هذا نص تحقيق كنت قد أعددت له لينشر فى جريدة الدستور اليومية ولم يتم نشره نظرا لاعتبارات لا اعلم عنها شيئا ، فقد قمت بأعداده بناءا على طلب من الأستاذ / سامح قاسم المشرف على الصفحة الأدبية فى ذاك الوقت من حوالي عام تقريبا بناءا على رغبته فى ان أتعاون معه ، فطلب منى تحقيق أدبى عن قضية أدبية تشغلني وكانت هذه إحدى القضايا التى شغلتني منذ فترة طويلة ولكن النصيب وبما أننى أؤمن تماما بالقدر والنصيب فقد جاء وقت التحقيق الذى لم ينشر وكأنه صنع خصيصا لهذه الفترة وهذا المؤتمر الذى جاء موضوعه مشابها تماما أن لم يكن هو عن السرد الجديد ... وهذه أراء أساتذة وكتاب مهمين الان فى الحركة الأدبية يشاء القدر آلا تدفن أرائهم الهامة فى درج مكتبى الى الأبد شكرا للظروف التى سمحت لى ان أطرح اراء كل من الادباء :
الاديب الشاب المسحور طارق امام والذى يكتب حكايات دستورية رائعة والاديب المتمرد الملسوع بحق والذى تتميز مدونته بعالم افتراضى مرعب ومختلف تماما عن كل الادباء المدونين وكذلك الصحفيين المدونين "نائل الطوخى" والاديبة الشابة التى تكتب وكأنها تصنع وليمة من اشهى الحلويات المغرية لتستمتع بسحر كتابتها الانثوية المتميزة والتى رفعت عن الكتابة الانثوية سبة تجنيسها "نهى محمود" صاحبة مدونة كراكيب الشهيرة وساردة الرومانسية المفتقدة .. كما تقرأ رأى الدكتورة الاديبة الحسناء جدا والتى تهتم كثيرا بأن تضع كتابتها ندا لكتابة الرجل بكل اختلافها حتى وان لم يكن عن قصد فهى اثبتت انها لها "سحر الموجى " والقاص والناقد والاخ الكبير والمهموم بقضايا الجيل المعاصر حتى وبعد ان يؤدى دوره كاملا مع جيلنا سيستمر مع من سيأتى بعدنا بأذن الله وكأنه يعطينا القدوة فأن لا ننسى أبدا نفسنا وان نظل نتذكر اننا كنا يوما ولايام نحتاج لاياد تمتد نحونا بالاهتمام الاديب والناقد "سيد الوكيل" وفى اخر الامر رأى كاتب حفر الزمن على ملامحه ملامح شقاء لا علاج لها حتى ولو تطور علم التجميل ليصبح علم التبديل ، انه كاتب لا يكتب الا الهم وأن تنكر لذلك ، يكتب وهو يشرب دمه من دمه " حمدى أبو جليل "
*************************
الكتابة عالم زخم وثرى وهى متعددة الأجناس وأثبتت أنها تستوعب الكثير من التفاصيل سواء على مستوى الاشخاص أو الاحداث أو وصف المكان او تحديد الزمان فالرواية والقصة وايا ان كان شكل وطريقة التعبير المكتوبة أدبيا تمثل رصد لعذابات وأفراح الانسان وورغم أن اشهر الروايات التى اثرت فى التاريخ الانسانى رواية "الجريمة والعقاب" لديستوفسكى كانت كبيرة الحجم جدا وقت صدورها وحتى الان ، وفى السنوات الاخيرة صنع "نجيب محفوظ" و"ماركيز" و"باولو كويلهو" وأيزابيل الليندى" وباتريك زوسكيند" ضجة برواياتهم الناجحة باختلاف لغة الكتابة وطرق السرد لدى كل كاتب منهم ورغم التجديد فى السرد الروائى والقصصى الجديد الا انه صعود "علاء الاسوانى" بروايته الصادمة "عمارة يعقوبيان " كان فارقا نظرا لعودة السرد التقليدى مما أربك الكثير من الكتاب الذين عادوا أدراجهم للكتابة التقليدية على اعتبار انها ناجحة متناسين ان الفكرة ليس شكل السرد ولغته بقدر ما هى لها اعتبارات وحسابات اخرى لدى القارىء واصبح علاء الاسوانى من أهم الروائيون