محمد أحمد محمد:
عن جريدة الاتحادhttp://www.alittihad.ae/details.php?id=106
شهادات المبدعين في أنفسهم وتجاربهم التي شهدها المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الثالثة والعشرين، جاءت بمثابة تعرية لعملية الكتابة خصوصا وأنها جاءت في جلسة حملت عنوان ''السرد الجديد رؤية إبداعية'' أدارتها الكاتبة فريدة النقاش. وكانت الشهادات لكل من د. سيد البحراوي ''النقد والإبداع وتداخل الأنواع''، والروائية هالة البدري ''التحولات ـ شهادة في الكتابة''، والدكتور زين عبد الهادي ''البقاء للسرد''، ومحسن يونس ''رؤية السارد لعمله''، وعبد الفتاح الجمل ''محطات للوصول.. سيرا على الأقدام''، ويوسف فاخوري ''الكتابة بحثا عن الظلال''، وأحمد والي ''شهادة إبداعية''.في شهادته قال د.سيد البحراوي: أكتب منذ اثنين وأربعين عاماً، نصوصاً غير مقيدة بأي نوع كتابي، لأني ببساطة، كنت أكتب تلقائياً، دون أن أعرف أن ما أكتبه هو كتابة، حوادث صغيرة تركت أثراً في، ونصان طويلان أحدهما يحاول أن يسجل جريمة قام بها أحد زملائي في الدراسة، اختطاف طفل لا أذكر لماذا تم كشف الجريمة، والقبض على زميلي وإلقاؤه بالسجن، والثاني عرض لتاريخ القضية الفلسطينية من خلال رؤية طفل هاجر سنة .1948 حينما التحقت بالجامعة انشغلت بالدراسة في القاهرة، ثم الحركة الطلابية، قلت كتاباتي وإن لم تتوقف، غير أن الكتابة الإبداعية ، كانت فيما يبدو تطفح دون أن أدري على ما أكتبه، فكان بعض الأصدقاء ينبهني إلى ذلك..في صيف عام من أواخر القرن الماضي، وجدت نفسي مدفوعاً دون إرادة لكتابة تجربة فتاة ممزقة من جيل عايشته، كنت مدفوعاً إلى الكتابة بطريقة جنونية حطمت كل مقاييس حياتي، بما فيها ساعات النوم والطعام، وأحياناً العمل، وحين انتهيت منها أعجبت بعض الأصدقاء الذين قرأوها مع ملاحظات، ظللت أعمل عليها بعد ذلك عدة سنوات حتى رضيت عنها، لكن ناشرين متعددين لم يرضوا بنشرها، حتى نشرت في النهاية خارج مصر سنة .2002 خلال الانتهاء من ''ليل مدريد'' بدأت أعود إلى دفاتري القديمة التي وجدتها، كان بعضها قد ضاع كاملاً، ولم أندم كثيراً لأنها بدت لي بلا قيمة، ومع ذلك وجدت عدة نصوص قصيرة، احتاجت ''شغل بمليم'' كانت نواة مجموعة النصوص القصيرة ''صباح وشتاء'' التي صدرت بعد ذلك بعام، حين انفتحت شهيتي على الكتابة مواصلاً نفس النهج القديم لتلك النصوص مع تنويعات منهجية، وموضوعية حديثة، وهو الأمر الذي استمر أيضاً مع مجموعة ''طرق متقاطعة'' التي كانت أكثر تمرداً على النصوص الأولى.الرقيب الداخليأما الروائية هالة البدري فتناولت شهادتها مراحل الكتابة لديها ومشكلاتها الأولى التي تمثلت في الرقيب الداخلي حيث قالت: عانيت من هذا الرقيب أثناء كتابتي لروايتي ''ليس الآن'' بسبب موضعها الشائك: ضابط لا يقبل بتوقف الحرب مع إسرائيل، لقد سألت نفسي ماذا سأفعل مع آلاف المحاذير التي يلقيها هذا الرقيب أمامي؟ أعترف أنني أحببت بطفولة شديدة أن أزيحه من طريقي، لأن الكتابة هي فعل الحرية الوحيد الذي أمارسه، كيف أحدد حريتي بيدي؟ لكن مواجهة المؤسسة العسكرية المصرية بالنقد أمر لا يمكن التعامل معه بهذه البساطة.. واستطعت بعد جهد إقناع نفسي بأنني قهرته، ورضيت عما كتبت لكني أحياناً أسأل نفسي هل حقاً أزحته؟ أم أنني أسكنته الأعماق، فراح يعيد ترتيب الأشياء قبل أن تصل إلى الوعي؟ لم أسمع أي اعتراض من أي جهة رقابية على الرواية بعد صدورها، وطبعت في مطابع الدولة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأعيدت طباعتها مرة ثانية في مشروع مكتبة الأسرة أيضا كاملة، لكن ناقدا واحدا من الذين كتبوا عنها لم يأت على ذكر أزمة هذا الضابط مع المؤسسة العسكرية، وتناولها من جوانب أخرى تماماً، لقد عمل الرقيب الداخلي مع الناقد أكثر بكثير مما فعل معي.هكذا وصلت إلى رواية ''امرأة.. ما''، وأنا أشعر براحة وثقة تدفعني لكتابة ما شئت واخترت موضوعاً شائكا عن الحب بين المرأة والرجل روحا وجسدا متسلحة بإيمان حقيقي في إمكانية الدخول إليه، والتعبير عنه، وراح الغزل يتحول إلى نسيج متماسك بعدما يزيد على ثلاث سنوات، وكدت أكتب كلماته، ولكن أحداث ''الوليمة'' فاجأتني ذات صباح فاضطرب الغزل في يدي، وبعد حوار طويل مع نفسي انتهى بهدوء إلى دخول هذه الأسئلة جسم الرواية التي كنت أصوغها في ذات اللحظة..وتحدث د. زين عبد الهادي عن السرد الروائي في كتابات الشباب مشيرا إلى أنه يتسم بالغرائبية والنحو باتجاه تناول قضايا ليست بالجديدة ولكن بأساليب أكثر تحررا عن ذي قبل، ولعل روايات مثل ''سرير الرجل الإيطالي'' لمحمد العزب و''فاصل للدهشة'' لمحمد الفخراني و''بابل'' لنائل الطوخي تمثل هذا الاتجاه المبني على الغرائبية ومحاكمة الواقع العشوائي والإغراق في الجنس..كما أن أغلب المبادئ السردية يمكن هدمها بسهولة فلم تعد هناك مبادئ أو قواعد للكتابة، ولعل روايات أورهان باموك أو ساراماجو، أو كتاب أميركا اللاتينية قد تركت هذا التأثير، لدرجة أن بعض الكتاب الشباب في أعمالهم يحاكون أساليب السرد نفسها والصيغ التعبيرية التي يستخدمها هؤلاء. إن هذا يؤكد أن هناك انفصاما يكاد يكون شبه كامل بين الأجيال الجديدة وبين الأجيال السابقة من الروائيين المصريين.وقال محسن يونس إن الكتابة هي قضية الإنسان الواعي الذي يعايش قضايا عصره لا كمتفرج ولكن كفاعل.. والكتابة ليست بالأمر السهل، بل هي نشاط فكري مُضْنٍ يتطلّب الكثير من الجهد والتوتر العصبي والأرق والبحث الدؤوب المتواصل، من أجل العثور على الفكرة وتنظيم العبارة وتكوين النصّ كيفما كان جنسه. ولا يتصوّرنّ أحدٌ أن الكتابة مطواعةٌ تنصاع في كل لحظة، وبالإمكان الإمساك بها كلما رغبنا، وتنقاد لأي مخربش بسهولة، وقد قال الجاحظ قديما: ''المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي'' ولكن مَنْ يلتقطها ويقدمها لنا ثمرة ناضجة يانعة؟ الأرض والغيموتساءل يوسف فاخوري: قال لنا من كانوا قبلنا الكتابة هي الوطن. صدقنا أو حاولنا أن نصدق. قال لنا من كانوا منا ثم من أتوا بعدنا نحن أنفسنا بلا وطن، حاولت أن أصدق. ونظرت أسفلي فلم أجد أرضاً، ونظرت من حولي فلم أجد إلا عشباً صحراوياً، نظرت فوقي فكان غيما، ولم أعرف موقعي. فهل كنت غافياً، وهل من يقين يستطيع أن يدعيه أحد.