ككل البشر في مرحلة النضوج والولوج من الطفولة للرجولة تمتلئ الجوانح بالحاجة للشعر.

" الشعر ضرورة وآه لو أعرف لماذا "

جان كوكتو

أنا أزعم أن سبعة مليارات البشر حاولوا كتابة الشعر، بل أزعم أن كل الكائنات حاولت كتابته . . أليس هديل ذكر الحمام في أذن أنثاه شعرًا؟!

حتي الكلب إذا لمح أنثاه؛ تحرك ذيله برقصة أجمل من رقصة الفراشات فرحًا بها لأنه يريد أن يقول بيتين من الشعر.

وحتي النباتات.. فعباد الشمس يميل بقرصه مع حركة محبوبته الشمس!

والصفصاف.. آه من الصفصاف ومن أ.ع حجازي:

وصفصافه

علي شبَاكك الحرّان هفهافه

وكنت بحافة المخدع

تردين انبثاقة نهدك المترع

وراء الثوب.

وشاعر آخر:

مالت علي الماء الغصون كما انحنت

أمّ تعانق طفلها المحبوبا

والأحجار، حتي الأحجار

" صخرتان تحابتا فغار الماء " - رينيه شار.

أنا واحد من هذه الكائنات الشاعرة. وأتذكر الآن يحيي الطاهر عبد الله وإهداءه لي نسخة من مجموعته المعنونة ( حكايات للأمير حتي ينام ) إلي ابن الشرقية البار.. وسيفها البتارر.. الشاعر الجبّار أحمد بك والي.

كان الشعر عشقي فكنت أنسخ وأنا في المرحلة الثانوية بخط يدي دواوين كاملة أستعيرها من دار الكتب بالزقازيق لأنني غير قادر علي ثمن شرائها، فنسخت دواوين للأخطل الصغير وإبراهيم ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل والشابي وجبران وصلاح عبد الصبور ونزار قباني والعظيم محمود درويش . . فلما التحقت بطب القاهرة قادتني قدماي لقريب لي يسكن إحدي حارات السيدة زينب وكان معي جنيهات ثلاثة كي أشتري حذاءً شعبيًا بعد أن فُتق الحذاء الوحيد الذي أنتعل، فوجدت أمام بابه مخزن كتب قديمة لعجوز اسمه الشيخ علي خربوش فلم أملك نفسي عندما سألته عن ديوان المتنبي شرح البرقوقي والذي يربو علي الألف صفحة فقال جنيه واحد بس، فأخذته بحضني ومعه سقط الزند للمعري وديوان امرئ القيس بجنيه آخر لكليهما، أما الجنيه الأخير فكان من نصيب البحتري.

تخيلوا بثمن حذاء فقير اشتريت دواوين لا أعدل مال الدنيا ببيت واحد فيها . . فالله الله يا أبا الطيب، إذ تخلص الفتي الغضّ من أوهام الحب وهوس الرومانسية.

وما الحب إلا غـرّة وطمـاعةٌ

يعرّض قلبٌ نفسـه فيصـاب

أعز مكان في الدنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

ذلكم هو الشعر، فما هي إذًا حكاية القصة معي ؟

أنا إنسان بسيط وابنُ إنسان بسيط وفقير كان يعمل موظفًا بسيطًا بالسكة الحديد. وكنا سبعة أبناء، اثنان بكلية الطب واثنان بالصيدلة وواحد بالآداب وأخري بالحقوق وصغير يحبو هو الآن مستشار بوزارة العدل. وكنتُ شديد الولع بفيروز وكان يقتلني الحنينُ في آخر الليل وأنا عائد من صلاة الفجر أتأمَل البدر المنير أعالي الكافور المحيط بنهر مويس الذي يطلّ عليه منزلنا القديم، أموتُ حنينًا إلي صوتها وهي تشدو بواحدة من فرائد عقد الشعر العربي، وربما تكون القصيدة الوحيدة التي كتبها بالفصحي ابن الشرقية البار والشاعر الأكثر رقة وعذوبة مرسي جميل عزيز.

لم لا أحيا وظلُ الورد يحيا في الشفاه

. . . . .

ليس سرًا يا رفيقي أن أيامي قليله

ليس سرًا إنما الأيامُ بسمات طويله

إن أردت السرَّ فاسأل عنه أزهار الخميله

عمرها يوم وتحيا اليوم حتي منتهاه

سوف أحيا-

من أين آتي بالمسجلة وليس لي قريبّ ببلاد النفط، بل أني لي أن آتي بمائة من الجنيهات وراتب أبي كان ثلاثين جنيهًا إلا قليلاً؟

وينقذني إعلان صغير في لوحة الإعلانات بكلية الطب عن مسابقة تجري بين جامعات مصر في القصة والشعر والمقال ومسرحية الفصل الواحد وقيمة الجوائز تسيل اللعاب: خمسون جنيهًا للفائز الأول وأربعون للثاني في كل فرع. ولقد كان الهاجس أن الشعر العاطفي لا يحظي بالرضا لدي شيوخ المحكمين لذا اضطررت لكتابة قصيدة وطنية حتي تليق:

سائل التاريخ واقرأ ما رواه

واسأل الميدان عما قد رآه

حرةََ عاشت بلادي، شـعبها

لقّن العالم أسـرار الحياه

من قديم الدهر شيدنا الهرم

وبه نزهو علي كـل الأمم

وحديثـًا قد بنينـا سـدّنا

بمداد الفخـر فاكتب يا قلم

وكان المقال " غزلية في عشق مصر " ودارت برأسي قصةٌ عشتها طفلاً. كانت أمي تجمع ثمر الباذنجان وأقوم بحراسة أختي وهي طفلة تحبو، فلما نامت من الهدهدة فرشت لها ثوبي في ظلة التيل حتي أحميها من نتوءات الأرض، وذهبت أجمع ثمرات نخلتنا العامرية العالية التي كان الغرابُ ينقر بلحاتها الرطب الطرَية.

