محمد أحمد محمد:
عن جريدة الاتحادhttp://www.alittihad.ae/details.php?id=106
شهادات المبدعين في أنفسهم وتجاربهم التي شهدها المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الثالثة والعشرين، جاءت بمثابة تعرية لعملية الكتابة خصوصا وأنها جاءت في جلسة حملت عنوان ''السرد الجديد رؤية إبداعية'' أدارتها الكاتبة فريدة النقاش. وكانت الشهادات لكل من د. سيد البحراوي ''النقد والإبداع وتداخل الأنواع''، والروائية هالة البدري ''التحولات ـ شهادة في الكتابة''، والدكتور زين عبد الهادي ''البقاء للسرد''، ومحسن يونس ''رؤية السارد لعمله''، وعبد الفتاح الجمل ''محطات للوصول.. سيرا على الأقدام''، ويوسف فاخوري ''الكتابة بحثا عن الظلال''، وأحمد والي ''شهادة إبداعية''.في شهادته قال د.سيد البحراوي: أكتب منذ اثنين وأربعين عاماً، نصوصاً غير مقيدة بأي نوع كتابي، لأني ببساطة، كنت أكتب تلقائياً، دون أن أعرف أن ما أكتبه هو كتابة، حوادث صغيرة تركت أثراً في، ونصان طويلان أحدهما يحاول أن يسجل جريمة قام بها أحد زملائي في الدراسة، اختطاف طفل لا أذكر لماذا تم كشف الجريمة، والقبض على زميلي وإلقاؤه بالسجن، والثاني عرض لتاريخ القضية الفلسطينية من خلال رؤية طفل هاجر سنة .1948 حينما التحقت بالجامعة انشغلت بالدراسة في القاهرة، ثم الحركة الطلابية، قلت كتاباتي وإن لم تتوقف، غير أن الكتابة الإبداعية ، كانت فيما يبدو تطفح دون أن أدري على ما أكتبه، فكان بعض الأصدقاء ينبهني إلى ذلك..في صيف عام من أواخر القرن الماضي، وجدت نفسي مدفوعاً دون إرادة لكتابة تجربة فتاة ممزقة من جيل عايشته، كنت مدفوعاً إلى الكتابة بطريقة جنونية حطمت كل مقاييس حياتي، بما فيها ساعات النوم والطعام، وأحياناً العمل، وحين انتهيت منها أعجبت بعض الأصدقاء الذين قرأوها مع ملاحظات، ظللت أعمل عليها بعد ذلك عدة سنوات حتى رضيت عنها، لكن ناشرين متعددين لم يرضوا بنشرها، حتى نشرت في النهاية خارج مصر سنة .2002 خلال الانتهاء من ''ليل مدريد'' بدأت أعود إلى دفاتري القديمة التي وجدتها، كان بعضها قد ضاع كاملاً، ولم أندم كثيراً لأنها بدت لي بلا قيمة، ومع ذلك وجدت عدة نصوص قصيرة، احتاجت ''شغل بمليم'' كانت نواة مجموعة النصوص القصيرة ''صباح وشتاء'' التي صدرت بعد ذلك بعام، حين انفتحت شهيتي على الكتابة مواصلاً نفس النهج القديم لتلك النصوص مع تنويعات منهجية، وموضوعية حديثة، وهو الأمر الذي استمر أيضاً مع مجموعة ''طرق متقاطعة'' التي كانت أكثر تمرداً على النصوص الأولى.الرقيب الداخليأما الروائية هالة البدري فتناولت شهادتها مراحل الكتابة لديها ومشكلاتها الأولى التي تمثلت في الرقيب الداخلي حيث قالت: عانيت من هذا الرقيب أثناء كتابتي لروايتي ''ليس الآن'' بسبب موضعها الشائك: ضابط لا يقبل بتوقف الحرب مع إسرائيل، لقد سألت نفسي ماذا سأفعل مع آلاف المحاذير التي يلقيها هذا الرقيب أمامي؟ أعترف أنني أحببت بطفولة شديدة أن أزيحه من طريقي، لأن الكتابة هي فعل الحرية الوحيد الذي أمارسه، كيف أحدد حريتي بيدي؟ لكن مواجهة المؤسسة العسكرية المصرية بالنقد أمر لا يمكن التعامل معه بهذه البساطة.. واستطعت بعد جهد إقناع نفسي بأنني قهرته، ورضيت عما كتبت لكني أحياناً أسأل نفسي هل حقاً أزحته؟ أم أنني أسكنته الأعماق، فراح يعيد ترتيب الأشياء قبل أن تصل إلى الوعي؟ لم أسمع أي اعتراض من أي جهة رقابية على الرواية بعد صدورها، وطبعت في مطابع الدولة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأعيدت طباعتها مرة ثانية في مشروع مكتبة الأسرة أيضا كاملة، لكن ناقدا واحدا من الذين كتبوا عنها لم يأت على ذكر أزمة هذا الضابط مع المؤسسة العسكرية، وتناولها من جوانب أخرى تماماً، لقد عمل الرقيب الداخلي مع الناقد أكثر بكثير مما فعل معي.هكذا وصلت إلى رواية ''امرأة.. ما''، وأنا أشعر براحة وثقة تدفعني لكتابة ما شئت واخترت موضوعاً شائكا عن الحب بين المرأة والرجل روحا وجسدا متسلحة بإيمان حقيقي في إمكانية الدخول إليه، والتعبير عنه، وراح الغزل يتحول إلى نسيج متماسك بعدما يزيد على ثلاث سنوات، وكدت أكتب كلماته، ولكن أحداث ''الوليمة'' فاجأتني ذات صباح فاضطرب الغزل في يدي، وبعد حوار طويل مع نفسي انتهى بهدوء إلى دخول هذه الأسئلة جسم الرواية التي كنت أصوغها في ذات اللحظة..وتحدث د. زين عبد الهادي عن السرد الروائي في كتابات الشباب مشيرا إلى أنه يتسم بالغرائبية والنحو باتجاه تناول قضايا ليست بالجديدة ولكن بأساليب أكثر تحررا عن ذي قبل، ولعل روايات مثل ''سرير الرجل الإيطالي'' لمحمد العزب و''فاصل للدهشة'' لمحمد الفخراني و''بابل'' لنائل الطوخي تمثل هذا الاتجاه المبني على الغرائبية ومحاكمة الواقع العشوائي والإغراق في الجنس..كما أن أغلب المبادئ السردية يمكن هدمها بسهولة فلم تعد هناك مبادئ أو قواعد للكتابة، ولعل روايات أورهان باموك أو ساراماجو، أو كتاب أميركا اللاتينية قد تركت هذا التأثير، لدرجة أن بعض الكتاب الشباب في أعمالهم يحاكون أساليب السرد نفسها والصيغ التعبيرية التي يستخدمها هؤلاء. إن هذا يؤكد أن هناك انفصاما يكاد يكون شبه كامل بين الأجيال الجديدة وبين الأجيال السابقة من الروائيين المصريين.وقال محسن يونس إن الكتابة هي قضية الإنسان الواعي الذي يعايش قضايا عصره لا كمتفرج ولكن كفاعل.. والكتابة ليست بالأمر السهل، بل هي نشاط فكري مُضْنٍ يتطلّب الكثير من الجهد والتوتر العصبي والأرق والبحث الدؤوب المتواصل، من أجل العثور على الفكرة وتنظيم العبارة وتكوين النصّ كيفما كان جنسه. ولا يتصوّرنّ أحدٌ أن الكتابة مطواعةٌ تنصاع في كل لحظة، وبالإمكان الإمساك بها كلما رغبنا، وتنقاد لأي مخربش بسهولة، وقد قال الجاحظ قديما: ''المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي'' ولكن مَنْ يلتقطها ويقدمها لنا ثمرة ناضجة يانعة؟ الأرض والغيموتساءل يوسف فاخوري: قال لنا من كانوا قبلنا الكتابة هي الوطن. صدقنا أو حاولنا أن نصدق. قال لنا من كانوا منا ثم من أتوا بعدنا نحن أنفسنا بلا وطن، حاولت أن أصدق. ونظرت أسفلي فلم أجد أرضاً، ونظرت من حولي فلم أجد إلا عشباً صحراوياً، نظرت فوقي فكان غيما، ولم أعرف موقعي. فهل كنت غافياً، وهل من يقين يستطيع أن يدعيه أحد.لا تعنيني الكتابة بأكثر من كونها حالة مزاجية خاصة، دون انتظار قدح أو مدح. شيء كتدخين السجائر أو الكأس في لحظة تجل. فأجيالنا لم تنجز مشروعها الإبداعي لأسباب كثيرة. والكتاب الحقيقيون منها أقل جاذبية من كتاب أدركوا مطالب السوق وطبيعة المصالح. أما المغامر والباحث عن لغة مغايرة وسرد غير مألوف فعليه أن يتجرع كأسه بلا مرارة في زمن ''فن اليأس''. كما أنني كسول بطبعي ولا يحق لي الإدعاء. وقد أهدرت من الوقت ما يقيم حياة أخرى قصيرة، وغير عابئ بالقادم. كل الأسباب التي تقنع بها الكتاب كي يبرروا خطيئة كلماتهم كاذبة ''دفاعاً عن الحياة، هرباً من الاكتئاب أو الموت، أو بحثاً عن جنون فوق جنون الحياة... إلخ''. الحقيقة البائسة أن أحداً لا يدرك على وجه صريح لماذا؟ لأنه غامض بأكثر من الظلال ولا أحد يعرف مصدراً للضوء. وكشف عبد الفتاح الجمل عن رحلته مع الحرب والحب والحياة ودورها في الكتابة وقال: لكم تساءلت: لماذا جاء ميلادي بالقرب من ساحة الحرب؟بسذاجة لم تكن هي التهور بعينه، زعمت أنني جئت لأستل قلمي من بين الضلوع، لكي أطفئ لهيب المعارك فداست كلماتي على مواقع في حياتي أحدثت انفجارا أشبه ما يكون بدوي معارك الحرب العالمية الثانية!من رابع المستحيل أن أضع توصيفاً خارج جغرافيا المكان، خاصة وأن من هم على شاكلتي لا يستطيع أحد منهم أن يصبح ذاتا مستقلة عن واقعها، وما أعرفه أنه إذا كانت هناك خصوصية في الثقافة فإن ذلك لا ينفي وجود الملامح المؤثرة في عدد من الثقافات الأخرى، وهي التي تحفر في الذات أوتاداً من نسغ الإنسانية، وعبير الروح.وقال أحمد والي: بدأت أكتب الحكايات التي أتلوها من الذاكرة على أصحابي فكانت ''حكايات شارع البحر'' وانتهيت من كتابة مسوداتها أواخر 2002 ودخلت الأمة العربية والعالم أجمع أزمة العراق في مجلس الأمن..أشرفتُ على حالةٍ أشبه بالجنون من شدة العجز والضعف والهوان.. وما كان أمامي سوى أن أبيّض مسودات الحكايات لأتناسى قليلاً ما جرى لبلاد الألف ليلة، وأتناسى عذابات شهرزاد.وأعطيتُ المخطوط لرياض الريس في معرض 2004 وبعد شهر اعتذروا. وكان السبب أن الألفاظ هنا أكثر من التي وردت في ''المتنصتون'' الذي منع في معظم البلاد العربية فيا ليتك تعيدُ النظر في بعض الألفاظ. لكنني فشلت!
0 تعليق:
إرسال تعليق