لا تعنيني الكتابة بأكثر من كونها حالة مزاجية خاصة، دون انتظار قدح أو مدح. شيء كتدخين السجائر أو الكأس في لحظة تجل. فأجيالنا لم تنجز مشروعها الإبداعي لأسباب كثيرة. والكتاب الحقيقيون منها أقل جاذبية من كتاب أدركوا مطالب السوق وطبيعة المصالح. أما المغامر والباحث عن لغة مغايرة وسرد غير مألوف فعليه أن يتجرع كأسه بلا مرارة في زمن ''فن اليأس''. كما أنني كسول بطبعي ولا يحق لي الإدعاء. وقد أهدرت من الوقت ما يقيم حياة أخرى قصيرة، وغير عابئ بالقادم. كل الأسباب التي تقنع بها الكتاب كي يبرروا خطيئة كلماتهم كاذبة ''دفاعاً عن الحياة، هرباً من الاكتئاب أو الموت، أو بحثاً عن جنون فوق جنون الحياة... إلخ''. الحقيقة البائسة أن أحداً لا يدرك على وجه صريح لماذا؟ لأنه غامض بأكثر من الظلال ولا أحد يعرف مصدراً للضوء. وكشف عبد الفتاح الجمل عن رحلته مع الحرب والحب والحياة ودورها في الكتابة وقال: لكم تساءلت: لماذا جاء ميلادي بالقرب من ساحة الحرب؟بسذاجة لم تكن هي التهور بعينه، زعمت أنني جئت لأستل قلمي من بين الضلوع، لكي أطفئ لهيب المعارك فداست كلماتي على مواقع في حياتي أحدثت انفجارا أشبه ما يكون بدوي معارك الحرب العالمية الثانية!من رابع المستحيل أن أضع توصيفاً خارج جغرافيا المكان، خاصة وأن من هم على شاكلتي لا يستطيع أحد منهم أن يصبح ذاتا مستقلة عن واقعها، وما أعرفه أنه إذا كانت هناك خصوصية في الثقافة فإن ذلك لا ينفي وجود الملامح المؤثرة في عدد من الثقافات الأخرى، وهي التي تحفر في الذات أوتاداً من نسغ الإنسانية، وعبير الروح.وقال أحمد والي: بدأت أكتب الحكايات التي أتلوها من الذاكرة على أصحابي فكانت ''حكايات شارع البحر'' وانتهيت من كتابة مسوداتها أواخر 2002 ودخلت الأمة العربية والعالم أجمع أزمة العراق في مجلس الأمن..أشرفتُ على حالةٍ أشبه بالجنون من شدة العجز والضعف والهوان.. وما كان أمامي سوى أن أبيّض مسودات الحكايات لأتناسى قليلاً ما جرى لبلاد الألف ليلة، وأتناسى عذابات شهرزاد.وأعطيتُ المخطوط لرياض الريس في معرض 2004 وبعد شهر اعتذروا. وكان السبب أن الألفاظ هنا أكثر من التي وردت في ''المتنصتون'' الذي منع في معظم البلاد العربية فيا ليتك تعيدُ النظر في بعض الألفاظ. لكنني فشلت!
الروائيون الشبان والمدونة الالكترونية
لم نمتلك بعد الوعي الالكتروني
جريدة السفير اللبنانية
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1129&articleId=166&ChannelId=25860
جاءت رؤى وأفكار شباب المبدعين المصريين من كتاب السرد الجديد الذين شاركوا في مؤتمر أدباء مصر الذي شهدت مدينة مرسى مطروح فعالياته في الفترة من ٢٢ إلى ٢٥ ديسمبر ،٢٠٠٨ جاءت متسقة تماماً مع كتاباتهم التي تميل في رأي البعض إلى الاستسهال وعدم العمق، لكن الجميل في الأمر أن المؤتمر جمع عدداً كبيراً منهم ربما للمرة الأولى، وتحدثوا في صراحة عن علاقتهم بالتدوين على الانترنت ورؤيتهم لفعالية هذا التدوين وقدرته على المساهمة في خلق سرد جديد. تحدث القاص أحمد عزت عن »اللاَّهُوْتُ الإِلِكْتُرُوْنِي أَنْطُوْلُوْجِيا (السَّرْدِ قَبْلَ السَّرْد) فِي الْهَبَاْءِ الدَّارْوِينِي« حيث أشار إلى أن المدونات وعاء سحري، وواحة عُظمى للسَّرد الجَديد، الذي يستمد شَخْصَانيته من استيعابه المهول، للتطور المُتقافز، الذي يزْخَر به عصرنا الجديد، وفق دَوَرَاته الزمنية التي يرفُل في دراستها: العلم الحديث. إن نظرة مُمَحِّصَة لمآل التدوين الإلكتروني في مصر، لتشف ـ في جلاء