الذين لا يكتبون اقل من مائتى صفحة على الاقل، رواياتهم كبيرة بالمقارنة بالروايات الحديثة التى تصدر الان لكتاب شباب أيضا اثاروا ضجة ، فالروائى الشاب أحمد العايدى صنع روايته " أن تكون عباس العبد " فى صفحات قليلة فبدت وكأنها قصة طويلة بأسلوب يناسب المصطلح الشهير ما بعد الحداثة ولكنها رواية ناجحة أثارت ضجة حولها ورغم صدورها منذ اكثر من أربع أعوام إلا انها لازالت حتى الان مثار احاديث تؤيد وتعارض هذا الشكل من الكتابة الجديدة ، فهى بالفعل قلبت موازين الرواية ، وظهر بعدها الكثير من الروائيين الشباب متأثرا بهذا الحجم الصغير للرواية ، هل هناك كتابة جديدة ، هل الكتابة الجديدة مرتبطة بلغة العصر فقط ...؟ ها نحن امام نموذجين مختلفين للنجاح للوصول لقارىء النخبة والعادى فى ذات الوقت مما يضعنا فى حيرة ، رواية بدى سردها تقليديا ورواية سردها حداثيا او مختلفا ويعتمد على المصطلحات الحديثة الشبابية ولغة الشارع والشباب ، ترى من يحسم لنا الأمر ...

الروائى الشاب طارق امام أخر رواية صدرت له "هدوء القتلة" وهى ايضا من الروايات المهمة فى الثلاث اعوام الاخيرة حيث ينتهج طارق فى كتابته طريقة خاصة جدا به تعتمد على دمج الفنتازيا بالواقعية وهو فى طريقة الان لتغير دمائه ان جاز التعبير لانه يشعر انه لا ينتمى لجيل معين او طريقة معينة فى السرد لأنه اولا يحترم كل جيل بكل تجربته وثانيا يرى ان مسمى الأجيال مسمى غير هادف ، فان كل عمل يفرض جودته سواء لشاب او لكبير سواء كبير الحجم اوصغير كما يؤكد أمام على أنه لا يوجد مسمى اسمه الكتابة الجديدة ولكن تظهر كل فترة موجات تحمل من الاختلاف بين افرادها بقدر ما تحتمل من السمات المشتركة وبالتالى فكل كاتب له خصوصيته بمعنى ان ما يكتبه احمد العايدى يختلف مثلا عما يكتبه نائل الطوخى ، فما اريد توضيحه ان هناك سمات مشتركة عامة جدا بين جيلنا ولكن تبقى الجماليات خاصة جدا بكل كاتب ...فعلى سبيل المثال كلنا ككتاب فى هذا الجيل نعيش لحظة واحدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولكن كل واحد فينا يعبرعن رؤيته لهذه اللحظة بلغته فأنا على سبيل المثال اميل للاجواء الخيالية فى التعبير عن رؤيتى للواقع وارى ان ظهور الروايات القصيرة والتى تبدو قصة قصيرة طالت قليلا وانت تقرأها ان السبب فى ذلك ان الكثير ممن يكتبون القصة القصيرة اتجهوا لكتابة الرواية ، لكن هذا لا ينفى ان هناك روايات قصيرة يكتمل فيها عالم الرواية .

أما الروائية الشابة "نهى محمود " وهى أحدث روائية فى الوسط الأدبى والتى اثارت روايتها الكثير من اللغط نظرا لبساطة الموضوع كما يرى البعض ونظرا لصغرحجم الكتاب أيضا ترى نهى ان ظاهرة النجاح المدوية لجيل الستينات لم تحدث فقط بسبب غزارة انتاج كل كاتب وعشرات الكتب التى ألفها كل منهم ... وإنما يأتى أيضا دورالدعم الذى كانت تقدمه الدولة فى تلك الفترة ووجود مؤسسات فاعلة مثل اتحاد الكتاب ونادى القصة وتضافر جهود يوسف السباعى واحسان عبد القدوس وغيرهم وكذلك ازدهار الانتاج السينمائى للأعمال الادبية ساهم فى انتشار واسع لهؤلاء الادباء وعرض الاعمال على قطاع كبير من الجمهور غير مقتصر على القارىء وانما اتسع ليشمل التليفزيون والسينما .

