جلسة الشهادات




أدارت أ/ فريده النقاش جلسة الشهادات فى بداية اليوم الثانى من أيام المؤتمر، ولأسباب فنية تم جمع جلستين فى جلسة واحده مجمعه السبع شهادات المشاركون فى المؤتمر، بينما غابت أ/هالة البدرى و قدمت شهادتها فريده النقاش، الكل قرأ شهادته فيما هو منشور بكتاب الشهادات، عادا د.زين عبد الهادى الذى قدم كلام آخر غير الشهادة المنشورة ولكنها ذات صلة بموضوع شهادتة وسيكلمنا عن كلامه فى الجلسة على هذة المدونه. وننشر هنا مقدمة أ/ سيد الوكيل للشهادات المقدمة فى الكتاب




شهادة إبداعيةد. أحمد والي،
البقاء للسرد، د. زين عبد الهادي
الكتابة بحثاً عن الظلال
يوسف فاخوري
رؤيـــة السـارد لعمــله
محسن يونس
محطات للوصول.. سيراً علي الأقدام عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل
التحـولات (شهادة في الكتابة) هالة البدري

النقد والإبداع وتداخل الأنواع د. سيد البحراوي








يبدو أن مفهوم الشهادة الأدبية ما زال ملتبساً بين السيرة الشخصية والأدبية، بين الحقيقة والخيال، بين التجربة الإبداعية والتنظير لها، وملتبسًا بقوة بين العام والخاص، وعمومًا فالشهادة الأدبية ليست وثيقة علي الكتابة ولا علي الكاتب نفسه، وإن ظلت تعيننا علي فهم التجربة الإبداعية بالنظر إلي المحيط الثقافي والاجتماعي لبيئة المبدع، كما أن نقاد التحليل النفسي قد يجدون فيها مادة تعينهم، ليس علي فهم الإنتاج الإبداعي فحسب، بل وعلي فهم كيمياء التجربة الإبداعية لمبدع ما، بالنظر إلي عمليات التفاعل بين المبدع ومجاله الحيوي الدافع للإبداع.

وفي جميع الأحوال، فإن الشهادة الأدبية ليست شيئاً كاملاً ونهائياً، وكأن لها انفلات الأدب ومراوغته، وكأنها شكل أدبي مختلف يدفعنا للتفكير بطريقة مختلفة في أنفسنا، من نحن؟ ما الذي تبقي منا في التجربة الإبداعية؟ لماذا نحن هكذا بالتحديد؟ هل نحب ما نحن عليه؟ ما الذي نريده من كوننا أدباء؟ ما نصيبنا في أن نكون أنفسنا؟.

هذه أسئلة قد تكون أقرب إلي نوع من التأمل الوجودي والتحليل الذاتي. صحيح أن الذات المبدعة ـ في العمل الأدبي ـ تتشكل علي نحو مستقل، متفرد وخلاق، ومتحرر من تأثيرات الواقع المعاش للمبدع نفسه، لكن شيئاً في الخلفية يبقي منحازاً، ومتجذراً في الظرف الاجتماعي والتاريخي بكل فعلياته الثقافية، ذلك ما نسميه الواقع، لكن الواقع ـ أيضاً ـ في أحد تصوراته يكون ملتبساً وعاما. فليس في الواقع مما يخصنا سوي القليل جدًّا، لهذا تبدو شهادة الأديب علي تجربته رحلة شاقة وطويلة، قد تمتد إلي مئات السنين، بالنظر إلي أن المكون الثقافي لمجتمع ما ذي طبيعة تراكمية ورسوبية، فتبدو تجربة البحث عن الذات المبدعة، بمثابة بحث جيولوجي مضن.

