صوت البحر مرعب فى الليل خاصة مع الريح المثلجه العنيفه، ولأن" جنة من غير ناس ما تنداس" فقد فضلت قضاء السهرات بعد الجلسات مع الاصدقاء فى فندق "AIR BILL" وتجاهلت فى تدويناتى المقارنه بين فندقهم والفندق الذى أسكن فية مع الاعلاميين. الاكيد أنى لا أحب أن يدخل أحد غرفتى المغلقة ولكن عندما أعود أمس وأجد السرير والغرفه مرتبة الى درجة أعجبتنى ولاشت دهشتى وضيقى فهذا يعنى أن الاعلاميون يعاملون معامله الخمس نجوم أو بمعنى أخر" أطعم الفم تستحى العين". فى الصباح أمطرت، ولكن الشمس أشرقت الان لذا أتوقع حضور مقبول للأدباء الشبان فى جلسة الشهادات عكس أمس ! وفى المساء ستكون المائده المستديره التى ينتظرها كثيرون من المشاركين فى المؤتمر.
الدنيا مغسولة
هذا أول ما خطر فى ذهنى وأنا أطالع شاطئ البحر من نافذة غرفتى بعد المطر
سأنشر بعد عودتى من المؤتمر كتاب الأبحاث الذى يضم الأبحاث الرئسية فى المؤتمر، وكتاب الشهادات الأدبية، وأوراق عمل المـائدة المسـتديرة، وكـتاب "الشعر البدوى" فى محافظة مرسى مطروح، إلى جانب كتاب "تقليب المواجع" وهو مجموعة قصصية لم تنشر من قبل أهداها الأديب خيرى شلبى إلى المؤتمر بدلا من نشر الاوراق والابحاث بشكل مستقل على المدونه. وننشر أسماء المكرمون ونبذة عنهم:
الأديب والروائي خيـري شـلبي
حكّاء من طراز فريد، وروائي قدّم للأدب العربي أعمالا عديدة خالدة.
يمتزج في أدبه الحسُّ الشعبيّ بالتأمل في رؤية ملحمية تُكسب العمل الروائي أو القصصي صفاتِ التمايز والنضوج الوفير، فهو يرسم شخصياته بإتقان، ويكسوها بصبغة أسطورية تجعل منها أنماطًا مغايرة، وتحوّل مصائرها إلى أمثولات.
ابتكر الأديب الكبير خيري شلبي فن "البورتريه" الصحفيّ في أدب الصحافة العربية، فصار رائدَه الأوّل، وراح يفتش في كنه الشخصية عبر ملامح وجهها، وعبر تجلياتها الإبداعية، وأهدانا عبر السنوات فنًّا أدبيا جديدًا.
وفضلا عن كتاباته النقدية في القصة والرواية والمسرح، فقد كتب الدراما الإذاعية والتليفزيونية، ومارس العمل الصحفي، وأشرف على إصدار العديد من المجلات والسلاسل الثقافية.
الناقد الكبير الدكتور محمود الربيعى
واحد من أبرز النقاد المصريين.قدّم للحركة الأدبية إسهاماتٍ متميزة، وتبنّى رؤية نقدية تجمع بين تحليل العمل الأدبي، وبين تقريب وجهة نظر الأديب إلى القارئ العادي، فهو يؤمن بأن النقد مسارٌ يجمع الأطرافَ كافةً، ويؤلّف بين الأشتات؛ ومن هنا فهو يأخذ نفسَه بالجد، ويعمل على تفعيل قيمة العمق والبساطة، ويدفع بالنقد المصري والعربي إلى طريقه الصحيحة التي كاد أن يفقدها.
الأديب والمترجم رجب سعد السيد
فضلاً عن إسهامه الأدبيّ في القصة القصيرة والرواية والنقد، فإنه كذلك مترجم متميز سواء في الأدب أو في العلوم، كما أنه باحث متمكّن، وناشطٌ في مجال العلوم والبيئة، والعمل ضد أخطار التقدم الصناعي والتكنولوجيا.