أنا شخصيا اعتقد ذلك لا يبرر حالة هدوء وصمت طويلة استمرت حتى التسعينات بحيث تبقى الساحة الادبية على مدى عقدين من الزمان شبه خالية من مبدعين يقدمون بصمة فى قوة جيل الستينات بينما عاد التأريخ للأدب مرة اخرى برواية عمارة يعقوبيان وانتاجها الضخم للسينما وكذلك النجاح المبهر لرواية " أن تكون عباس العبد "لاحمد العايدى"وهى بداية جديدة أعادت الرواية لدائرة الضوء وخلقت جمهور من الشباب له ذوق يلائم العصر يحتل الادب الحديث الذى يقدمه الشباب منطقتين هما الذاتية والفلسفية بحيث يكتب الادباء الشباب عن العالم من خلالهم هكذا يستطيعون توصيل اصواتهم ووجهة نظرهم وربما يمضى التيار الفلسفى فى وصف الواقع لمواجهة المعيشة التى وصل لها الاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية فى هذه الفترة ، روايات قليلة هى التى خرجت من هذا الاطار لتبقى على تقليدية السرد الا انها لم تخلو من تغيير شديد فى اللغة والسرد ..

فالروائية المتميزة "سحر الموجى " التى صدر لها مؤخرا رواية " نون " والتى حققت نجاحا ملحوظا فهى تشعر انها تنتمى اكثر لجيل التسعينات من ناحية التوقيت الزمنى بالتحديد وليس الأنتماء لنوع معين من الكتابة فهى ترى ان هناك صعوبة فى التنبؤ بدوام هذا الشكل الجديد مسألة طول الرواية أو قصرها ليس معيارا للجودة فهناك أعمال قصيرة وجيدة وصعب إطلاق رأى بأنها مجرد موضة فالرواية تتوقف على فنياتها على عالمها صعب رصدهذه القصة أتمنى الا يكون استسهالا ، أرحب بأى عمل قصير ولكن المهم الا يكون مكتوب من منطلق "بلطجة" على الرواية فالاستسهال معناه الخطورة فهناك البعض يتجرأ على الكتابة ـ ولكن يبقى فى النهاية الحكم للزمن على روايات هتعيش او روايات بتتولد ميتة ...
الروائى نائل الطوخى والذى يتابع الأن أصداء روايته الجديدة "بابل مفتاح العالم " لا يختلف كثيرا فى رأيه مع طارق امام إذ أنه يؤكد على انه منذ صدور رواية "العايدى " أن تكون عباس العبد وحققت نجاحا مدويا وتم الاحتفاء بها عن طريق الكتاب الكبار والصغار ايضا وفى المنتديات الادبية ولكن تم الاحتفاء بحالة مفردات اللغة الموجودة بها مثلا فى حين تم التعتيم على مواطن العمق الحقيقية فى الرواية وهو نفس التوقيت الذى توقع فيه النقاد ظهور جيل جديد يعبر عن نفسه بمفرداته ومثل أى نقاد كبار لا يتوقعون من الأصغر أن يكون عميقا وانما مجرد متحركا مرنا خفيف الظل ..وبهذا الشكل تم تدليل رواية عباس العبد ولم يتم الالتفات لمناطق العمق بها ايضا فى نفس الوقت الذي يقلق فيه الكتاب الشباب من كتاب الستينات ويسخرون منهم احيانا نظرا لثباتهم فى الكتابة الواقعية وعدم التطرق للخيال والتجريب ، ولاسباب مادية تم وضع تصنيف "رواية " على بعض الكتب التى تشبه قصة طويلة او لكتاب غير قادرين على كتابة رواية كبيرة واذا كان هناك سمة للرواية الجديدة فهى زيادة المقروئية للرواية لانها ظهرت فى وقت تكونت فيه ظاهرة " الاعلى مبيعا " مثل علاء الاسوانى واحمد العايدى وكذلك صراع دور النشر والمكتبات كل هذا ساهم فى قراءة الرواية وخاصة الجديدة .