ياغراب يا بو قطية

وقّعَ لي بلحة عامرية

لعملك فطيرة بزيت

وأحطها لك جنب الحيط

وبينما أنا عائد أتلذذ برحيق عسلها إذا بي لا أجد أختي حيث تركتها ولمحتُ ثوبها طافيًا في القناة، ولم يأكل الرعبُ قلبي وإنما انسحق .ورفعتها إلي حضني فشهقت فعادت الروح لقلبي المسحوق وكان همي بعد أن أطمئن فؤادي وعادت لكلينا الروح أن أجفف ثوبها حتي لا تضربني أمي.

وتاقت نفسي لأبي البعيد في سرابيوم الإسماعيلية، هناك حيث يحرك عصا التحويلة الحديدية ليمرّ قطار صفارته دائمًا حزينة لأنها تذهب للبعيد بالأحباب.

عاشت أختي ودخلت كلية الصيدلة خلف مستشفي الزقازيق الجامعي، وكلما تقابلنا صدفة عند المكتبات أو بطرقات الجامعة يحمرّ وجهها فرحًا بي ويرقص قلبي الطري الطفلُ الصغيرُ لأنها عاشت.

عندما كنتُ عائدًا أتأمل البدر المنير العالي فوق الكافور وأفكر في فيروز تذكرت مطيعة التي هي كالبدر، فكتبتُ القصة لوحاتٍ بعناوينَ جانبيةٍ ثم أسميتها "الحصاد" لكني في القصة لم أنقذ أختي من الغرق ولم أنقذ الطفل الصغير الذي هو أنا من عجلات القطار ذي الصفير الحزين.

أخذت المركز الأول علي جامعات مصر في كل من الشعر والقصة والمقال وحصلتُ علي المائة جنيه ويزيد. وهكذا اشتريت آلة التسجيل وستصبح تلك هي المرة الوحيدة تقريبًا التي أتقاضي فيها أجرًا لقاء كتابتي حتي اليوم.

كنا نقوم بعمل ندوات في كليات الجامعة وتعرفت علي الشاعر حسين علي محمد ابن ديرب نجم الذي احتفي بالقصة وزاد في مديحها وتمني أن تنجب الشرقية كتابًا آخرين بقامة يوسف إدريس.

لقد اجتهدت في المرحلة الثانوية وأنا أذوبُ توقًا لأن أدخل كلية الطب لأصبح كإبراهيم ناجي شاعر الأطلال، فإذا بي في منتصف الطريق أتخلي عنه وأحمد الله لأن إدريس كان هو الآخر طبيبًا.

كتبت القصة وبدأ الشعر يتواري، لأننا لم ننجح في علاقة حب كي نذكي نار الكتابة، وأنّي للأولاد الفقراء حبٌ حتي من الفقيرات مثلهم واللواتي يتقن إلي زميل ثري ؟؟

وهكذا استجابت القصة لمشاكلنا الاجتماعية فكتبت بعد الحصاد، موسم الفقراء، وأيام العائلة الكبيرة، واللباس التحتاني، وزمن الحرب، وقطار جميل أخرس !

وجاءت الأستاذة فريدة النقاش في إحدي ندوات التجمع بالزقازيق فأعطيتها في نهاية الندوة وعلي استحياء القصص الثلاث الأولي فنشرت إحداها بأدب ونقد وأرسلت في طلبي إذ كانت إحدي صفحات " أيام العائلة الكبيرة " قد ضاعت وتريد أن تنشرها في العدد القادم، وتلك كانت المكافأة الثانية، وهكذا أصبحت مجلة أدب ونقد وبعدها " إبداع " الدكتور عبد القادر القط بيتي الذي أشعر فيه بالونس.

تخرجت وعملت في بلدتي طبيبًا وأصبحت مقلا بعد أن شغلتني العيادة قليلاً، ولأنني بحكم انتمائي الطبقي لا أميل إلي أجهزة الحكومة ولا أثق فيها أصدرت مجموعتي الأولي "ثلاث شمعات للنهر" عام 1988علي حسابي الخاص وبدأت أخسرُ من جرّاء الأدب لكنني كنتُ أكسبُ نفسي، وكان في الدنيا بقية من خير فاحتفي بعض النقاد (رغم بعُدي عن القاهرة) بالعمل وكتبوا عنه. وفي منتصف التسعينات كانت قد اكتملت لدي من القصص المنشورة مجموعة أخري أسميتها "كائنات فائضة عن الحاجة" وحاولت أن أنشرها في هيئة قصور الثقافة إذ أصبح النشر الخاص مكلفًا والتوزيع غدا بالغ الصعوبة، ولم لا وأنا أري كتابات غثّة ورديئة في سلاسل شاحبة لا تصنع كاتبًا ولا تشجعُ قارئًا.. ونزل اسمي في ترويسة آخر كتاب بالسلسلة العمل القادم "كائنات فائضة عن الحاجة" لكنها لم تنزل لأنني ببساطة بعيدٌ عن التربيطات والشلل والعنكبوت الذي كبّل الحياة الثقافية، وكانت جريرتي ليس البُعد فقط ولكن نفوري الشديد من الرياء وإطراء المشرفين.

