سبوبة الأدب فى القرن الواحد والعشرين
قيادة الحراك السردى من الاشياء الصعبة فمهما حاولت وسائل الاعلام ودور النشر والنقد تحديد دور المبدع لن تستطيع لأن التطور المذهل فى العصر الحالى والافكار المختلفة جعلت من المبدع السارد شخصا متنوعا بمعنى ان الروائى الان يكتب النقد والتحليل السياسى كما يفعل الروائى الكبير خيرى شلبى و الدكتور علاء الاسوانى كما يكتب اليوميات مثل الروائى الكبير ابراهيم آصــلان وحكايات أدبية منتقاه كمقتنيات الروائى الذى لمع نجمه العام الماضى مكاوى سعيد وكذلك الروائى السكندرى الكبير ابراهيم عبد المجيد وتتنوع اسهامات الكتاب الشباب فى الحركة الثقافية ويختلف ادائهم فتجد الروائى الشاب طارق امام يكتب حكايات تثرى مسيرته الابداعية من خلال جريدة اسبوعية تعاملت مع حكاياته السردية و طريقته فى الكتابة والتى تختلف عن نمط الجريدة ككل فى جذب انتباه الكثير من الشباب المهتمين بالادب ، كما تجد الكاتب الشاب محمد صلاح العزب الروائى والصحفى قد اعتمد على الصحافة كمصدر رزق ولكن لم يستطع ان يتخلص من كونه اديبا فى كتاباته الصحفية ، والامثلة كثيرة فى اتجاه بعض الكتاب او المبدعين لوظائف اخرى كى "يأكلوا عيش" وفى المقابل تجد كاتبا كبيرا ومهما ومؤثرا فى حركة السرد الجديد ايضا رغم انه ليس شابا الكاتب الكبير علاء الديب والذى يرفض الظهور دائما ومنذ زمن مؤثرا الجلوس فى بيته للكتابة بلا توقف حتى انه فى شدة مرضه لايفعل شيئا سواء الكتابة ومتابعة صفحته الادبية فى جريدة القاهرة ، هل نسى احدنا هذا الكاتب الهام ، و هناك شاعرا رقيقا وناعما ومختلفا كالشاعر " عماد ابو صالح " الذى يعرف عنه الجميع انه لا يستسلم لعجلة السوق او لموانىء البحار الهائجة ، يجلس مكانه هادئا ، اختار فى الصحافة وظيفة هادئة لا تزعجه حتى لا تؤثر على ابداعه ، لم يزحم نفسه فى الكثير من النشاطات الرائجة ككتابة الكومكس التى اشتهرت الان او عمل كتاب مختلف "سبوبة " على الماشى حتى لا يظل بعيدا عن الاضواء الزائفة ، وليس " عماد ابو صالح " وحده وانما هناك الكثيرين ممن يسلكون نفس المسلك و لا يسترزقون من الادب مثل الشاعر الرائع محمد أبو زيد والكاتب الشاب طاهر الشرقاوى ايضا وكذلك محمد الفخرانى . ورغم عدم تجريمى لمحاولة الكسب عن طريق الموهبة الذى انعم الله بها على ولكنى اجرم الواقع الثقافى الذى يحتم على أن الجأ لاستغلال طاقتى الابداعية باكثر من وسيلة تارة لارضاء الجمهور واخرى لارضاء النقاد واخيرة لارضاء الناشر الذى سينشر لى الكتاب سواء بمقابل او بدون مقابل .