اما الاديب والناقد الادبى سيد الوكيل فهو لا يغفل الخلفية التاريخية التى تؤكد ان التجديد ليس له وقت بالطبع ففى منتصف العشرينات من القرن الماضى ظهرت جماعة الادب الحديث وكانت تعد ذات ملامح جديدة وخاصة فى ذاك الوقت لدرجة اعتبرها الناس نوعا من الانحراف وظهرت ايضا فى بداية التسعينات جماعتين هما نصوص 90 وجماعة الجراد واذا كانت جماعة الجراد اهتمت بتقديم مشهد ابداعى جديد فنصوص 90 قدمت بفضل النقاد الذين قدموا حركة نقدية مواكبة لهذا التجديد واستطاعت استيعاب هذه القفزة الابداعية ولكنها فى جميع الاحوال لم تكن كافية لانتاج مشروع رواية مصرية متميزة وهذا معناه ان كل حركات التجديد فى مصر تتحرك فى الشكل الطبيعى ولم يحدث ولم يحدث ان قامت نهضة روائية شاملة بكتابا ونقادها وناشريها وقرائها على غرار ما حدث فى امريكا اللاتينية واسست لمشروع الرواية الواقعية السحرية ولا ننكر ان اديبنا الراحل نجيب محفوظ وضع الرواية المصرية على خريطة الرواية العالمية والرواية الجديدة قامت بتهميش دور القصة القصيرة تماما واعادت الى الآذهان فكرة النوع الادبى وكنا كنقاد تجاوزنا هذا المسمى فى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ، أن حصاد ما يسمى بالكتابة الجديدة لا يمكن انكار ان هناك رواية تعد اضافات ولكنها فردية ولكن نفتقد للمشروع الروائى ورغم ازدهار النشر واقامة مؤتمرات للرواية والجوائز يشعرنا ان حصاد هذا الزمن من الرواية غير حقيقى على الاطلاق ، فلم تظهر بعد ملامح هذا الجيل فاننا نجد الرواية فى مصر لازالت غارقة فى الوصفات السحرية لصنع رواية ناجحة كاقحام الجنس بمبالغة ودمجه بشخصية المثقف المآزوم وابتعاده عن واقعه تماما بالاغراق فى الجنس والمخدرات مما يخرج لنا فى النهاية رواية هزيلة فى الحجم وفى عطائها الفنى والجمالى ويجدر الاشارة ان مايحدث الان ان هناك شىء مختلف فى ملامح الجيل الحالى يحاول ان يبحث عن ملامح تميزه عن جيل سابق
اما الروائى المهموم كما يحلو لى تسميته "حمدى ابو جليل" والذى قدم لنا رواية هامة فى الفترة الماضية وهى روايته الشهيرة " لصوص متقاعدون " التى ترجمت الى عدة لغات وكذلك اخر رواية "الفاعل " يرى أن هناك بالفعل رواية جديدة وهو يؤكد على ان مايراه البعض عيبا فهو يراه ميزة كبيرة فأهم سمات الرواية الجديدة انها ليست كبيرة الحجم وظهرت حالة روائية جديدة والثقة فى التجربة الشخصية كمشروع ابداعى ادبى وهذا يتمثل فى عدد من الاعمال والكتاب الشبان الموجودين على الساحة الان وأيضا فتحت الشهية لقراءة الروايات بل واصبحت الرواية وسيلة جديدة للتعبير عن النفس والرواية الصغيرة او الرواية التى بها حدث هى حالة جديدة فى الكتابة وهذا يرجع لان التجربة حق مشروع بعدما كان الكاتب يتخفى وراء شخوص رواياته وقصصه وهذا صنع حالة من الحميمية بين الكاتب والقارىء .
ترى هل كان يستحق هذا التحقيق ان ينشر .. عذرا للاطالة ولكننى ارى انه كان من حق كل شخص فى هذه التحقيق ان يعرف انه لا يمكن ان تتوفر لى فرصة لنشر أرائه ولا استغلها
.

Blogger Template by Blogcrowds