كنا معزومين أنا وشقيقي الأكبر الدكتور بركات في فرح زميل له بإحدي قري ديرب نجم تدعي المناحريت وكانت ليلة الحناء ، جلس العريس في منتصف المندرة علي حصر السمار وحوله الأقرباء والأصدقاء وباقي المعازيم يسندون ظهورهم علي مساند الكنب العديدة التي يتطوع بها الجيران مع حصائر السمار، وفي منتصف المندرة صينية كبيرة مملوءة بالحناء ومغروس فيها الشموع التي ملأت جوانب المندرة بالأضواء المتراقصة مع أضواء الكلوبات المتبرع بها أيضا من دكاكين القرية. وبديهي أن من يقوم بجمع الحصر والمساند والكلوبات وشراء الحناء والقيام بخضب أكف العريس وقدميه وكذا من يحب من أصحابه والأقرباء هو حلاق القرية … وبجوار صينية الحناء توجد صينية أخري يلقي فيها النقوط من العملات الفضية البراقة قبل أن تختفي فتأخذ مكانها العملة القصدير وينتشر الورق ، ويكون النقوط هو مكافأة الحلاق علي رعايته العريس منذ الصغر بدءاً بالعلاج والختان وانتهاء بحلقة وزيانة العريس.

في ليلة الحناء هذه تتعب أكف الذين لم يتخضبوا في التصفيق وتتعب أقدام بعضهم من الدبدبة والرقص علي نقر الدرابك والدفوف، توشيها زغاريد النسوة في الغرف المجاورة وهن يطبخن الأرز باللبن والمهلبية ومشاريب القرفة فيتحلب ريق الراقصين والمصفقين من بخارها المضمخ برائحة الفانيليا وماء الورد ، وبين لحظات الراحة من الرقص والتصفيق وأثناء تناول شراب القرفة الدافئ والأرز باللبن ينطلق عقال النكات والحكايا فتعلو الضحكات وتفرقع القهقهات ، والنسوة هن الأخريات يتوقعن ما يدور بغرفة العريس فلابد أن الحضور دخلوا في القصص الجنسية لذا أثناء نقل الاكواب والأطباق تتصنت بعض النسوة خصوصاً المتزوجات قبل أن ينقرن خفيفاً علي باب المندرة عسي أن تلتقط آذانهن بعضاً مما يدور من حواديت الشباب لتعود هي الأخري فتحكي في غرف الحريم طرفاً مما دار وما استطاعت أذناها اللاقطة أن تقتنص.

في ليالي الاعراس يمسي اختلاط الرجال بالنساء مباحاً دون أن يلجأن إلي مداراة أفواههن بطرف طرحتهن أثناء الحديث دلالة الخفر والحياء ويسمح الرجال ببعض المرح والخروج عن بعض التقاليد والعادات دون أن يتعدي ذلك الاختلاط حدود الكلام حتي وإن شابه بعض التلميح لما هو قبيح... لتعود الحياة بعد الفرح سيرتها الاولي من الانفصال والحديث خلف الحجب من أبواب أو طرحات سود لمداراة الوشوش .

عجبت ليلتها حين حكيت واقعة تخص جارا لنا كان يتنصت علي رجل يأتي زوجته في غرفة مطلة علي الشارع وقد فتح ضلفتي الشيش ليخفف من احترار بؤونة اللزج ، ومن شدة اندماج المتنصت انزلقت رأسه بين أعواد الحديد التي تسيج الشباك .... فلما انتهي الرجل من جماعه لمح ظل الرأس يتحرك علي الحائط ومن ارتباك المتصنت لم يستطيع تخليص رأسه ، فما كان من صاحب البيت الا أن رفع بلغته ونزل علي رأس المتنصت حتي تورم صدغاه ثم انتبه لزوجه ولنفسه فأمرها بأن ترتدي لباسها وارتدي هو الآخر لباسه وأكمل الضرب الذي التم علي إثره رجال ونسوة الحارة من جعير المضروب .

فرقع العريس بالضحك وغرق الحاضرون في الكركعات وانسل واحد من الحضور فلعلعت الضحكات أكثر حتي أوجعتهم بطونهم ومسحوا دموعهم بالاكمام والكراسيع لأنهم يقبضون علي الحناء ...

كانت دهشتي أن الذي انسل من الجلسة غاضباً قد أكل في صدر شبابه علقة علي. صدغيه عندما انحسرت رأسه في الحديد هو الآخر وحسب أن أحدهم أوعز لي أنا الغريب عن قريتهم البعيدة عن بلدي حتي ألفق الحكاية فأحكيها عن جار لنا لأكيد له. عجبت من تكرار الحدث ليزداد بعد ذلك عجبي عندما ذهبت الي لبنان لمراجعة كتاب " المتننصتون " وكذا توقيع العقد ، إذ حكي لي الاستاذ رياض الريس أمد الله في عمره وكان وقتها قد تجاوز السبعين أن جده كان يحكي وقائع التنصت هذه لأصحابه وهم جلوس حول مدافئ الشتاء دون أن يأبهوا بالاطفال ولا بذاكرتهم الواعية ، واستغرب عندما سمع من بعض أصدقائه في أمريكا اللاتينية قصصاً عن التنصت شبيهة بما كتبت عما يحدث في قري مصر ونجوعها وما سمع من أحاديث جده ، كان ذلك أيام بيوت اللبن الطينية التي من دور واحد قبل أن ترتفع العمائر الحجرية من القرميد الأحمر في الريف لتختفي معها قصص المتنصتين .