الاديب بين التدوين والابداع

يعتقد البعض ان كل مدون باستطاعته ان يكون اديبا ، وان كل اديبا باستطاعته ان يدون فى الواقع ومن وجهة نظرى الخاصة ان التدوين على سهولته هو وسيلة شديدة التعقيد للتعبير عن النفس او عن الافكار ، ولكنه ليس بالصعوبة بالنسبة للاديب مع انه يتنافى فى واقع الامر من مزاج الاديب الخاص ، لأن التدوين يستلزم ان تفتح مدونتك دائما لتكتب فيها كل جديد يمر بك سواء فى الواقع او الخيال ، فالاديب او المبدع عموما له مزاج متقلب وصعب المراس ولا يكتب هكذا لمجرد ان هناك من ينتظرون لقراءته ، ولكن الاديب يدون بنفس روح الكتابة الابداعية ، فلو لاحظت مدونات الادباء ستجدها تختلف تماما عن المدونات الاخرى ، حيث تغلب عليها الطبيعة الخاصة للاديب ، ربما تعحب البعض من كلمة الطبيعة الخاصة وكأننى أميز الاديب عن غيره من البشر ، نعم انها حقيقة فالاديب المبدع هو مختلف ومميز عن غيره وهذا امر لا يستطيع ان ينكره الكثيرين لان المبدع يرى العالم برؤى ابداعية خاصة ومختلفة عن غيره من الناس ، لذلك فليس من السهل ان يتحول الاديب لمدون ولكن سهل عليه ان يدون كمبدع ، اما المدون فهو اذا امتلك موهبة سرد خاصة ومميزة باستطاعته ان يصبح اديبا ، فالتدوين احد مراحل الابداع الاولى اذا كان مختلفا ولافتا وخلاقا ، كلنا مررنا بمرحلة الاجندة المدرسية والكراريس والاصدقاء الذين لا قفعهمون فى الادب فنجلسهم امامنا لنسمعهم ما سطرنا كراستنا ورغم عدم فهمهم لنا الا انهم كانوا يروننا مختلفين ، فالمدونة هى هذه الكراسة او الاجندة بالنسبة للكثيرين ممن ينتظرهم مستقبل ادبى كبير ، ولا ننكر ان التدوين ساهم بشكل او بآخر فى صنع جمهور مختلف للاديب المدون ، جمهور يهتم بالشكل الاليكترونى كما يهتم بالمطبوع ، يعرف الجميع ان هناك كثير من القراء يلجأون للنت لمعرفة احدث اصدارات الكتب واماكنها مما ساهم فى صنع جمهور حقيقى ومهم عن طريق النت كما خلق نوعا من التواصل الدائم بين الاديب والقراء سواء من الادباء او من غيرهم ، فنزع عنه هذه الهالة الاسطورية الذى يخافها الكثيرين ووضع مكانها نوعا من الكاريزما النجومية لبعضهم ، والامثلة كثيرة حولنا .

الاعلى مبيعا ووهم الناشر والكاتب :

لن يسقط المبدع الحقيقى فى براثن تجار كل شىء حتى الادب ، فكما تحول الجزار ومقاول الانفار فى يوم من الايام لمنتج سينمائي تحول اخرين لا علاقة لهم بالادب من قريب او من بعيد لمسئولى دور نشر ، فقط لانهم يجيدون تسويق وبيع الورق الذى يجنى الورق ، نعم فتجد بعض دور النشر تتحمس لكتب بعينها ليس لشىء الا لانها ستحقق اعلى المبيعات سواء كانت كتب تتحدث عن الجنس او السياسة او الدين وذلك تحت يافطة "حرية الابداع " والحقيقة ان سيطرة مثل هؤلاء على دور النشر هى كارثه حقيقية بكل المقاييس .