وإلى ذلك فقد أضاف الكثير إلى الحركة الأدبية في أرجاء مصر من شمالها إلى جنوبها، وله مشاركات متعددة في مؤتمر أدباء مصر وفي غيره من مؤتمرات الأقاليم، والمؤتمرات الثقافية والأدبية.
الشاعر مأمون الحجاجى
يرسم هذا الشاعر في شعره صورة الوطن العصي على الاقتراب، الذي يضع الإنسان مباشرة أمام مأزق الحياة العصرية الطاحنة، ويلتهم جُلّ مشاعره وأحاسيسه، ولا يُبقي له إلا مرافقة الهم والأسى.
والشاعر مأمون الحجاجي أحد المبدعين المخلصين للإبداع وللحركة الأدبية في الأقاليم، وفي الأقصر بخاصة، وقد سبق أن لقِيَ التكريم من جهات ومؤسسات متعددة، فيما يكرّمه المؤتمر في هذه الدورة تقديرًا لدروه الأدبيّ، وممثلاً لأدباء الوجه القبلي.
الروائي الراحل خيرى عبد الجواد
لم يكن خيري عبد الجواد فردًا من أفراد كتيبة الكتابة الأدبية الساعية إلى التجديد، ولا من الأدباء الذين بشّر بهم الحراك الثقافي في مطلع الثمانينيات فحسب، بل كان كذلك (وللحقيقة) كاتبًا منغمسًا في عمق الواقع المصري الأصيل، الذي يلمس عصب الألم في المناطق الفقيرة المزدحمة بالبشر، والواقعة تحت تأثير الهم المباشر لمشكلات التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثَمّ فقد أعاد كتابة هذه المشاهد معتمدًا على رؤية فنية تمزج الواقع بالحكاية الشعبية، أو تعيد إنتاجه وفق قوانينها، أو دلالاتها الحديثة.
ولم تكن بساطة الكاتب وسماحته تلك غيرَ بعيدةٍ عن أدائه في الكتابة وتقنياته ورؤاه الفنية، وهو يصوغ لنا أعماله، أو يقدّم ـ متفانيًا ـ ذوقه المتميز، وكذا حين قدّم لنا روائعَ الحكايات العربية في التراث الشعبي والثقافي والأدبي والتاريخي.
الروائية سحر الموجى
تُعدّ واحدةً من أكثر الكاتبات المصريات تمتعًا برؤية تحديث الكتابة الروائية في مصر، فضلاً عن اهتمامها الدائم بنُصرة قضايا المرأة على اختلافها وتعددها.
دخلت سحر الموجي التجربة الأدبية عبر كتابة القصة القصيرة، واستطاعت أن تحقّق حضورًا خاصًّا وسط قريناتها، وانتقلت إلى كتابة الرواية، والترجمة، فبرزت فيهما، وبخاصة بعد روايتها " ن "، كما نهضت للاشتغال على الأدب الإنجليزي عبر تدريسه في الجامعة.وغير ذلك، فهي تؤدي دورًا إعلاميًّا متميزًا في خدمة الأدب والثقافة المصرية سواء عبر الإذاعة، أو كتابة المقالات في الدوريات والصحف المصرية والعربية.
الإعلامي عمرو الشامى
قبل أن يكون إعلاميًّا ناجحًا، فهو مثقّف أصيل، وواحدٌ من الجيل الذي لَحِقَ بركب الثقافة، وهو يدخل المجال الإعلامي مسلّحا بهذه الثقافة في مواجهة الكثير من المواقف.
ولذلك فقد وظّف هذا الوعي في خدمة الثقافة، وراح يعمل في هدوء ويقظة وانتقاء طيلة عشرين عامًا في إذاعة البرنامج الثقافي (الثاني سابقًا) مفضّلا خدمةَ المشهد الأدبي على كثير من المغريات، فقدم مئاتِ الحلقات عن الندوات والمؤتمرات التي قدّمها الواقع الثقافي في مصر.
وهو كذلك أحد أحفاد العلامة العظيم الدكاترة زكي مبارك.