كنا في سكن الأطباء بالمستشفي العام نحكي ونحن نسترجع الزمن الجميل فنقوم بعمل الارز باللبن والمهلبية وننخرط في النكات والقصص التي تغلفها القفشات الجنسية فجاءت قصص التنصت علي رأس الحكايات فاندهش عصمت النمر من روعة الحكي " لماذا لا تكتب هذه القصص ؟" فقلت سوف تفقد معناها إذا رفعت منها الالفاظ الخادشة وأي ناشر ذاك الذي يجرؤ علي نشر هاته القصص بعبلها وألفاظها الحوشية الوحشية ؟ قال اكتب وبعدها فكر في المخرج... وكنت أيامها خارجاً من أزمة نشر " كائنات فائضة عن الحاجة " فكتبت لأثار لذاتي من المؤسسة ولأثبت جدارتي وموهبتي !

وكتبتُ قصص التنصت بألفاظها الحوشية الخارجة وأسماء الأعضاء الحسية بمسمياتها كما هي في معجم أهل الشارع لا معاجم اللغة حتي لا أقطع الاسترسال عن نفسي وأنا أبدل وأغيرّ لتحتفظ الحكاياتُ بدفئها، وفي النهاية من الممكن أن نستبدل ونغيّر. وخلال أسبوعين لا أكثر كنتُ قد كتبت قصص " المتنصتون " وكأنما أمتحُ من بئر يفيض. وأسقط في يدي، لو تم تبديل الألفاظ لوقع العمل، وهكذا انتظرنا معرض الكتاب عام 1998وأعطينا المسودة لمدير التوزيع بدار رياض الريس. وكان معي نسخة مصورة من " كائنات فائضة عن الحاجة " طلبها المشرف علي سلسلة تصدر في اتحاد الكتاب وقابلنا بالمعرض صدفة وألحّ علي عصمت أن أعطيها له فرفضتُ لأنه تجاهل الموضوع، وما كان قد انقضي سوي أسبوع بعد طلبه المجموعة ( أهو ماركيز حتي ينسي من هم مثلي؟ أم تراه يريدني أن أفرك اليدين وأتوسل ثم أمتدح كتابته وبعد ذلك أعطيه القصص؟) وعدتُ من فوري إلي جناح رياض الريس وأعطيته المجموعة ليس من أجل النشر بل من أجل أن يتحمس لكتاب "المتنصتون " فلا يعتقدنّ أنه بيضةُ الديك. وكان فيما فعلتُ الإنقاذ إذ لم يمض سوي شهر علي انتهاء المعرض حتي تلقيتُ هاتفًا من بيروت يفيد بأنهم موافقون علي النشر بشرط أن يقوموا بضم الكتابين في كتاب واحد لأنهم ملتزمون بحجم وصفحات معينة وثانيًا حتي يفوتوا الفرصة علي الرقيب، وهكذا خرجت القصص متداخلة متشابكة رغم اختلاف الموضوعات، لكنني رحبتُ بذلك الإجراء حتي أحوز اعترافًا جاء من عاصمة النشر بعد أن دعّني بلدي.

وأشهدُ أن صدور الكتاب من هذه الدار أعاد لي ثقتي خصوصاً بعد محادثة هاتفية من لبنان أخبرني فيها الصديق محمد الجعيد مدير التوزيع برياض الريس أن كتاب المتنصتون قد تم الاحتفاء به في صحافة لبنان وأنه قد أرسل بالبريد علي عنواني صوراً ضوئية من بعض المقالات وتمني أن أكون علي معرض القاهرة القادم قد أنجزت رواية أخري فتمنيت أنا الآخر أن يتحقق ذلك إن شاء الله .

كان ذلك التمني محفزاً لي علي الكتابة وأنا أتململ وأتنقل بين الموضوعات والحكايات وقتها ، كنت مشغولاً بعائلة في بلدتنا مشهورة بالفشر والنخع وتحتكر في الوقت ذاته رياضة رفع الاثقال... كانوا يلقبون أنفسهم عائلة الأبطال .

وحواديت فشرهم تحتاج إلي جاحظ آخر يتتبع حكاياتهم وعوراتهم ....

في إحدي أماسي الشتاء كنت ساهراً مع صديق لي يقيم في فرنسا وقد جاء في أجازة نصف العام ومعه زوجه الفرنسية لتري الأهرام والنيل فأصابها رمد تورمت علي إثره عيناها فقررت العودة الي بلدها للعلاج خشية أن تصبح مثل "تاها هسين" ولم تشأ أن تأخذ معها زوجها حتي لا تفسد عليه متعة البقاء مع والديه الشيخين وهكذا أمضي معنا الاجازة دون الأهرام والآثار ، وقبيل الفجر بقليل سمعنا خبطاً عنيفاً علي الباب فقام المضيف يفتح ثم عاد سريعاً " الأسطي عبد الودود عايز الدكتور أحمد " فخرجت اليه حاسباً أن أحداً من أهله أو جيرانه بحاجة إلي إسعاف وكان قد نزل فهرولت خلفه فإذا به يستعجلني آمراً " أركب ورايا بسرعة "وكنت أخشي ركوب الموتوسيكلات لأني أثناء فترة الخدمة في الريف وأثناء ركوبي خلف أحد الذين استدعوني لإسعاف أمه وكان وحيدها وقعنا في المصرف وهكذا انكسر ذراعي ولم نسعف أمه فماتت !

ليلتها حلمت أمي أنني أغوص في الوحل وتناديني فلا أرد عليها دون أن ترقأ دموعي الهاطلة علي الصدغين فأيقظت أبي وأجبرته علي أن يذهب الي بوحدتي الصحية ليطمأن علي سلامتي"

- أروح فين دلوقتي يا ولية واحنا الفجر وأسافر أزاي ؟

- اتصرف يا حاج محمود ابني ضروري فيه حاجة ، قلب الام مش بيخيب.

- يا ولية دا حلم ... تكونيش فاكرة روحك من الاوليا !

لكنه طبعاً رضخ وجاء للوحدة فأخبره العامل النوبتجي أنني بمستشفي الجامعة .

