـ اسمها أميرة، وهو يتمتع بثقافة نقدية حديثة. ولا ننسي المكان والعلاقات التي يفرضها، فالسارد ( مثل المؤلف ) يرتاد مقهي المثقفين بحكم مهنته وثقافته، وهو علي صلة بمبدعيه وبما يجري فيه، وقد منحه ذلك فرصة للكتابة عن مبدعين حقيقيين، مثل محمد جبريل ونجيب محفوظ وإبراهيم فهمي، فيروي وقائع حقيقية حدثت لهم، مثل حادثة الاعتداء علي نجيب محفوظ، وموت إبراهيم فهمي في حادث.

وجود هذه العناصر لا يعني بالضرورة تطابق السارد مع المؤلف الحقيقي، ولا يعني أن المتكلم هو المؤلف الحقيقي، فالسارد هو الذي يتكلم، وعبر صوته يخترق خطاب الرواية حياة المؤلف مثلما يخترق حيوات أولئك المبدعين. وبقليل من التأمل يمكن أن نكتشف أن المؤلف الحقيقي يمثل بالنسبة للسارد شخصية مبدع حقيقية ـ مثل محفوظ، وإبراهيم فهمي، ومحمد جبريل ـ ومن ثم فهو معرض ـ بحكم انتمائه إلي عالم الواقع مثلهم ـ لأن يخترقه خطاب السارد بالمجاز القصصي، فتدخل العناصر التي تنتمي إلي الحياة الحقيقية للمؤلف في شخصية السارد، وتصبح جزءًا من تركيبتها بوصفها شخصية أدبية لها تجربة خاصة ترويها لنا، وهو ما يضع حدًّا لحالة الاضطراب والخلط لدينا نحن قراء الأدب ومبدعيه الذين يربكهم هذا النوع من خطاب الرواة، وفي هذا السياق يكون من المفيد لنا أن نستمع إلي السارد وهـو يقول:

"كثير من الناس يخلطون بين الوقائع المكتوبة والوقائع الحقيقية، فيظنون أن ما يكتبه الأديب قد حدث فعلاً، والمدهش أن هذا الخلط يكون بين الأدباء أيضًا، فصديقي الشاعر ظل ولخمس سنوات يدعوني بأبي هند، خالطـًا بين اسم ابنتي و اسم مجموعتي القصصية " أيام هند ". ولما نبهه البعـــض إلي أن اسـم ابنتي هو "أميرة" حـرص علي أن يصحح الخـطأ في أول لقاء ودي بـيننا، حـياني بحـرارة، وسألني عن أمـيرة وأحوالها المدرسية ،وقبـل الوداع قال بلهجة جنتلمان...بلغ تحياتي للمدام هند. مثل هذا الذي يصر علي أن لهـند وجودًا حقيقيا، هم الذين يسألون عادةً... هل هذا قد حدث فعلا ؟ ربما بسبب هؤلاء، صرخ بارت معلنـًا عن موت المؤلف، ويعني هذا أن ما تقرأه الآن فقط هو الموجود، ولا وجود لشيء خارج النص». (ص83)

يتحدث السارد عن نمطين من الوقائع، ونمطين من الوجود : وقائع مكتوبة وجودها نصي، وهو وجود آني مرتبط بلحظة القراءة.

ووقائع حقيقية وجودها حقيقي في العالم الخارجي، وهي غير حاضرة. النمط الأول أحداث أعيد صياغتها بواسطة الكتابة، وحيثما تكون الكتابة الأدبية يكون المجاز. والنمط الثاني أحداث واقعية لكنها غفل لم تمسسها الكتابة الأدبية، لم تصبح بعد موضوعًا تواجهه ذات، وتعيد كتابته في نص. والمقتبس السابق مثال ممتاز للوقائع المكتوبة، فأميرة اسم ابنة المؤلف الحقيقي، و"أيام هند" مجموعة قصصية له، لكنها تحولت إلي عناصر وُظـِّفتْ ليحكي السارد من خلالها تجربة تلقي كتاباته القصصية. ويقع الخلط بين النمطين، ومن ثم بين المؤلف الحقيقي والسارد عندما لا ندرك ـ كما لم يدرك الشاعر الحداثي ـ الفارق بين النمطين، ويضاعف خطاب السارد درجة الخلط وهو يحدثنا بضمير المتكلم بوصفه شخصية حقيقية، وهو كذلك بالفعل لكن داخل نصه الذي يحكيه.