لقد نشأت على فكرة ان الاديب لا يبيع أدبه وإبداعه أبدا وأن المبدع الحقيقى لا يتأثر بمتطلبات السوق حتى أن الفن نفسه ما بين رخيص وغالى ومتميز ومختلف تميزه ببساطه ، فترى افلام يوسف شاهين وعاطف الطيب وخيرى بشارة ورأفت الميهى فتعرف فورا ان هذه الافلام ليست لشباك التذاكر وانما للتأريخ والخلود ان جاز التعبير ولم يخضع احدهم يوما لمتطلبات السوق او رغبات الجمهور ، وكذلك الفنان التشكيلى ، فهناك الفنان الذى يعمل تجارى للجاليرى والبيوتات الكبيرة التى تقدر الفن ، وهناك من يقف فى احد الميادين الكبيرة والاماكن السياحية ليرسم الوجوه العابرة عليه بقابل مادى من الشىء الوحيد الذى يجيد صنعه ، وكذلك تجد الفنان البوهيمى الذى لا يهتم بأن يأكل او يشرب أو يرتدى ملابس جديدة ولا يفكر فى اقامة اسرة وعائلة ، واخيرا تجد الرسام الذى يصر على ان يصل للجميع بمبدئه وفنه هو ودون ان يتنازل كما قلنا سلفا ولا يستسلم لمتطلبات الذوق العام السائد ، وهكذا فأن فكرة السوق وتحكم "الافضل مبيعا" لا يهدد الادب الخالد او المبدع الصادق مع نفسه والذى يعرف جيدا ان نجاحه ليس مرتبطا بالترمومتر السلعى وانما هى مسألة تجارية مجردة حيث تنتشر الان الروايا الستينية بمعنى التى لا تزيد عن ستين صفحة غالبا وربما زادت قليلا وذلك بناءا على رغبة السوق ومتطلباته حتى ان هناك بعض دور النشر تدعى انها باعت الطبعة الاولى وانها تطبع الثانية فى حين ان الاولى لم يطبع منها الا قليلا ، انها حيلة شهيرة يرضى بها الكاتب والناشر لتحقيق الرواج للرواية او الكتاب المقصود لهثا وراء يافطة " الاعلى مبيعا " ولكن الحقيقة هما الاثنان يعرفونها ، انها خدعة كبيرة فباستطاعة اى شخص عادى ان يكتب فكرة مبهرة بطريقة عادية كما حدث فى ربع جرام او عايزة اتجوز وحققا مبيعات كبيرة بغض النظر عن القيمة الادبية المقدمة فى العمل فاذا استسلم المبدع لمتطلبات السوق اذا فلابد ان نتأكد انه لم ولن يععلى
هامش سبوبة الادب فى القرن الواحد والعشرون

أحب أو أوضح بعض الالتباس الذى من الممكن ان يصل لمن يقرأ خطابى المتواضع عن السرد الجديد ، عندما جائتنى الورقة البحثية للكتابة عن محاورها ، أحترت كثيرا لأن الفكرة كبيرة ومعقدة وصعب الامساك بها ، فحاولت ان أتكلم عن شىء يشغلنى انا شخصيا وهم خاص ليس مقصود منه التعميم بقدر ما هو مقصود منه محاولة لفت النظر لظاهرة ربما تسىء يوما للأدباء " فنحيت جانبا افكار مثل الشللية الادبية ، و عزلة الكتاب المميزين بحجة انهم يستهلكون ، وكذلك نحيت معاناة الاديب مع الناشر ، وأثرت ان أتحدث عن شىء غير معلن ويتجاهل ، بل يخاف الكثيرين التصريح به ، نظرا للعلاقة الوثيقة بين الاديب والصحفى ، حتى اننا بكل فخر لدينا الكثير من هذا اللقب الذى أؤكد على انه مشرف ( الاديب الصحفى ) فأنا أحترم جدا الصحافة والصحفيين وأنا شخصيا والدى صحفى وأعمل فى مؤسسة صحفية كبرى ، وكذلك أحترم جدا جدا الأديب الذى يعمل فى المجال الصحفى ، ولكننى قصدت هنا أن أوضح ان الصحافة مهنة شاقة ومتعبة وقاسية جدا والاديب فى اعتقادى يحتاج للكثير من الطاقة لممارسة ابداعه دون أن تتدخل فيه اعتبارات مهنية ربما تؤثر على ابداعه وليس معنى ذلك ان من يمتهن الصحافة من الادباء يتأثرون بشكل سلبى ولكن احيانا على العكس يكون مردوده ايجابى ورائع على ابداعه وقراءه ايضا .