يكرّمه المؤتمر تقديرًا لدوره الإعلاميّ الكبير في العمل الثقافي، وفي متابعة الأحداث الثقافية في شتى ربوع مصر.
الشاعر إسماعيل عُقاب
شاعرٌ معنيٌّ بالإنسان، وبالقيمة، والحقيقة، والوطن.
تغنّى بالقضايا الكبيرة التي شغلت الوطن العربي كله، كما تغنى بالمرأة وأعلى من شأن الجمال كقيمة إنسانية وطبيعية، وأقام معبدًا للقصيدة الأصيلة، وانفتح على التجديد في الشعر دون أن يتخلّى عن أصالته، ولا عن موسيقاه الكونية الخالدة.
رعَى الحركة الأدبية في مصر، قبل أن يجعل من مطروح منطقة إشعاعٍ ثقافيّ، ويطوّرَ الحركة الأدبية فيها، ويأخذ بيد عددٍ كبير من أدبائها إلى نور الإبداع.
الشاعر محمد الحسينى
يبلغ من العمر 49 عاما، متزوج ولديه ابنين. صدر له من قبل أكثر من ديوان شعرى منها، "مس الكلام" و"عباد الشمس" و"غرفة السر جانب صندوق الحزن" ومسرحية واحدة هى "حورى". والراحل هو أحد شعراء العامية الذين ينتمون إلى جيل الثمانينيات، وكان صاحب حضور قوى فى الوسط، وتجربته تتميز بخصوصيتها وفرادتها، ولم يكن يشبه أحدا من الشعراء، ويعد رحيله خسارة فادحة لحركة شعر العامية المعاصر فى مصر.
كلمه الروائى خيرى شلبى أمس فى جلسه الافتتاح
إنه لأمر مبهج حقاً أن تقوم للرواية دولة في ثقافتنا العربية المعاصرة، على أيدي جيل بأكمله، هو ذلك الجيل الذي أشرف بالانتماء إليه، والذي درجنا على تسميته –خطأ أو صواباً- بجيل الستينيات.
إني زعيم بأن هذا الجيل هو صانع مجد الرواية العربية، الذي أسس له إمامنا الأكبر نجيب محفوظ؛ وكنا نحن أول رعيل يتخرج في أكاديميته المصرية الخالصة.
ذلك ليس من الغرور في شيء، ولا هو من قبيل الزهو والتفاخر. فالواقع أن تاريخ الثقافة العربية في مصر لم يعرف من قبل جيلاً فيه هذا الكم الوفير من الروائيين. هو كم وكيف معاً، كم في التنوع، كثرة في التفرد. فإذا افترضنا أن حديقة فيها مائة شجرة مثلاً، نكون إزاء مائة نوع من الفاكهة، لكل نوع مذاقه المختلف.
وإذا كانت هذه الحديقة الروائية قد غاب عنها الجناينية، وافتقدت حركة نقدية تحرمها وترعاها وتنقيها من النباتات الشيطانية التي تتسلق الشجيرات لتسرق غذاءها، فإنها برغم ذلك أينعت، وبسقت، وأنجبت كل هذا العمران الروائي المصري والعربي المبهر حقاً، الذي انجذب إليه الشعراء والرؤساء والأمراء، وكأن الرواية قد أصبحت بالفعل –كما وصفها أحد الدارسين- ديون العرب.