لكن كيف يخترَق الحقيقي بالمجازي في خطاب السارد ؟ وبصيغة أخري كيف تعاد صياغة الأشياء والوقائع بالكتابة الأدبية ( = المجازية )؟ يعيد السارد بناء النماذج والوقائع بثلاثة أساليب سردية: الحذف والإضافة، والسخرية، والتحفيز الزمني. وتكشف هذه الأساليب عن التماهي بينه وبين المؤلف الحقيقي بوصفها صورة من صور التماهي بين الحقيقي والمجازي في الرواية، وعن حضوره المهيمن علي عملية السرد. ويمكن أن نتخذ شخصية أبي الشمقمق نموذجًا شارحًا، فهي من أكثر شخصيات الرواية التي وقع الاضطراب بشأنها بين الحقيقي والمجازي، فالأدباء والقراء يتساءلون بدهشة من يكون أبو الشمقمق هذا؟ ولا يكفيهم أن يعرفوا أنه شاعر الكدية المعروف سليط اللسان الذي يسخر حتي من نفسه،سيعاودون السؤال بصيغة أخري، ما المبرر الذي دعا الكاتب إلي استحضاره من عالمه إلي مقهي المثقفين ليكون شاهدًا علي موت إبراهيم فهمي. (ص109)

فأبو الشمقمق يبدو في الرواية قاصًا لا شاعرًا، وقد أثار ذلك السؤال حول العلاقة بينه وبين محمد مستجاب، وبالتبعية بين السارد والمؤلف الحقيقي، لكن يبدو أن الذين تساءلوا فاتهم أن السارد جعله " يبكي كبنت صغيرة محبة "، وأن هذه الإضافة ألغت تطابق شخصيته الروائية مع النموذجين الواقعيين: نموذج الشاعر الهجاء في التراث، ونموذج القاص المعاصر، وأقامت نموذجًا أدبيا أنتجته علاقة متوترة بين النموذج الروائي المتخيل والنموذجين الواقعيين اللذين يحضران من خلال الاسم والصفات التي خلعها السارد علي النموذج المتخيل.

ويصور السارد نماذجه بأسلوب المحاكاة الساخرة(4)، فالسارد يستخدم السخرية ـ بوصفها أداة بلاغية ـ لإعادة صياغة شخصيات حقيقية فتصير شخصيات مختلفة، وهو يفعل ذلك من خلال التدخل دائمًا بتعليقات ساخرة ( يضعها أحيانًا بين علامتي تنصيص)،هذه التعليقات تكشف أنه يراوغنا، وأن شخصياته ليست هي الشخصيات الموجودة في العالم الواقعي، بل إنها تستقل عن السارد نفسه، مثل شخصية أبي الشمقمق الذي غير مصير القاص الجنوبي، وجعله يتجه إلي الشمال، إلي أوربا. «علي كل حال، هـو الذي سخـر مني بقسوة، لما عاود الظـهور في الحانة وأحدث انقلابًا هائلا في مصير الفتي الجنوبي . لقد كانت هدي علي حق حـين قالت ... إنكم تقرأون القصص كما تقرأ العرافة الفنجان، ولقد كـنت علي حـق حــين قلــت إن المعـني ينـتـقل من المؤلـف إلي المتلقي كما لو كان نوعًا من تراسل الحواس وكنت أحاول التعبيرعن الالتباس القائم بين الكاتب والقارئ إذ أصبحت العلامات خافية». (ص111،110).