ـ عن مُوار سردي، يسعي حثيثًا للنيل من التقليد الأدبي، وإهالة حثوات النسيان علي الوعي الكلاسيكي في العمل السردي. أما القاصة سهى زكي فتحدثت عن »سـبوبة الأدب في القـرن العشـرين«، مشيرة إلى اعتقاد البعض أن كل مدون باستطاعته أن يكون أديباً، وأن كل أديب باستطاعته أن يدون. وقالت: إن التدوين على سهولته هو وسيلة شديدة التعقيد للتعبير عن النفس أو عن الأفكار، ولكنه ليس بالصعوبة بالنسبة للأديب مع أنه يتنافى في واقع الأمر من مزاج الأديب الخاص، لأن التدوين يستلزم أن تفتح مدونتك دائماً لتكتب فيها كل جديد يمر بك سواء في الواقع أو الخيال، فالأديب أو المبدع عموماً له مزاج متقلب وصعب المراس ولا يكتب هكذا لمجرد أن هناك من ينتظرون قراءته، ولكن الأديب يدون بروح الكتابة الإبداعية نفسها، فلو لاحظت مدونات الأدباء فستجدها تختلف تماماً عن المدونات الأخرى، حيث تغلب عليها الطبيعة الخاصة للأديب. فالمدونة هي هذه الكراسة أو الأجندة بالنسبة للكثيرين ممن ينتظرهم مستقبل أدبي كبير، ولا ننكر أن التدوين ساهم بشكل أو بآخر في صنع جمهور مختلف للأديب المدون، جمهور يهتم بالشكل الإلكتروني كما يهتم بالمطبوع. سرد جديد وقدم الروائي طـارق إمـام أسئلة عن الرواية الجديدة قائلاً: إن أسئلة كثيرة تدور حول السرد الجديد، رغم أن السؤال الأهم ـ في ظني ـ هو السرد الجديد نفسه. ما مواصفاته؟ ما أبرز نماذجه؟ ما الشروط المفارقة التي أسسها لتدشين جمالياته؟ ناهيك عن سؤال جوهري: هل هناك سرد جديد في مصر حقاً؟ وأضاف: أعتقد أن من الأنسب الحديث عن »المناخ الجديد« الذي تشهده الحياة الثقافية، والذي يمكن تحديد قوامه بشكل أوضح: دخول المدونات ساحة الأدب، تكاثر عدد دور النشر المهتمة بالأدب بالتزامن مع تزايد أعداد المكتبات بشكل لافت، بروز قيم تسويقية لم نعهدها كحفلات التوقيع وإحصاءات الروايات الأكثر مبيعاً، انسحاب سلطة التقييم من بين يدي النقاد تدريجياً إلى أيدي القراء وهو تحول من السلطة الجمالية إلى السلطة الشرائية، وغيرها. هذه التفاصيل الجديدة تبدو قابلة للمقاربة في »جدتها« أكثر مما يمكن مقاربة الروايات الجديدة نفسها في »جدتها«.. حيث لا زلت مصراً أن الروايات الجديدة في مصر لا تشكل تياراً جمالياً مستقلاً، ولا تحفل بقطيعة ملحوظة مع الأعمال السابقة عليها، ولم تظهر كتيار، مثلما هو الحال مع تيارات مجددة أخرى كتيار الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية والرواية الجديدة في فرنسا، ومن قبلها تيارات كالواقعية الاشتراكية وتيار الوعي وغيرها. الروايات الجديدة في مصر يمكن مقاربتها بمنطق فردي حسب الكاتب ودرجة جدته ورؤيته.. لكن تصعب ـ في ظني ـ مقاربتها كتيار متماسك أو واضح التوجه سواء كنسق جمالي أو أيديولوجي أو معرفي. تصعب قراءتها تحت مظلة واسعة.. والدليل ذلك التفاوت الفادح بين روايات واقعية وأخرى تتخذ من الفانتازيا عموداً فقرياً لها.. أو بين لغة صحفية عند البعض وأخرى كثيفة شعرية عند البعض الآخر. وتساءل عمر شـهريار عن »الأنترنت: ساحة للتعبير عن الذات«: هل نمارس هذا السرد الإلكتروني وفق مواضعاته هو أم وفق تصوراتنا القديمة؟ وبمعنى آخر هل استطعنا أن ننجز جدة في الوعي تتساوق مع هذا الفضاء المغاير؟ وقال: في ظني أننا ـ حتى هذه اللحظة ـ لم نصل إلى الوعي الجديد الذي نبتغيه، فالمسألة ـ في تقديري ـ أشبه بكوننا نرتدي ملابس جديدة على جسد متسخ... نعم، لم يزل وعينا يدور في أفلاكه التقليدية القديمة، فأصبحنا نمارس معاركنا وصراعاتنا القديمة ذاتها، وبالوعي القديم ذاته، وإن اختلف الفضاء الذي نمارس فيه هذه المعارك. إن الذات العربية المقهورة والمحجوبة قد تكون فرحة بكونها تشاهد خطابها على الشاشة الإلكترونية، وبأنه أصبحت ممثلة وحاضرة، ولكنها لم تدرك بعد أنها لابد أن تتحلى بوعي مغاير يلائم المرحلة الجديدة، وبعبارة أخرى، إن الوعي العربي لم يستحم بعد... السرد التدويني وطرح محمد عبد النبي في ورقته »التدوين والحراك الثقافي« تساؤلاً مهماً عن طبيعة الدور الذي تلعبه الصحافة الثقافية ـ وقد تعددت إلى حد ما، وعلى المستوى الأفقي فقط ـ منابرها ووجوهها، من ورقية وإلكترونية. وأضاف: إذا كان الوصول للناس هو الفوز المبين، فهل علي بالتالي أن أكتب الدراما التليفزيونية والسينمائية كما اختار هذا في لحظة ما أدباء شباب مثل أسامة أنور عكاشة أو وحيد حامد؟ وهل يعرف أحد بالضبط ما يريده الناس (هذا الكائن العملاق الخرافي الجبار) حتى يمكنه أن يحدس باحتياجاتهم ومطالبهم في لحظة بعينها؟ هل مضى ما يكفي من الوقت على تجربة التدوين والكتابة على الإنترنت ودخول منتديات مثل »الفيس بوك« طرفاً في لعبة الترويج للكتاب أو النقاش حوله، حتى يمكننا أن نحكم عليها أو نتتبع ما تركته من أثر على الحراك الثقافي ككل والأدبي خصوصا؟ أم أن هذا التعجل في الحكم نفسه واحد من آثار تلك التجربة التي لا يخيفها شيء قدر التريث والتأني ومراجعة الذات؟ ما وراء »الكتابة الجديدة«...؟ وتحدثت منى الشيمي عن »السرد التدويني من.. وإلى..« عن النشر الإلكتروني حيث أكدت أنه ساعد على ظهور جدد على الساحة، لم يكن تنحيهم عن الساحة الثقافية يعني عدم وجودهم، بل كان يعني عدم تسليط الضوء على ما يكتبونه، وجدوا في النشر الإلكتروني ساحة واسعة، دون الحاجة إلى وسيط لتوصيل كتاباتهم، كتابة لا تتمتع بالخصائص التي يجب أن تكون عليها الكتابات الأخرى، الصادرة تحت إشراف مؤسسي، أياً كان نوع هذه المؤسسة، هذه الكتابات تخترق التابوهات أحياناً (مثلث الرعب: الجنس ـ السياسة ـ الدين) المعروف وتتسع لتشمل كل ما يخطر على بال. وقد تلتزم بخصائص النشر الورقي، لكنها لا تجد السبيل إليه، لذا لجأت ـ مجبرة ـ إلى هذا الحل. التجديد وعن السرد والمدونات، قال نائل الطوخي: أحاول البحث عن أماكن مختلفة للسرد، في المدونات والفيس بوك، وتأمل بالتحديد كتب المدونات (كتب الشروق: عايزة أتجوز وأرز بلبن لشخصين وأما هذه فرقصتي أنا، وكتاب دار العين »عندما أسمع كلمة مدونة« وكتاب دار اكتب »مصر في قطعة جاتوه«)، ومحاولة تبيان كيف أنها تجاهلت السرد الحقيقي الموجود في المدونات، وكيف أنها تجاهلت المدونات الجيدة فعلاً، وركزت على القشور، ليس بالضبط بسبب الحرص على رواج أكبر للكتب ـ وإن كان هذا العامل موجودا وبقوة ـ وإنما أيضاً لقلة خبرة وحنكة القائمين على هذه الكتب بعالم التدوين وعالم الفيس بوك. السرد في مكان آخر أيضاً، في السينما، في الأفلام القصيرة، في قصص الكوميكس المصورة، ومسلسلات السيت كوم، وكلها مصادر