وعلي نحو ظاهري، فالشهادة الأدبية بمثابة الوسيط الثالث الذي يجمع بين السيرة الذاتية والسرد الأدبي في فضاء واحد، فإذا كانت السيرة الذاتية خطابًا تاريخيا بالأساس، منطلقًا من واقع التجربة المعاشة للمبدع، وإذا كان السرد خطابا تخييليا بالأساس منطلقا من واقع التجربة الجمالية للمبدع، فإنه ثمة منطقة مشتركة بين السيرة الذاتية والسرد الأدبي يمكن أن تتجلي في الشهادة الأدبية. إنها بالتحديد المنطقة الثرية والمراوغة بين حدين وهميين هما الواقع والمتخيل.

وهكذا تبدو محاولة المبدع لكتابة شهادته الأدبية مهمة شاقة وشائكة، أشبه بمهمة استخلاص الذهب من كثير من التراب، من حيث كونها تركز الضوء علي هذه المنطقة المراوغة بين الواقعي والمتخيل، ومن حيث كون هذه المنطقة الثرية منجم الذات المبدعة. وبهذا المعني، يمكن أن تشير الشهادة الأدبية ـ أكثر من أي شيء آخر ـ إلي معني الذات المبدعة.

وكثيرا ما نقرأ بين مصطلحات النقد ما يوصف بأنه الذات الساردة أو الذات الشاعرة، من غير إدراك دقيق لماهية هذه الذات.

وظنّي أن الشهادة الإبداعية توفر للناقد فرصة دراسة هذا الكائن المراوغ ـ دائما ـ بين الحقيقة والخيال، بين الوعي واللاوعي، بين الواقع والحلم به. إنها المنطقة التي تتداخل عندها كل حدود التجربة الإبداعية، أو إنها باختصار جوهر هذه التجربة.

وفي هذا الكتاب، نقدم شهاداتٍ أدبيةً كتبها عدد من المبدعين، ونعتذر عن أنه لم يتح لنا الاحتفاء بعدد أكبر مما ورد هنا من شهادات لمبدعين بالنظر إلي أهمية الشهادة الأدبية في استقراء وعي المبدعين لذواتهم المبدعة من ناحية، وللواقع الثقافي المحيط بهم من ناحية أخري، بما يضمن إفادة مميزة لدارسي الأدب من النقاد والباحثين.

وقد حرصنا قدر الإمكان علي أن تكون الشهادات ممثلة لجيل أسهم في تشكيل المشهد السردي الجديد، وهو ما يمكن أن نسميه بالجيل الثالث، إذا ما وضعنا في الاعتبار جيلين سابقين هما: جيل الرواد، والجيل التالي له أو ما اصطلح علي تسميته بجيل الستينيات، الذي ما زال يسهم بقوة وتميز في تشكيل المشهد السردي المعاصر، بل ويظل في كثير من الأحيان مسئولا عن رسم الكثير من تفاصيله.

ونحن في هذا متّسقون مع قناعتنا بأن الأدب ذو طبيعة تراكمية، بحيث ينبني فيه الجديد علي القديم، فليس في كلامنا عن السرد الجديد تكريسًا لقطيعة ما من أي نوع، لا بين الأجيال ولا بين التجارب الإبداعية ذاتها. لهذا فإن ما نعنيه بالجيل الثالث هنا، إنما هو جيل وسط بين جيلين (الثاني والرابع)، وإن الأجيال الثلاثة تتفاعل في فضاء ثقافي وإبداعي واحد، هو ما نعنيه بالمشهد الأدبي الآني.

ولعل هذا التوسط يمكّّن كتّاب هذا الجيل من رؤيةٍ أكثر اتساعا تمنحهم حق الإدلاء بشهاداتهم. فهم في الوقت الذي يعبّرون فيه عن استفادتهم وخبراتهم المتحصلة من خبرات السابقين يدمغون تجاربهم بخبراتهم الخاصة المتفردة، فضلا عن تلك النظرة المستقبلية التي يتشوفون بها لما يجب أن تكون عليه تجاربهم في المستقبل، في وقت تحتدم فيه التجربة السردية بمغامرات جيل جديد مستفيدٍ من تراكم الخبرات السردية السابقة، ومن متغير واسع يعيشه في لحظته الآنية، ينعكس عبر إفادات مؤثرة ـ لا شك ـ من مصادر جمالية لم تكن متاحة لنا في الماضي القريب، تتمثل فيما يعرف باتساع مجالات المعرفة والانهمار المعلوماتي وتعدد وسائط التعبير الجمالي علي نحو ما تمثله ميديا الاتصال الحديث.