السارد نفسه لا ينجو من تلك السخرية، فالشخصية تسخر، وهو نفسه يعلق علي علاقته بهدي كمال وبزوجته بالطريقة الساخرة التي يصور بها حياة الشاعر الحداثي، ويسرد بها خيبات القاص الجنوبي "الصغيرة" التي بدأت مع قدومه من الجنوب إلي الشمال ( القاهرة ) باحثـًا عن مقهي المثقفين حيث دخل عالمه."مقهي المثقفين" ـ وهو مكان له وجود حقيقي خارج النص ـ يستقل بفصل كامل يحمل اسمه، لكن علي الرغم من ذلك لا يهتم السارد بوصف مقاييسه الهندسية، إنه يهتم بدور المقهي في حياة الأدباء، و بنماذج المثقفين التي ترتاده، ويحكي عنهم، وحكيه يفيض بحس ساخر. وسخريته تكشف أنه ـ بوصفه الصوت الفني للمؤلف ـ رأي في مقهي المثقفين"حياة"، وأنه كتب هذه الحياة كتابة أدبية، ومن ثم فنحن أمام نموذج فني، هو الموجود داخل النص، أما المقهي الحقيقي فهو محفز لهذه الكتابة. وإشارتنا إلي التحفيز يجب ألا تمر هكذا، إذ يجب أن نقف عند إشارتين للسارد ( ص 58، و 72 )، أشار فيهما إلي قصيدة نجيب سرور الغاضبة الساخرة " بروتوكلات حكماء ريش" التي ضمّن منها مقطعًا يتوافق مع الحس الساخر، ومع نوعية النماذج التي يمثلها الشاعر الحداثي الذي يري نفسه " حكيمًا يتميز عن باقي خلق الله العاديين". التضمين ينبهنا إلي أن وقائع العالم الخارجي ونماذجه البشرية (غير المكتوبة ) ليست وحدها المحفزة، وليست وحدها التي شكلت منها الكتابة نص" فوق الحياة قليلا ً" بدءًا من عنوانه الساخر، فهناك النصوص الأدبية الشعرية والقصصية، وبعضها للمؤلف الحقيقي. فقد ضمّن السارد إحدي القصص القصيرة للمؤلف الحقيقي بعد أن دخلت إلي النص بوصفها قصة كتبها السارد عن هدي كمال التي تلفظ باسمها أثناء المعاشرة، ودفعها إلي زوجته لتقرأها؛ ليوهمه أن هدي شخصية مجازية لا حقيقية، وأن الأمر لا يعدو معايشة الكاتب لشخصياته.

هدي كمال شخصية حقيقية بالنسبة للسارد داخل الرواية، فقد عرفها، وقامت بينهما علاقة عاطفية قبل سبع سنوات قضتها في الخليج، عادت بعدها والتقيا مرة أخري. ومهما يكن من أمر السارد مع زوجته فقد انتهت الشخصية الحقيقية في حياته إلي أن تكون بطلة لإحدي قصصه، لكن العلاقة بين هدي الحقيقية وهدي المجاز لم تكن واضحة، فالتبس علي الزوجة / القارئة لعدم وضوح ـ وليس غياب ـ الحدود بينهما. ومرة أخري يبين صنيع السارد أنه يراوغنا، وفي الوقت الذي يبدو فيه المتكلم كأنه المؤلف الحقيقي ( صاحب القصة) تبث الذات المتكلمة إشارات هنا وهناك تقودنا إلي السارد، إنه نوع من التماهي أو التجاذب بين الطرفين تصنعه تلك الإشارت، ومنه يكتسب السارد هويته المميزة، وخطابه الساخر واحد من العلامات الكبري في تحديد تلك الهوية، فحياته وعلاقاته وعَوْده بالسخرية عليها ( لنتذكر هنا وصفه لأبي الشمقمق بأنه يسخر من كل شيء حتي من نفسه) يكشف أنه شخص متخيل يتماهي معه المؤلف في جانب من تجربته، لكنه لا يتطابق معه.