ولكن، يلوح لي أنها في القريب العاجل ستكون ديوان العالم كله، سوف تسترد عرشها الشعبي العريق، من قاطع الطريق الساحر الذي اختطف منها جمهورها نحو سبعين عاماً لايني يصب في عقولهم جهالات وملالات، إلى أن سطح مداركهم، فباتوا نسخاً متكررة من نموذج واحد قتله التلقي السلبي، سحق ملكاته الإبداعية الذاتية جعله حيوانا استهلاكياً، وتحول هو في أيدي التجار إلى جهاز إعلاني لا شرف له على الإطلاق. والواقع أنه لم يكن يصدر عن هذا الجهاز في يوم من الأيام شيء يكرس لمصلحة الجماهير، أو لمبدأ أخلاقي، أو حتى لعلاقات إنسانية سوية. اليوم تتبارى القنوات الفضائية العربية في شن حروب مجانية على مبدأ الحياة نفسه، وعلى التقدم بوجه عام، وعلى العقل . بات العالم كله مزرعة للإرهاب، عرفت القسوة الوحشية طريقها إلى قلوب المصريين، مات السلام الاجتماعي، أصبحت الكراهية عازلاً سميكاً يمنع التواصل بين الأخ وأخيه، جمود التبلد واللامبالاة تنشع رطوبته بين الطوبة والطوبة في كل بناء في مصر الآن، لم تعد أحجار الأبنية هي الأخرى يطيق بعضها بعضاً، ليس من الفقر وحده فحسب- وهو صديق مخلص للمصريين على طول الزمان- وإنما بفعل الضلالات والإثارات التي يبثها ذلك الجهاز الإعلاني الذي أصبح يوازي في خطورته اختراع البارود والذرة، ويليق بمخترعه أن يقتدي بألفريد نوبل، فيعتذر عن اختراعه الذي لم يكن بالتأكيد يرجو له أن يكون كذلك.
وفي اعتقادي –حسب ما أقرأه من دراسات لعلماء اجتماع الأدب وعلماء النقد وعلم نفس المجتمعات أن العالم قد انتبه إلى خطورة هذا الجهاز في تنسيخ البشر. أصبحت الشعوب التي استسلمت لهذا الجهاز، سواء في أيدي حكام سخروه لخدمة طغيانهم واستبدادهم، أو في أيدي تجار وسماسرة ووكلاء يسخرونه لخدمة مصالحهم، هذه الشعوب باتت في أيدي تجار وسماسرة ووكلاء يسخرونه لخدمة مصالحهم، هذه الشعوب باتت في أمس الحاجة إلى إعادة بناء الذات الفردية، أو المفردة بمعنى أدق. فإذا كانت الشعوب الناهضة تتكون من مجموعة أفراد مستنيرين، فإنها اليوم بحاجة إلى خطاب فردي، يغذي الذات المفردة بمشاعر المقاومة والوعي بواقعه، وإطلاعه على جوهر المسائل وحقائق الأمور، وتنبيهه إلى قواه الخفية، كي تساعده على أن يكون صاحب رأي فيما يدور حوله، صاحب موقف إيجابي فيما يختص بمصيره ومستقبل وطنه وعياله. فإذا كان التلفاز قد غذى فينا روح القطيع وخصائصه فإننا لابد أن نخرج عن هذا القطيع، نتمرد على شيئيتنا، أن نكون بشراً لا حيوانات يتاجر فيها السياسيون والنخاسون.
وإذاً؛ فإن الفن الوحيد المرشح للقيام بهذه المهمة الصعبة هو فن الرواية، حيث تتفرد الرواية بالقارئ في خلوة حميمة تخاطبه بندية، تغذي فيه فرديته الإيجابية.. يتبادلان معاً محاولة تفكيك العالم وإعادة بنائه من خلل الحواديت والعلاقات الدرامية الإنسانية في ملحمة الكفاح الإنساني من أجل الحياة في نبل وكرامة.
وإذاً، فمرحباً بهذا العمران الروائي، مرحباً بقيام دولة للسرد في الثقافة العربية المعاصرة. مرحباً بمؤتمركم الموقر وبكل هذه الرؤس الباحثة الدارسة الناقدة.
وإنه ليسعدني أن تكون آفاق السرد قد وصلت في الدراسات الأدبية إلى هذه الآماد البعيدة التي شرفت باستعراض رءوسها في برنامج مؤتمركم الموقر. وقد ضوعفت سعادتي لأن كل هذه الزوايا البحثية تبدو لي كأنها تدرسني أنا شخصياً في كل ما كتبته من قصص وروايات ودراسات نظرية وتطبيقية كثيرة.