كما احب أن اوضح ان الاسماء الذى ضمنتها خطابى هى اسماء أكن لها كل الاحترام والتقدير والحب وقصدت بهم التمييز فى الكتابة السردية المختلفة خارج اطار اشكال الكتابة التقليدية ، فقد عرضت اسماء لها بريقها وتميزها فى الوسط الابداعى بشكل لافت للجميع وليس لى وحدى ، وفكرة المقارنى المعقودة بين من يكتبون ومتواجدون والاخرون المنذون هى ليست مقارنة بهدف التمييز بينهم لصالح اسماء عن غيرها من اسماء اخرى وانما هى مقارنة فقط بين طبيعة هؤلاء الادباء عن غيرهم ، كما أننى قصدت بعنوان السبوبة أن يكون عنوانا لافتا وصادما لكل من يفكر ان يتعامل مع الكتابة الابداعية "كسبوبة" أو "أدينا بنقلب عيشنا "
فما يكتبة عم خيرى وأبراهيم اصلان وابراهيم عبد المجيد وغيرهم من الادباء الكبار وما كان رحمة الله عليه "مستجاب " يكتبه هى كتابة تستحق أن ترفع لها القبعة نظرا لما وراء هذه الكتابة من تجارب وخبرة سواء على مستوى الكتابة او ما وراء الكتابة ، وكذلك الكتاب الشباب الذين ذكرتهم والذى فهم بعضهم اننى أعيب عليه انه يكتب نوعا مختلفا من السرد باننى اتهمه بالاسترزاق ، اذا كنت اتهم هذه الأسماء الشابة بشىء إنما اتهمهم بأنهم تسببوا فى أن يفكر كل الناس ان هذا هو نموذج الكتابة الإبداعية نظرا لتمتع هؤلاء الشباب بمصداقية لدى جمهور القراء وخاصة من الشباب ، فأنا فقط أطالب الكتاب الشباب بشكل غير معلن من خلال خطابى ان يكون لديهم الإحساس بالمسئولية تجاه القارىء الذى يحبهم ولا يتعاملوا مع كتابتهم من خلال فكرة"السبوبة " سواء كانت فكرية او مادية زيادة فى التوضيح ليس من الضرورة ان تكون سبوبة الأدب المقصودة هنا هى السبوبة المادية ، فهى معنوية بالمعنى الأول ، فليس لمجرد التواجد باستمرار أو للفت نظر او حتى لا ينسانى الناس استمر فى الكتابة هذا اذا لم ترواد الكاتب فكرة تلح عليه ليكتبها ، اقصد بمعنى ان يكون مضطرا لارضاء (عشان خاطر) فهذه كلمة لا يمكن ان أغفرها لأى مبدع يقول لقد فعلت ما فعلت (عشان خاطر) ، فأنا أعتقد ان الكتاب الكبار الذى تستكبهم الجرائد الكبرى ما كانوا ليفعلوا ذلك إلا لأنهم كتاب كبار لهم ما لهم من تاريخ يجعل كل الصحف والمجلات تلهث وراء سطرا من كتابتهم وليس مجرد مقال أو قصة ، لذلك عندما اعرف ان هناك مقال كما يرونه وقصة قصيرة كما اتقبلها انا وغيرى من الادباء لأحد هؤلاء العمالقة من الكتاب الكبار ، فأننا نلهث لشراء الاصدار الذى سينشر هذا العمل .
فالأديب والصحفي ايضا أحرار تماما فاذا كانت الصحافة هى السلطة الرابعة كما تعرفون فالأدب من المفترض ان يكون هو السلطة الأولى ، فهو المؤثر والمحرك لوجدان الشعوب من خلال أمانة توصيل الكلمة سواء كانت هذه الكلمة شعرا او نثرا او رواية او قصة او ايا ان كان المسمى ، المهم ان تكون كلمة الأديب المكتوبة تراعى ان من يقرأه يثق فيه الى حد انه من الممكن ان يقلده فى كل شىء فالاديب كالنجم تماما بالنسبة لقراء كثيرين وبالنسبة لمبدعين يخطون خطواتهم الأولى نحو الأدب ،لذلك لابد أن أكون حرا وعادلا وأمينا فى التعامل مع كلمتى ...
ارجو ان أكون حاولت ان أصل معكم لتوضيح مرضى لما قصدته بالنسبة للعنوان وبالنسبة للأسماء التى تضمنها خطابى وخاصة ان كلها أسماء احترمها واحترم جدا ما تكتبه .
سهى زكى
23/12/2008
من أمام قصر ثقافة مرسى مطروح
الساعة 1.30ود مبدعا ربما تحول لحرفى هائل وعظيم هذا لا يعنى اننى ضد من يكتبون لاجل المال ولكن ضد السعى وراء المال بالكتابة .

Blogger Template by Blogcrowds