ويبدو أن المؤلف الحقيقي ـ مثله مثل السارد الذي فرق بين وقائع مكتوبة وأخري حقيقية ـ كان يخشي من الالتباس لدي القراء والأدباء، فوضع إهداءً في صدارة الرواية، هذا نصه:

إلي أصدقائي الذين مستهم الكتابة بحرها

الذين يعيشون فوق الحياة قليلا ً

أحبكم والله

سيد الوكيل

الإهداء الذي مهره المؤلف الحقيقي باسمه خطاب عاطفي (صداقة وحب)، يعمل علي تعليق الالتباس لدي فئة محددة (الأدباء)، ومن ثم نفي التعريض بهم، ويستخدم ما يستطيع من أساليب لغوية ( القسم ) وطباعية، ليتبلغ بها. ومع الصداقة والحب نعتهم بالكتابة ـ كأنه يذكرهم بها ـ التي تمس فتسلب الإرادة وتسيطر، فالكتابة هي التي تتكلم، وهي التي تسخر، وقد كتبته كما كتبتهم، فغدا ـ مثلهم ـ مجازًا.

الأسلوب السردي الثالث ،التحفيز الزمني، أداة مهيمنة في تشكيل الشخصيات وبنية الزمن، ومن ثم في تشكيل الرواية، لكن ما يهمنا دورها في سماعنا صوت السارد مادام السرد مستمرًا. فسارد" فوق الحياة قليلا ً" يعتمد في تقديم الشخصيات والأحداث علي حدث، غالبًا ما يبدو صغيرًا أو عاديا، يكون بمثابة محفز لأحداث أخري وتفاصيل، يختارها بدقة ويحكيها، ويتدخل أثناء الحكي بالشرح وبالتعليق الساخر.

الفصل الأول ـ كنموذج لفصول الرواية ـ يتشكل من سرد أخبار الشاعر الحداثي الذي يعيش فوق الحياة قليلا ً: انعزاله عن زملائه في العمل، اضطرابه بين بشريته وشعوره بالتميز( يشرح السارد هنا معني كلمة التميز بأن يكون فوق الحياة بدرجة )، زواجه، أزمته الأسرية مع زوجته ومع حميه ( الذي تجاهل تميزه بعد خلافه مع زوجته )، تصفية الشركة التي يعمل فيها بالبيع، صدور أول ديوان له ( يعلق السارد هنا بأنه بدلا من أن يرفعه فوق الحياة درجة أخري شدَّه إلي الأرض وأكد بشريته)، صدمته مع فتاة مقهي المثقفين، نتيجة المباراة التي جاءت مخيبة لتوقعه.

هذه الأحداث أطلقها حدث صغير ظل يومض من حين لآخر من خلال تعليقات السارد أثناء انطلاقة الأحداث، وهو تأخر الشاعر الحداثي عن الندوة بسبب مشاهدة مباراة كرة قدم بعد أن قرر أن يكون اليوم لمعايشة تجربة بشرية أخيرة قبل الدخول علي قصيدته الجديدة. ومن نقطة الانطلاق هذه انطلق السارد حرًّا يسرد أحداثا غير مقيد بتسلسل زمني، هذه الأحداث تمثل في مجموعها ـ مع تدخلات السارد وتعليقاته ـ "حياة" تتأرجح بين الشعور بالتميز والانغماس في الحياة والبشرية، ومن هذا التأرجح تتفجر السخرية، ففي اللحظة التي يري الشاعر الحداثي فيها نفسه يعيش فوق الحياة قليلا ً، إذا به منغمس فيها، ولا يمكنه كتابة قصيدة دون أن يمر بأزمة من أزمات الحياة .