شاركت في تكوين ثقافة جيل حالي، وشارك هو في صنعها عندما بدأ يكتب ويثبت ذاته. وهنا أتحدث عن جيل لم يأت من داخل الوسط الأدبي بأشكاله التقليدية، وبالتالي لم يحتك بالأشكال الأدبية التقليدية ولا بالمنابر المعروفة لنشر أعماله، وإنما كانت تجربته الأساسية هي مع المنتديات والمدونات ولاحقاً ـ الفيس بوك. وبالتالي فلقد تم النظر إليه بوصفه آتياً من خارج الوسط الأدبي التقليدي. كيف ينظر الوسط لهذا الجيل، كيف ينظر الجيل لهذا الوسط، إلى أين سينتهي الاحتكاك والتلاقح بين الكتابتين؟ وقال هدرا جرجس في كلمته »ما وراء الكتابة الجديدة«: وللنظر بموضوعية لفكرة »الكتابة الجديدة«.. لا بد أن نحتكم إلى الإبداع، الإبداع نفسه، ووحده، ولا ينبغي أبداً، أن نهلل لمصطلحات جوفاء، لأعمال ستصفي نفسها بنفسها بعد حين، لأنها ببساطة تفتقر إلى هذه القيمة المهمة »الإبداع«. إن الذي حدث، في الآونة الأخيرة، أن تدخلت عدة عوامل ـ لم تكن القيمة الإبداعية واحدة منها ـ في التأثير على رواج النصوص الأدبية. ويمكننا أن نلخص هذه العوامل في الآتي: طبيعة الموضوع: بصرف النظر عن مستواها الإبداعي، لاقت بعض الموضوعات رواجاً كبيراً، لأسباب سياسية، لأنها عبرت عن سلبيات كثيرة تحفل بها تلك الأنظمة الهشة، ويقابلها حس »نستولوجي« لوسط البلد بعماراته وتاريخه وأيامه الجميلة، وربما كانت لأسباب اجتماعية، كانتشار الفقر والعشوائيات والدعارة والإرهاب والبلطجة والإدمان، ويقابلها تصوير صريح وتقريري جداً لقاع المجتمع، أو أسباب جنسية بحتة، وربما يدفعنا هذا لتذكر مصطلحات على غرار »كتابة البنات« أو »كتابات الجسد« وغيرها مما كان منتشراً عند جيل التسعينيات، ولم يعد لها وجود، لأنها لم تقم على أساس إبداعي سليم، رغم انتشارها في هذا الوقت. وأشارت الكاتبة هويدا صالح متسائلة في ورقتها »الكتابة التدوينية«: هل التجديد الذي يتغنى به البعض الآن هو وليد اللحظة الراهنة؟ ألم يسبق بإرهاصات عديدة فيما سُمي برواية التسعينيات التي مهدت الطريق أمام هذه الطفرة الواضحة في طرائق السرد؟ وهل يقبل المشهد السردي ذلك التعدد البين والواضح في طرائق السرد حتى أننا نجد روايات وقالت: سميت روايات تجاوزاً، ولكنها تبعد كل البعد عن مفهوم الرواية الأوروبية بحبكتها وحدثها وزمانها المتنامي، نجد تلك الروايات تقف جنباً إلى جنب مع روايات تعتمد وحدة الحدث وتناميه، روايات كلاسية الطابع تماماً، وبجانب ذلك نجد روايات بنت الخيال التام والأسطورة، ونجد روايات تفيد من تقنيات السينما والميديا الجديدة، كل ذلك في تجاور وتنوع مدهش يستحق التأمل فيه عن كثب في جلسات مؤتمر كهذا. النقطة الأخرى التي أود التحدث فيها هي عن التدوين على شبكة الإنترنت، وما هو السيناريو المتخيل لهذا الرافد السردي الهام، كيف يمكن أن يغير التدوين من خريطة المشهد السردي؟ وهل ما يكتب في بعض التدوينات الشهيرة مثل الكنبة الحمرة وذرياب ووسع خيالك وأرز باللبن لشخصين وعايزة أتجوز إلى آخر هذه التدوينات، هل هذا أدب تفاعلي أم هو أدب تشاعبي؟ وحين تتحول هذه الكتابة التدوينية إلى كتابة ورقية يضمها كتاب كما حدث مع عايزة أتجوز والرقصة دي وأرز بلبن ألا يسجن هذا الكتاب ذلك الأدب التدويني بين دفتيه، وينفي عنه صفة التفاعلية؟