حرنت في الركوب وقلت للاسطي سأتبعك لكنه نهرني " بسرعة مفيش وقت أبوك بيتقطع من الوجع "

كان أبي ليلتها نوبتجيا في بلوك السكة الحديد فأصابه المغص الكلوي الحاد وليس بمقدوره أن يطلب عربة الاسعاف ولا أن يترك البلوك وقطار الصهاريج علي وصول.

" بالصدفة كنت بأوصل محمد ابني المحطة علشان يروح الجيش فسمعت المنازعة والآهات جاية من فوق خدت سلالم البلوك في فشقة لقيته بيتقلب علي الارض الحقني يا عبد الودود شوف حد من اولادي يلحقني بحقنه لحد ما النهار يطلع وييجي البديل يستلم البلوك ، رحت للدكتور بركات قالوا عند حماته في كفر صقر ، لفيِت عليك البلد حارة حارة ودار دار لحد لما واحد ابن حلال قال أنا شايفه مع شلة من أصحابه داخلين العمارة دي يا اسطي ، قلت يبقي عند المهندس جوز الخواجاية ما أني عارفه ،أبوه صاحبي "

كان يحكي وأنا لا أستطيع أن التقط الا النزر اليسير مما تنثره رياح الشتاء الباردة من ألفاظ ، ناسياً خوفي ورهابي من الالات البخارية حتي وصلنا .... ولم يتركنا وأصر أن يذهب لشراء الحقن ويطمئن علي صديقه وجاره وصاحب عمره " أروح أيه يا جدع دا محمود إن كان أبوك فهو حتة مني ، داحنا فارزين مع بعض في الجهادية وإنشاء لله مش هيفرقنا عن بعض الا الحق" مشيراً للسماء ومكنياً عن الموت حتي لا يذكره صراحة فلا يكون فأل سوء، هكذا كان مع كل أهل البلد ... كان الاستثناء في عائلة الابطال .

في أواخر أيامه كان ابنه سانداً له وهما يمران علي الشوارع والحارات والدكاكين ليشبع من البلد والناس قبل رحيله وقد أحس بدنو الأجل ، وكنت في بقالة عبد العزيز ابن عمي فدخل وسلم وأخذني في حضنه " يا غالي يا ابن الغالي ....اتوصي بأبوك وسلم لي عليه إن مش حصل نصيب وشفته ....حطه في عنيك أنت وأخوتك... محمود استحمل كتير لحد ما وصلكوا لبر الامان وأعلا المناصب " وصدق حدسه فمات بعد أيام !

كان مغرباً كابياً ملفعاً بغبار الخماسين وكانت مضيفة المركز بها عزاء رجل مهم يعمل أبناؤه في مناصب حساسة ولم يسر خلف جنازته بالنهار الا نفرٌ قليل لانهم لا يعزون أحداً وليس عندهم واجب فاستدعوا الطبلاوي لكي يقرأ في المضيفة وكان أيامها موضة ويأخذ الف جنيه في الليلة أيام كان الجنيه جنيه بصحيح ، ذهب الناس ليس للعزاء ولكن ليسمعوا مقرئ التليفزيون ، وتحول المكان المحيط بالمضيفة الي ما يشبه المولد ... باعة السوداني والحلبة والترمس واللب ... لم يكن ينقص الا السيرك والغوازي ليصبح مولداً بصحيح... فضاع وقار العزاء واكتمل ضياع الهيبة والوقار لما انطلقت ميكروفونات الجوامع ناعية الاسطي عبد الودود فخرج القليل الذي كان بداخل المضيفة غير مصدقين وانطلق الخلق الي داره لتسير البلد بكاملها خلف نعشه .

وفي رحلة العودة من المقابر وحتي الهزيع الاخير من الليل كان كل واحد يعزي نفسه ويحكي عن الأسطي مكرمة أو طرفة أو حكاية!

تذكرت صنيعه معي منذ سنوات ليلة أصابت حصوة الحالب أبي - أمد الله في عمره -بالمغص الكلوي فراح تململ حصان الكتابة وقررت أن يكون الاسطي موضوع روايتي التي تمناها صديقي اللبناني .

كتبت عنه وعن متولي أخيه وعائلة المعاملي الأبطال الفشارين المزاعين خفيفي الظل ، وكان لابد أن اكتب عن أصدقاء الاسطي وجيرانه في شارع البحر : عبد الرحمن أبو فول والشبراوي والشيخ عبد العزيز سلامة وما جري لزوجه ليلة الدخلة ودخولها المستشفي بين الحياة والموت لانها لم تحتمل آلته العجيبة ، وكذا عن المرحوم فارس فريح الكادر الإخواني الذي اغتالت الجماعة ابنه عبد الغفار لظنهم أنه وشي بهم لدي الزعيم ناصر فأطلقت الحكومة سراحه دونهم !

كان الأسطي محباً لوطنه ولعبد الناصر وطه حسين ولم يك محباً للسادات ولا من خلفه. وظني أنه ومن هم علي شاكلته يطيلون عمر هذا الوطن بإخلاصهم وتفانيهم من أجله دون أن يملكوا فيه شروي نقير فكتبت عنه وعنهم في جغرافيا لا تتعدي شارع البحر الذي أسكنه معهم لكني أزعم أنني ربما لمست بعضاً من أفراح وجراح الوطن الكبير وأنا أحكي عنهم !

وبدأت أكتب الحكايات التي أتلوها من الذاكرة علي أصحابي فكانت "حكايات شارع البحر" وانتهيت من كتابة مسوداتها أواخر 2002ودخلت الأمة العربية والعالم أجمع أزمة العراق في مجلس الأمن الذي اكتسحت شرعيته جحافل المغول الجُدد عام 2003 وفي التاسع من أبريل انسحق فؤاد الطفل الصغير الذي غرقت أخته وهو لاهٍ وكنت حسبته قد برئ . . فواها لما جري لك يا عراق السيّاب وواها لما جري لك يا بغداد الرشيد.