التحفيز بهذه الطريقة مسئول عن بناء الشخصية وتحديد هويتها، وعن بناء نظام زمني خاص بالسارد، إذ يفتح فضاءه من لحظة صغيرة تمتد ليصنع منها السارد "حياة" كاملة، هذا النظام ينفي ـ حال إدراكه ـ التطابق بين السارد والمؤلف الحقيقي الذي انتهت إليه بعض الدراسات، مثل دراسة مهدي صلاح للرواية(5)، وأيضًا بين الشخصية والنموذج الحقيقي الذي يبدو للقراء أنها تمثله. والأكثر أهمية أنه يكشف عن رؤية جمالية للسارد وراء خطابه السردي المربك لزوجته، ولصديقه الشاعر الحداثي، وللأدباء، ولنا، نصوغها كما يبدو لنا علي النحو الآتي : ما يبدو أنه مراوغة تربكنا وتدفعنا إلي الاضطراب هو كتابة جديدة في علاقتها بالحياة، كتابة تضع كل شيء داخل التجربة الأدبية، وتري الحياة ذاتها خبرة جمالية، ومن المستحيل أن يحيا الأدب فوقها قليلا ً. وإذا سألت السارد عن الحقيقة والمجاز، أو الأدب والحياة، أو الواقع والخيال ـ فسوف يجيبك علي الفور(متقمصًا شخصية الشاعر الحداثي): لا فرق..لا فرق.

الخاتمة

" الخوف يأكل الروح"، و" دنيازاد "، و" فوق الحياة قليلا ً" ثلاثة نصوص أثبت تحليلها وجود سارد مشارك يسيطر صوته علي السرد، ويعد مصدر المعلومات الرئيس، وقد منحه ذلك الوضع حضورًا طاغيا داخل النص، وأنشأ علاقة مباشرة بينه وبين القارئ. لذلك يعد الخطاب المباشر من السارد إلي القراء ـ وكذلك كلام السارد عن القراء ومواقفهم ـ من سمات خطابه السردي باستثناء «دنيازاد " التي يشارك فيها صوت آخر صوت الساردة في السرد، وليس هناك قارئ حاضر حضورًا صريحًا يتوجهان بخطابهما إليه.

وهذا الحضور الطاغي للسارد نتاج لخطابه السردي بأدواته وموضوعه، وفي الوقت نفسه ممسوس بحضور للمؤلف. فموضوع السرد في تلك النصوص يتصل بالتجارب الشخصية للسارد، ويلاحظ علي هذه التجارب أنها تتصل بتجارب المؤلف الحقيقي وسيرته الشخصية، وهو ما أنشأ نوعًا من التماهي بين السارد والمؤلف الحقيقي، أدخل بعض ملامح شخصية المؤلف تدخل في تركيبة السارد، وحوَّله إلي صوت فني للمؤلف، لكن مدي العلاقة يختلف من نص إلي آخر نتيجة اختلاف درجة توظيف تجارب المؤلف. فالسرد في" الخوف يأكل الروح" يتشكل ـ في جانب منه ـ من بعض تفاصيل الحياة الشخصية للمؤلف ( مثل: الاسم والعنوان وبعض تفاصيل الحياة العائلية والخبرات العملية)، لكن السارد يعتمد في سرده علي مزج الواقعي ( والتفاصيل الشخصية لحياة المؤلف جزء من هذا الواقعي ) بالعجائبي، هذا المزج وقف حائلا دون اعتبار السارد هو المؤلف، و دون اعتبار النص نصًا سيريا.