وأظن أن من قرأني من حضراتكم ربما يكون قد لاحظ أنني قد حاولت الإطاحة بلغة الأدب الرصينة الموروثة، لصالح لغة الحياة، لغة العيش الفعلية، قرنية الألم، والحلم، والمناكفة، والمعافره، والفلفصه، والزمزقه، والحداقه، والمهيصه، والمرمطه، والزفارة، والروبة، والروث.. أقصد المفردات ذات الحمولات الشعورية المعجونة في عرق الكدح والسعي والمثابرة. لم يكن ذلك يتطلب مني أكثر من التأمل الدقيق في معاني المفردات العامية المتداولة يشع منها الزخم، لأعيدها إلى أصولها العربية، وأندهش من قدرة المصريين على تمصيرها بتحميلها دلالات حياتية قد تبعد بها عن معناها القاموسي؛ ولكن بالدراسة المبدئية لقواعد اللغة العربية نحوها وصرفها، يسهل وضع هذه المفردات في سياقات تجعلها قابلة للإعراب، مع الاحتفاظ بمدلولها العامي الذي يجب أن يوحي به السياق من تلقاء بنيانه، لقد اكتشفت عبر رحلة طويلة مع اللغة الفصحى، ورحلة أطول مع العامية بمستوياتها الطبقية والاجتماعية العديدة، أن العامية المصرية هي نفسها العربية الفصحى بعد أن نزلت إلى المزارع والمصانع والأسواق والشوارع والحواري، فأجهدت بعض المفردات، وأصاب بعضها العرج؛ لكن المفردات التي صمدت في معترك الحياة المصرية
الزراعية التجارية الحرفية، أصبحت لغة قائمة بذاتها قد تشكل نطقها حسب إيقاع الحياة، تخلصت من بداوة الصحراء ومن خشونتها وقسوتها، ارتوت بالخيال الزراعي المتدفع في نهر النيل وتشربت عسل الطمي، فظهرت جمالياتها في البكائيات المصرية وفي أغاني الزرع والحصاد، والمواويل الحمراء. ثم ارتقت على أيدي النديم وبيرم وحداد وجاهين.. وكان من حسن حظي أن عشقت العامية وشربت من كل هذه الينابيع حتى الارتواء.
من جانب آخر فإني تلميذ مجتهد في أربع مدارس أسلوبية كانت مهداً لذائقتي اللغوية: إبراهيم عبد القادر المازني، ويحى حقي، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس. كل مدرسة من هذه المدارس الأسلوبية الأربع لعبت دوراً كبيراً جداً في المصالحة بين لغة العامة ولغة الأدب. على هدي منها، على أرض ارتوت من ينابيع العامية في مستوياتها السالفة الذكر، قامت تجربتي في بناء لغة قصصية درامية شفاهية تشكيلية معاً، قادرة على احتواء مشاعر البسطاء، واستجلاء دخائلهم.
كانت رواية (السنيورة) هي المغامرة الأولى في البحث عن سرد جديد يرفع الواقع إلى مرتبة الأسطورة. ثم جاءت رواية (الوتد) ثم تعددت المغامرات السردية، ليتولى دفة الحكي ناس ما كان لهم الحق في أن ينصت إليهم أحد من قبل، العربجي والجزمجي والبويجي وقاطع الطريق والمتشرد والمتسول، والموظف والمثقف والسياسي والفنان. ولم أكن لأجرؤ على الحكي بلسان أحد إلا بعد أن أكون قد صرت خبيراً تماماً بقاموسه الخاص. هل أحدثكم عن ثلاثية الأمالي، أولنا ولد، ثانينا الكومي، وثالثنا الورق؟ أم عن وكالة عطية؟ أو صالح هيصة؟ أو موال البيات والنوم؟ أو بغلة العرش؟ أو موت عباءة؟ أو العراوي؟ أو الشطار؟ أو فرعان من الصبار؟ أو رحلات الطرشجي الحلوجي؟ أو منامات عم أحمد السماك؟ أو لحس العتب؟ أو الأوباش؟ أو زهرة الخشخاش؟ أو نسف الأدمغة أو صهاريج اللؤلؤ؟ أو صحراء المماليك وبطن البقرة؟ ناهيك عن المجموعات القصصية.