وقد اختصت المائدة المستديرة، التي حرصنا علي أن تكون أساسا بين فعاليات مؤتمرنا هذا، بمناقشة حرة ومفتوحة بين كتاب السرد من الجيل الجديد، وهو أمر نراه محمودًا، نظراً لأن تقاليد البحث النقدي اعتادت علي ألا تنظر للتجارب غير المستقرة، وأن تنتظر إلي حين نضوجها واستبيان ملامحها.

ولهذا رأينا أن تكون المائدة المستديرة مناسَبةً لأن يطرح المبدعون الجدد أسئلتهم علي الواقع، بدلا من أن يطرح الواقع أسئلته عليهم، بما يعني تمكينهم من التعبير عن أنفسهم، ورسم ملامح رؤاهم، لمشهد سردي آني.

وقد حرصت أمانة المؤتمر أن تُخضع اختياراتِها لشهادات المبدعين، لمعايير بحثية أقرّتها لجنة الأبحاث، لتكون متواشجة ومتكاملة مع مباحث المؤتمر المختلفة.

وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلي أن شهادة الدكتور سيد البحراوي، وعلي الرغم من وجازتها، إلا أنها تكشف بوعي حاد عن منطقة قلقة وملتبسة في ذات المثقف والمبدع المعاصر، وهي أن الذات لم تعد معني واحداً ومنظّما علي نحو قسري، بل هي فضاء متسع من الإمكانات المتعددة والرؤي المتداخلة، حيث تتماهي الحدود الفاصلة بين الممارسات الأدبية، علي نحو ما يمثل لها الدكتور سيد البحراوي باحتشاد ذاته المبدعة، وتراوحها بين تجربتي النقد والإبداع، وكأنما يدلي بشهادته، علي طبيعة التداخل بين الأنواع الأدبية، وكأنما النص النقدي هو تجل آخر من تجليات الإبداع الأدبي، وهو متسق في ذلك مــع رؤية المـؤتمر لما هو سرد، بعيــدا عن تخصيصات النوع الضيقة.

فيما يقدم د. زين عبد الهادي شهادته عن السرد بعنوان: «البقاء للسرد» وهي رؤية متفائلة تحتفي بظاهرة الانفجار السردي الذي تعيشه مصر الآن، وتشير إلي أن السرد لم يعد بديلاً للفلسفة التقليدية علي نحو ما تشير الدراسات الغربية الحديثة فحسب، بل هو بديل للتاريخ أيضاً بوصفه شهادة الواقع راصدة لتفاصيل الحراك الاجتماعي، ففيما يسكت التاريخ عن كثير من هذه التفاصيل فإن السرد معني - بالدرجة الأولي - بالمسكوت عنه، ومن ثم فهو يقدم تاريخا بديلاً للتاريخ الرسمي .