أما في " دنيازاد " فجاءت علاقة التماهي نتاجًا للصيغة الأدبية التي تأثرت بالتناص مع الموروث السردي، فقد اعتمد السرد علي السيرة الشخصية للمؤلفة ( إذا ما وضعنا في اهتمامنا الأحداث المستدعاة ومداها الزمني )، واستخدم الأسلوب الواقعي في تشكيلها، وهو ما أفضي إلي تصور العلاقة بين الساردة والمؤلفة علي أنها علاقة تطابق، وصنف النص علي أنه رواية سيرة ذاتية. لكن بالنظر إلي علاقة السارد بالمؤلف من منظور أدبية النص الروائي (علي أساس أن المصطلح النوعي علي الغلاف " رواية ")،و التناص مع التراث السردي متمثلا في نص (ألف ليلة وليلة)، ظهر لنا أن الساردة تأخذ موقع دنيازاد في نص ألف ليلة وليلة، ومنه تشكل موضوع السرد، ومن ثم تنتفي علاقة التطابق بينها وبين المؤلفة.

نص " فوق الحياة قليلا ً" إشكاله أعقد؛ لأن علاقة السارد بالمؤلف فيه لا تتصل بالتحديد النوعي مثل "دنيازاد "، بل تتصل بمشكلة القراءة المسيئة التي قد ينتج عنها إضرار. فهذا النص ـ علي خلاف النصين السابقين ـ لا ينهض السرد فيه علي السيرة الذاتية، ولكن علي الاستعارة من العالم الخارجي، استعارة شخصيات ذات وجود تاريخي متعين خارج النص، تنتمي إلي فئة محددة، وقص تجاربها، ونشأ عن ذلك التباس بين ما هو حقيقي وما هو مجازي. وبدل أن تلفت خصائص النص الأدبية - وبخاصة السخرية، والنظام الزمني القائم علي التحفيز- النظر إلي تحويل الأصل الواقعي تحويلا ً لم يعد معه ثمة أصل وفرع، أو حقيقي ومجازي، أو واقع وأدب، ولم يعد سوي كتابة لا مرجع لها، بدل ذلك راح بعض المتلقين يطابق بين السارد والمؤلف، وبدل أن يكون الخطاب الساخر خطابًا لسارد متخيل صار خطابًا للمؤلف الحقيقي، وتحولت السخرية من أداة بلاغية تشكل عالمًا وشخصيات أدبية إلي مجرد وسيلة للتعريض. ومن ثم كان لابد من تقويض ما أسميناه " وهم التطابق" بدرجاته المختلفة ـ وأيضًا مشكلاته المختلفة ـ في النصوص الثلاثة.

وتشترك النصوص الثلاثة في استخدام أساليب محددة لسرد تلك التجارب والخبرات الشخصية : ضمير المتكلم المعروف بأنه ضمير الاعتراف، ويعد ـ مع نمط مادة السرد ـ المسئول عن الالتباس بين السارد والمؤلف. وتوليد حكايات وأفكار من لحظة زمنية أو موقف، سرد التفاصيل الدقيقة. ويتميز نصا" الخوف يأكل الروح" و"فوق الحياة قليلا ً" بتوليد السارد القصص الصغيرة، والأفكار، والتدخل بتعليقات كثيرًا ما تكون ساخرة وتتضمن أحكامًا بالقيمة، وهو ما لا تفعله ساردة " دنيازاد "، فتجربتها ذات طابع رومانسي حزين.

سرد التفاصيل إحدي الوسائل التي ضمنت للساردين حضورًا طاغيا، ليس لأننا ننشغل بصوت السارد ومنظوره الذي يسرد من خلاله هذه التفاصيل، وعمليات التشويق التي يقوم بها سارد مثل سارد " الخوف يأكل الروح"، ولكن لأنها كثيرًا ما تكون تفاصيل شخصية. ويلاحظ أن سرد التفاصيل يختلف في نوعه ووظيفته، فهو يقترن بأشياء صغيرة في " الخوف يأكل الروح"، و بتصور جمالي للكتابة لدي السارد، يراها في جانب أساسي مهارات وألعاب. في حين أن سارد " فوق الحياة قليلا ً" يبني كتابته علي مواقف أو لحظات زمنية متعددة أكثر من تفاصيل الأشياء، ويحول كل موقف لحظة إلي نقطة انطلاق لسرد مواقف و لحظات أخري، تظهر مدي ثراء اللحظة الواحدة .ولو ربطنا هذا الأسلوب بمادة السرد التي تقوم علي الاستعارة من العالم الخارجي، فسوف نكتشف تصورًا يري الزمن وسيطا للسرد عن خبرات الحياة، وأن الرواية بما هي فن زمني تبدو مرادفة للحياة. ربما بهذا المعني ـ مرادفة الرواية للحياة ـ استخدمت مي التلمساني تجربتها الشخصية في كتابة " دنيازاد "، لكنها أقامت تصور الساردة للزمن علي الاستدعاء، و ربطته بتصور مختلف هو إمكانية إعادة تشكيل العالم واستراد المفقود - سواء كان الابنة أو الذات - بواسطة الكتابة.