أشرفتُ علي حالةٍ أشبه بالجنون من شدة العجز والضعف والهوان . . وما كان أمامي سوي أن أبيّض مسودات الحكايات لأتناسي قليلاً ما جري لبلاد الألف ليلة، وأتناسي عذابات شهرزاد.

وأعطيتُ المخطوط لرياض الريس في معرض 2004 وبعد شهر اعتذروا . وكان السبب أن الألفاظ هنا أكثر من التي وردت في " المتنصتون " الذي منع في معظم البلاد العربية (التقدمية منها والتأخرية) فيا ليتك تعيدُ النظر في بعض الألفاظ. لكنني فشلت !

ونصحتني الكاتبة والزميلة الدكتورة عزة رشاد أن أنشرها علي حسابي في دار نشر جريئة لتتكرر الأزمة بعد عام من الانتظار، وكانت حجة الناشر في التعطيل أن رسام الأغلفة قد رفض لأن بها الكثير مما يخدش الحياء.

هل أصرخ شاتمًا لاعنًا كشاعر العراق الحزين مظفر النوّاب بعد نكسة 1967:

أعترف الآن بأني مبتذل وبذيء

وحزين كهزيمتكم

يا حكامًا مهزومين ويا شعبًا مهزومًا

ما أوسخنا ما أوسخنا

ونكابر ما أوسخنا

لا أستثني أحدًا

ما أوسخ كل الأشياء.

يا حضرات الخجْلي.. أو بعد سقوط بغداد بقيت ذرةُ حياء أو حمرةُ خجل؟

تأزم الموقف وطلبت الثلاثة آلاف جنيه التي دفعتُها فماطل بدعوي أنه متحمس لنشر العمل شريطة أن أقوم بتغيير الألفاظ المسيئة المشينة وطلب وساطة الصديق العزيز والشاعر الرقيق عصمت النمر فوافقتُ علي الفور ليقيني أنه لن يوافق علي الحذف.

وهكذا جلس عصمت أمام الكمبيوتر وكنتُ قد أعطيته ثبتًا بالألفاظ التي اعترض عليها الناشران فلم تطاوعه أصابعه إلا بتبديل أربعة ألفاظ من أصل أربعين، أضاع بعض الوقت في التدخين وشرب القهوة ثم خرج علي الناشر " خلاص يا عم. . كله تمام " فأُعطي أمرُ الطبع في الحال.. وهكذا خرجت " شارع البحر " للنور بعد ثلاث سنوات من كتابتها.. ولقد تم تعتيم غريبٌ عليها من الجميع فلم يُنشر عنها خبر ولم يذكرها أحدٌ بسوءٍ حتي خشية أن يعرفها الناس. أستثني مقالين عظيمين للصديق الدكتور رشدي يوسف بأخبار الأدب تحت عنوان " تفجير قدسية اللغة " والثاني في جريدة المصري اليوم بعنوان " في الأدب المصري الجديد.. أحمد والي.. الكتابة علي اتساع الصفحة " للناقد الكبير النزيه فاروق عبد القادر الذي تتلمذنا مثل كثيرين علي يديه إلا أنني لم أكن قد التقيته من قبل!

تم التعتيم لأنني لا أملك صحفة بجريدة ولا برنامجًا بقناة، ومع هذا فقد قرأ الكثيرون روايتي واحتفوا بها فتلقيت مكالمات تهنئة من أساتذة عديدين من مصر والقدس وزغرب وأمريكا، وأقمنا لها ندوة بالأتيليه عرفت خلالها أصدقاء مبدعين أعتز للآن بهم وأدلي الكاتب الجميل سعيد الكفراوي بشهادة أحسن من عشرات المقالات وهمس في أذني"لو كنت ستبيت الليلة بالقاهرة فاذهب من فورك باكرًا إلي مؤسسة ساويرس بالزمالك وقدم لهم خمس نسخ. فالغد هو الموعد الأخير في مسابقة الرواية " فترددت لكنه شجّعني.. " أنا متأكد أنها ستكسب ثم إنك إن لم تفز فستكون قد كسبت نقادًا قرأوا " وعملت بنصيحته ثم نسيت الموضوع حتي أعلنت النتيجة وفازت رواية أخري لكنني تلقيت اتصالاً هاتفيًا علي عيادتي من الأستاذة العزيزة فريدة النقاش تؤكد فيها أنها فرحت بالرواية كثيرًا وأنها والأستاذ فاروق عبد القادر أعطياني أعلي الدرجات وكانت واثقة من فوزي إلا أن العضوين الأكاديميين قد وقفا ضدها بدعوي أن الألفاظ الخشنة ربما أطلقت الألسنة علي المؤسسة وصاحبها فلم يجيزاها.

وكانت هذه المكالمة من الأستاذة التي نشرت لي أول قصة دون أن تعرفني هي الجائزة !

وهكذا خلوت لنفسي من جديد لأكتب العمل التالي. وفي تلك الأثناء تم ضبط عصابة تسرق الجثث من المقابر الجديدة ببلدتنا. فعادت ذاكرتي لحادث قديم أوائل السبعينات حيث أقنع جارٌ لنا بطب الإسكندرية حانوتي البلدة أن يسرق له جثة يدرس عليها وبعد ذلك يعيدها إليه لدفنها وله علي ذلك أجر يُجري اللعاب وكان معوزًا وأبا بنات فوافق بعد تردد إلا أنه وقع في يد العسس قبض عليه ومات في المحبس قبل أن يصدر عليه حكم فاستلهمت من الحادثين روايتي " ديار الآخرة " عن سماسرة الأراضي ومتاجري المقابر والجثث وحكايات عن موتي رحلوا وموتي علي قيد الحياة بديار الدنيا.