كما تشير شهادة الأديب يوسف فاخوري إلي معني خصوصية التجربة في مقابل خصوصية الإبداع، مع وعي بأن الخصوصية ليست انغلاقاً، بقدر ما هي تعبير عن نوع مميز من التفاعل مع العالم، فمن المثير في شهادته، أن تقف علي معني للخصوصية شديد الثراء والتعدد، في إشارته إلي مكوناته الكنسية الأولي، بوصفه مصريا مسيحياً (قبطي) يعيش في أقصي جنوب مصر (أسوان) حيث يتعانق الوجد الصوفي الإسلامي المتسامح الذي اشتهرت به هذه المنطقة، مع التراث الفرعوني الذي ما زالت آثاره شاهدة وفاعلة في تشكيل الوعي الجمالي لإنسان هذه البيئة، فضلا عن التجارب الإنسانية التي اكتسبتها عبر الاحتكاك والتفاعل مع ثقافات حديثة لأجانب وفدوا إلي هذه المنطقة أو عاشوا فيها، سواء إبان سنوات العمل في بناء السد العالي الذي جسد نضال الشعب المصري في مواجهة الإمبريالية، أو من خلال المستشرقين وعشاق المصريات الذين وقعوا في غرام الجنوب المصري.

وإذا كان لا يمكننا الإشارة هنا إلي كثير من التفاصيل الواردة في هذه الشهادات، فإنه يمكن القول إنها عكست تنوع الخبرات الحياتية والمعرفية المكتسبة لتصبح كلاً في فضاء الذات المبدعة، ومن ثم بدت كل شهادة مُميزةً بخبرة كاتبها، ومميزةً لذاته مبدعا ومثقفًا. فشهادة المبدعة والروائية هالة البدري تعكس تجربة المرأة المبدعة في مجتمع ما زال يرعي تقاليده الأدبية والاجتماعية وفق معايير ذكورية، ومن ثم فقد جاءت شهادتها مميزة بمذاق خاص، وتعكس درجة قصوي من الوعي بالذات.

أما شهادة المبدع محسن يونس فقد تجاوز فيها وعيه بتجربته، إلي تأمُّل تجاربَ لآخرين، متوازيا مع بعضهم أو متقاطعا مع البعض الآخر، بما يعني رؤية أوسع لمفهوم الشهادة الأدبية، من مجرد انحصارها علي زاوية النظر الذاتية، ومن ثم يبدو هذا التجاوز كمعادل ثقافي لتجربة محسن يونس ـ نفسه ـ الذي نجح في كسر هامش العزلة الإقليمية، حيث آثر الحياة في مدينته الساحرة (دمياط) يقرأ علي شواطئها حكايات الصيادين ويسترق السمع إلي أسرار البحر، ورغم ذلك فقد نجح في تحقيق مكانة مميزة بين كتاب جيله، فيما اكتسبت تجربته الأدبية سحر البحر واتساعه، وقد انعكس هذا في أعماله السردية، بدءاً من عناوين هذه الأعمال، وتنوعها بين القصة والرواية والموجات السردية.

وغير ذلك لدينا شهادتان لمبدعين هما: عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل وأحمد والي.

أما شهادة الأول فتعكف علي قراءة الخبرة الحياتية عبر الاحتكاك العملي والجسدي بالواقع، وتُنصت لحضور الحواس الإنسانية في تشكيل الوعي الجمالي. وتلتفت إلي تجارب الماضي في نازع "نوستالجي"، وكأنما يعمد إلي كشف مواطن الوعي بالذات مشتبكاً مع التاريخ.

في حين تأتي شهادة الثاني ملتبسة بالتعبير الشعري تارة والسردي تارة أخري، لتقف علي حدود الوعي الجمالي عبر المعرفة الثقافية المكتسبة، مع التركيز علي لحظات متوترة ومؤثرة في التركيب النفسي له، بوصفها نقاطاً تشير إلي مدخولات الواقع المعاش في المتخيل السردي.

ويقينًا أن هذا العرض السريع والمختزل للشهادات الواردة هنا، لا يغني عن قراءتنا لها، والتعرف عليها عن قرب، تمامًا كما لا تُغني معرفتنا بموضوع ما عن قراءته سرداً، وحيث الشهادة الأدبية في إحدي صورها، سرد ترتكز بؤرته علي الذات المبدعة، وتعكس وعي المبدع بتجربته ومدي اشتباكها بالحراك السردي المعاصر له.


سيد الوكيل

0 تعليق:

Blogger Template by Blogcrowds