ثمة ملاحظة أساسية، وهي وجود علاقة بين سيطرة السارد وتمركز عملية السرد في يده وبين التهميش، فالسارد الذي يتصدر مشهد السرد بضمير المتكلم، وينشغل بتجاربه الشخصية، وبتفاصيل تخصه أو تخص أشياء ذات صلة مباشرة به، غالبًا ما يكون شخصًا مهمشًا، خاصة إذا نظرنا إليه بوصفه كاتبًا منشغلا ً بهموم المهنة. قد يظهر التهميش في شخصية السارد مباشرة، فمصطفي ذكري سارد " الخوف يأكل الروح" كاتب روايات عاطفية من الدرجة الثانية، روايات شعبية لا تصنع منه قاصًا جادًا ومعروفًا. وقد يظهر من خلال شخصيات تشاطره الكتابة وهمومها، وشخصية الشاعر الحداثي الذي يعيش فوق الحياة بدرجة، كما يصورها سارد " فوق الحياة قليلا ً"، نموذج دال في هذا السياق. وبناء علي ذلك، نحن أمام نوع من السرد الذاتي أنتجه حضور الساردين وتصدرهم وتصديهم ـ منفردين أو شبه منفردين ـ لعملية السرد، سرد منشغل بالذات، وهذا الانشغال هو المنتج أيضًا لعلاقة التماهي بين السارد والمؤلف.

هذه النتائج والملاحظات فيما يخص حضور سارد مشارك (أو بطل ) يحمل صوته بعدًا من شخصية المؤلف، والملاحظة الأخيرة تحديدًا، تنطبق علي كتابات روائية أخري، مثلا ً السارد في «لصوص متقاعدون" لحمدي أبو جليل، وشخصية الأستاذ رمضان في الرواية عينها الذي يجمع - مثل السارد ـ بين التهميش الأدبي والطبقي، و" مي " ساردة وبطلة "الباذنجانة الزرقاء" لميرال الطحاوي التــي تكتب تجاربها، وتجسد التهميش والقهر بسبب النوع الإنساني.

عامة، تشير النصوص الثلاثة ( المحددة نوعيا بأنها " رواية" ) إلي كتابة جديدة تستند إلي تصورات جمالية مختلفة عن تصورات جيل نجيب محفوظ وجيل الستينيات، في طريقة إدارة السارد لعملية السرد، ونمط العلاقة بينه وبين المؤلف الحقيقي، وأن هذه تحديد نمطها وحدودها بات يتعلق بأسئلة تخص نوع النص، وتخص العلاقة بين السارد والقارئ، سواء كان القارئ الضمني في النص أو القارئ الحقيقي، وتخص تصور العلاقة بين الأدب والحياة أو بين الرواية والواقع، وهو التصور الذي تعيد هذه الكتابات الروائية طرحه من منظور جمالي جديد، كما أنها تعيد طرح سؤال " موت المؤلف " علي النقاد والباحثين.

تذييل (من أقوالهم)

حينما أكتب أنا بذاتي التي أعرفها أجدني بداخل وعي الشخصية التي أكتبها أو يصبح وعيها بداخلي بحيث يتوجب علي أن أكتب سيرة شخصية روائية بقدر ما أعرف عنها...".