ولبثت بضع أسابيع لعلني أبدّل أو أحذف أو أضيف. ثم جاءت حرب تموز علي لبنان فجلسنا أمام شاشات الجزيرة والمنار ولم أتذكر العمل إلا في نشوة الانتصار فقمت بتبييض المسودات وقلت فلتصدر من الدار التي نشرت أختها " شارع البحر " فلم ألق إلا التعطيل والتسويف عساني أضيق ذرعًا ويعال صبري فأدفع بالذي هو أحسن من الكتابة والكتّاب ألا وهو الجنيه أو الدولار إن وُجد. لكنني أبيْت الدفع لأنني ضحيت في الأولي من أجل أن تخرج الرواية كما أردت لها. أما هذه فلن.

وبعد ما يزيد علي العامين اضطررت إلي سحب العمل وقدمته إلي ناشر آخر مبدعٍ يعرف قيمة الكتابة، وهأنذا بانتظار الوليد الجديد.

ولا زال في جعبتي من الحكايات بقية إن كان في العمر بقية.





كتب مؤتمر أدباء مصر لدورتة الثالثة والعشرين فى مرسى مطروح بعنوان "أسئلة السرد الجديد" وفى البانر الخاص بالمدونة توجد لينكات الكتب و بالضغط على صوره الغلاف تحمل الكتاب



أعلنت بعض المصادر الصحفية أمس عن قيام د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة بإجراء تحقيق موسع حول ما أشيع في أروقة المؤتمر العام لأدباء مصر في الأقاليم، والمنعقد حالياً في مرسى مطروح عن تسريب ورقة أسئلة السرد الجديد وإجاباتها النموذجية إلى الباحثين قبل انعقاد جلساتهم البحثية.

وقد صرح أحد أعضاء الأمانة العامة للمؤتمر –رفض ذكر اسمه- أنه قد تم ضبط عدد من الباحثين وفي حوزتهم ورقة الأسئلة وإجاباتها النموذجية أثناء دخولهم إلى قاعة البحث، وبسؤالهم أتضح أنها وصلتهم عن طريق أشخاص لهم صلات قوية ببعض أعضاء لجنة الأبحاث الذين قاموا بوضع الأسئلة، وقد تردد من بينهم اسم د. مصطفى الضبع رئيس اللجنة.

سيد الوكيل أمين عام المؤتمر نفى صحة ما تردد وقال أن البعض يحاول إثارة البلبلة في المؤتمر لإفساد "الطبخة" الجميلة التي تعبت الأمانة في إعدادها على مدى أكثر من ثمانية أشهر.

وأعرب الوكيل عن أسفه أن تصدر مثل هذه الادعاءات في هذا التوقيت بالذات مشيراً إلى أنه كان على وشك الحصول على جائزة التفوق التي تمنحها الهيئة لأول مرة في تاريخها لأفضل أمين عام.. كما أكد الوكيل في نهاية كلمته التي ألقاها في مؤتمر عقده خصيصاً مع الصحفيين المرافقين للمؤتمر أنه لن يتراجع عن نهجه الإصلاحي الذي بدأه هذا العام، وأنه ماض في تنفيذ خطة أمانته لاستعادة دولة السرد، حتى ولو كلفه ذلك منصبه.

ومن جهته أكد د. مصطفى الضبع رئيس لجنة الأبحاث أن ما تردد عار تماماً من الصحة، مؤكداً أن ورقة أسئلة السرد الجديد وإجاباتها النموذجية التي وضعتها اللجنة، مازالت في الخزانة الخاصة بالمؤتمر.

وفي لقاء تليفزيوني عقدته إحدى الفضائيات الإخبارية مع أشرف عطية أحد أبرز أعضاء لجنة الأبحاث والأمين المساعد للأمين العام.. صرح عطية أنه أشرف بنفسه على وضع أسئلة السرد الجديد، وأنه قد راعى فيها أن تكون على مستوى الباحث العادي، بما يؤكد –حسب قوله- عدم وجود حاجة إلى تسريبها.

د. أحمد مجاهد علق متعجباً مما تناقلته المصادر مؤكداً إلى أنه لا يمكن بحال تسريب أسئلة السرد الجديد، "لأن كل باحث بييجي وجايب أسئلته معاه"َ...

سرد جديد أهه!