أزعم أن تجربتي في السرد طويلة وحافلة بالمغامرات. على أن تجاربي في السرد لم تكن لمجرد الانعتاق من أسر الأدب ذي اللغة المصقولة التي لا تعكس إلا ظلال كاتبها نظراً لخلو جوفها من الرحيق الإنساني.. إنما كانت تجاربي السردية العديدة في تجارب حياة عشتها وعايشتها محتدمة في محيط حياتي؛ أخذت وقتها في النمو بداخلي حتى نضحت، فكلما أقبلت على كتابتها من خانتني وهربت، لتصير كالمعادن في جوف الأرض حيث تفور وتمور في زلزلة تبحث عن منطقة رخوة تخترقها لتخرج. أرى شخصياتها في الحرفة تتمرد على أخيلتي السقيمة، ترفض لغتي العتيقة المعلبة.. فكيف لشخصيات من الأنفار والمشردين أن يدخلوا في الأنفاق اللغوية التي لا تؤدي إلا إلى الكذب والافتراء على والإفتئات على حقائق التاريخ.
ولكن الذي خدمني حقاً وأعانني على اقتحام هذا التنوع، هو التحامي الوجداني المبكر بالسير والملاحم الشعبية، وبدراسة الفولكلور الشفاهي والمدون، الذي كان له أكبر الأثر في مساعدتي على الفهم الصحيح والدقيق للشخصية المصرية من خلال مكوناتها الوجدانية الماثلة في الفولكلور، بجميع أجناسه الفنية. غير أن ذلك كله لم يكن ليفيد بدون هذه التجربة الحياتية المروعة التي عشتها متقلباً بين الحــرف والمهن: من عامل ترحيله إلى بائع سريح إلى ترزي إلى مكوجي إلى بائع في محل، إلى كاتب أنفار، وكاتب محامي، ومدون حسابات في مخبز، وما بين جراج للسيارات في مدينة المنصورة، ناهيك عن فترات تدريب وتجريب في مصانع وفابريقات عديدة في الإسكندرية.. إلخ إلخ. وإلى يومنا هذا لا أزال أقدس العمل اليدوي، وحتى وقت قريب جداً كنت أتوق إلى الجلوس إلى ماكينة الخياطة في ضوء الكلوب ووشيشه المؤنس في دكان المعلم فرحات البربري في بلدتنا خلال شهر رمضان. وفي مكتبي وفي مطبخي أحتفظ بأدوات وعدد غريبة جداً: شواكيش ومفكات وزرديات ومسامير، وإبر خياطة وبكرات خيط وكستبان وحفنة أزرار.. إلخ إلخ.
عفواً سيداتي وسادتي أصحاب هذا المؤتمر الموقر. لست نرجسياً ولا أحب الحديث عن نفسي.. إنما أردت أن أفرح بين أيديكم بهذا الذي يجري، وبين أعطافي طفل غرير مغتبط بما أنجز، ليقول إن كل ما خطه قلمه منذ عرف الكتابة إلى اليوم لم يكن إلا بعض محاولة، لم أتأكد بعد- وأظنني لن أتأكد فيما يبدو- مما إذا كانت تنتمي إلى الفن حقاً أم أنها محض هراء. كل ما أنا متأكد منه- ومجموعة تقليب المواجع بين أيديكم تشهد على ذلك –أنني سأبقى ما حييت ولوعاً بفتح آفاق جديدة للسرد القصصي تكون أكثر قدرة على اختراق المناطق المجهولة في البنيان الإنساني، والوصول إلى أدق الخفايا في الجبلة الإنسانية. ولن نفلح في ذلك حقاً إلا باستلهام ملكة القص العظيمة المتأصلة في الشخصية المصرية، سيما في مستوياتها التحتية المكافحة المنافحة معاً.
أرجو لمؤتمركم الموقر أن يكون عوناً جديداً على مزيد من التجديد في لغة السرد وأشكاله الفنية، وأن يكون إسهاماً مشهوداً في قيام ونهوض وازدهار دولة السرد الروائي.
خيري شلبي
التسميات: كلمات الافتتاح