أمينة زيدان

" والرواية الآن في حالة بحث ورصد للتغيرات، وبما أن المبدع إنسان يعيش هذه الحالات فالدهشة من حوله تحيطه بكثير من الإحباطات، لذا ظهر علي السطح السرد الذاتي، بمعني أن المؤلف أو الكاتب أصبح شخصية روائية لها تاريخ، ومن ثم فهي تحاور وترصد هذه التحولات لقراءة الواقع الاجتماعي ...".

صفاء عبد المنعم

"أنا مواطن مطحون وغضبان ومحبط، وأظن أن هذا سيظهر بشكل مباشر وغير مباشر فيما أكتبه، لكنني لا أنسي أن الكتابة هي محارتي التي ألجأ إليها مختبئـًا أو متوجًا، أبكي أو أرقص وألعب وأنتقد وأفضفض...".

ياسر شعبان

" فمثلا في رواية "كلما رأيت بنتـًا حلوة أقول يا سعاد" التي قيل عنها إنها سيرة ذاتية كان لا بد من وجود لغة شاعرية ومجازية في نفس الوقت...".

سعيد نوح

" بعض الأدباء غضبوا من "فوق الحياة قليلا " واعتبروها تعريضا بهم!!".

سيد الوكيل

مصادر الدراسة

ـ مصطفي ذكري: الخوف يأكل الروح، ( رواية)، سلسلة كتاب شرقيات للجميع (56)،دار شرقيات للنشر والتوزيع، ط الأولي، 1998 .

ـ مي التلمساني: دنيازاد، (رواية)،دار الآداب بيروت، ط 2002 .

- سيد الوكيل : فوق الحياة قليلا ً، ( رواية )، إبداعات معاصرة، مكتبة الأسرة، 2004 .

مراجع الدراسة

ـ جاكوب كورك: اللغة في الأدب، الحداثة والتجريب، ترجمة، ليون يوسف وعزيز عمانوئيل، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، 1989 .

ـ خيري دومة: تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة 1960 ـ 1990، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998 .

ـ خيري دومة: رواية السيرة الذاتية الجديدة: قراءة في بعض "روايات البنات" في مصر التسعينيات، مجلة نزوي.

ـ مهدي صلاح علي : أنماط البث والتلقي في الخطاب الروائي المعاصر، جائزة الشارقة للإبداع العربي ( 164)، الإصدار الأول، الدورة (9)، 2005 .

الهوامش

1- يمكن الرجوع إلي الصفحات من 24 إلي 54 لتري السا رد وهو يناقش فكرة القبح مستشهدا بنص ينسب للمؤلف الحقيقي خارج عالم الرواية وكيف يتحدث عن كشف تلك المناقشة عن لحظةعبثية تتمثل في أن الشيء البسيط مثل تفرق أسنانه وعدم اتساقها وهو عيب من العيوب الخلقية في وجه السارد) يأخذ منه مجهودا كبيرا ليقوله مقارنة بالشيء الجاد العميق الذي يقوله بلهجة تقريرية مباشرة.

2- خيري دومه، تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة 0691-0991، الهيئة العامة للكتاب 8991.

3- خيري دومة، رواية السيرة الذاتية الجديدة: قراءة في روايات البنات في مصر السبعينيات مجلة نزوي.

4- راجع جاكوب كورك:اللغة في الأدب، الحداثة والتجريب 742- 942، ترجمة ليون يوسف وعزيز عمانوئيل، دارالمأمون للترجمة والنشر، بغداد 9891، حين أفدنا من كلامه عن استخدام المحاكاة الساخرة في سرد المواد المستعارة من الواقع الخارجي.

5- مهدي صلاح علي ، أنماط البث والتلقي في الخطاب الروائي المعاصر، 362 جائزة الشارقة للإبداع العربي (461) الإصدار الأول، الدورة (9)، 5002.

0 تعليق:

Blogger Template by Blogcrowds