محمود الحلواني


اليوم الثانى كان من أهم أيام المؤتمر والمائده المستديره التى كان ينتظرها كل المشاركين فى المؤتمر حظت بأهتمام مرعب، وعلى صغر القاعة كان أهم الشخصيات تحرص على الحضور للمناقشة وليس فقط للأستماع الى الشباب الجديد ورؤاهم ، على رأسهم حضر الدكتور أحمد مجاهد وألقى بمداخلة قويه وصغيره ولكنه كتب ملاحظات فيما يقرب من أربع صفحات. أجمع أيضا معظم النقاد أنهم أستفادوا من وجهات النظر المطروحه وأنهم سيستخدموها فى أطروحاتهم القادمة. أدار الجلسة بأقتدار الدكتور سعيد الوكيل، فيما غاب أحمد عزت وبالطبع نائل الطوخى على الرغم من وجود شهادتهم داخل كتاب الشهادات. هناك ملحوظة أخرى أن الادباء الشباب داخل المائدة أبدوا تنويه أن كلماتهم داخل الكتاب لا تعبر بشكل كامل عما ما يريدون قوله فقد ألتزموا بعدد معين من الكلمات، ولهذا فهم الاجدر ،على هذة المدونة، فى التكلم بشكل أوسع عن المائدة المستديرة . وقريبا سيتم تنظيم مائدة مستديرة فى القاهرة على هامش مؤتمر "أسئلة السرد الجديد" و بالاضافة الى ندوه أخرى لمناقشة الورقة التى وزعها أ/ سيد الوكيل بصفتة ناقد صاحب رؤية إبداعية و نقدية بعنوان " سرد بلا ضفاف" . أشار الاستاذ سيد الوكيل الى أهمية هذة الجلسة فى التعامل مع رؤى الشباب مباشرة دون الحديث عن غائب أسمه كتابة الشباب الجديدة كما لاحظ أن الاوراق المقدمة تنصب على القراءة الثقافية للمنتج الادبى
وأهدى الأستاذ سيد الوكيل أمين عام المؤتمر فى تقديمة الجلسة الى روح الكتاب الراحلين محمد حسين بكر ومحمد ربيع ونعمات البحيرى وخيرى عبد الجواد، الطريف أن حمدى أبو جليل طلب أضافه أسامه الديناصورى لأسماء الراحلين.
الان فى اليوم الثالث والاخير ستقام الجلسة البحثية الاخيرة و ختام المؤتمر مع التوصيات، ونراكم فى القاهرة بأذن الله



أما محمد عبد النبى فى مداخلته فقد أكد أنه لا توجد لدية أفكار مسبقة أو نتائج نهائية حول موضوع السرد الراهنة: كالانتاج والتلقى والصحافة والنشر، وتحويل الكتابة الى سلعه استهلاكية زائلة، وتهميش الانواع الادبية لصالح الرواية وتأثر الكتاب بذلك، ودور الصحافة الثقافية فى ذلك، ومدى ما حققته تجربة التدوين فى الحياة الادبية والثقافية.

وقدم الروائي طـارق إمـام ورقة عمل بعنوان "أسئلة الرواية الجديدة" قال فيها إن أسئلة كثيرة تدور حول السرد الجديد، رغم أن السؤال الأهم ـ في ظني ـ هو السرد الجديد نفسه. ما مواصفاته؟ ما أبرز نماذجه؟ ما الشروط المفارقة التي أسسها لتدشين جمالياته؟ ناهيك عن سؤال جوهري: هل هناك سرد جديد في مصر حقاً؟.

وأضاف : أعتقد أن من الأنسب الحديث عن "المناخ الجديد" الذي تشــهده الحيـــاة الثقافيــة، والذي يمكن تحديد قوامه بشكل

أوضح: دخول المدونات ساحة الأدب، تكاثر عدد دور النشر المهتمة بالأدب بالتزامن مع تزايد أعداد المكتبات بشكل ملفت، بروز قيم تسويقية لم نعهدها كحفلات التوقيع وإحصاءات الروايات الأكثر مبيعاًbest sellers ، انسحاب سلطة التقييم من بين يدي النقاد تدريجيا إلي أيدي القراء وهو تحول من السلطة الجمالية إلي السلطة الشرائية، وغيرها. هذه التفاصيل الجديدة تبدو قابلة للمقاربة في "جدتها" أكثر مما يمكن مقاربة الروايات الجديدة نفسها في "جدتها".. حيث لا زلت مصراً أن الروايات الجديدة في مصر لا تشكل تيارا جماليا مستقلا، ولا تحفل بقطيعة ملحوظة مع الأعمال السابقة عليها، ولم تظهر كتيار، مثلما هو الحال مع تيارات مجددة أخري كتيار الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية و الرواية الجديدة في فرنسا، ومن قبلها تيارات كالواقعية الاشتراكية و تيار الوعي و غيرها.

وتساءل عمر شـهريار في ورقته "الأنترنت: ساحة للتعبير عن الذات" : هل نمارس هذا السرد الإلكتروني وفق مواضعاته هو أم وفق تصوراتنا القديمة ؟ وبمعني آخر هل استطعنا أن ننجز جدة في الوعي تتساوق مع هذا الفضاء المغاير ؟ وقال : في ظني أننا _ حتي هذه اللحظة _لم نصل إلي الوعي الجديد الذي نبتغيه، فالمسألة _في تقديري _ أشبه بكوننا نرتدي ملابس جديدة علي جسد متسخ ...!نعم، لم يزل وعينا يدور في أفلاكه التقليدية القديمة، فأصبحنا نمارس معاركنا وصراعاتنا القديمة ذاتها، وبالوعي القديم ذاته، وإن اختلف الفضاء الذي نمارس فيه هذه المعارك.

وتحدثت مني الشيمي عن "السرد التدويني من.. ،وإلي.." عن النشر الإلكتروني حيث أكدت أنه ساعد علي اختراق التابوهات وظهور جدد علي الساحة، لم يكن تنحيهم عن الساحة الثقافية يعني عدم وجودهم، بل كان يعني عدم تسليط الضوء علي ما يكتبونه، وجدوا في النشر الإلكتروني ساحة واسعة، دون الحاجة إلي وسيط لتوصيل كتاباتهم.

وأشارت الكاتبة هويدا صالح متسائلة في ورقتها "الكتابة التدوينية" : هل التجديد الذي يتغني به البعض الآن هو وليد اللحظة الراهنة؟ ألم يسبق بإرهاصات عديدة فيما سُمي برواية التسعينات التي مهدت الطريق أمام هذه الطفرة الواضحة في طرائق السرد ؟

وهل يقبل المشهد السردي ذلك التعدد البين والواضح في طرائق السرد حتي أننا نجد روايات وقالت : سميت روايات تجاوزا ولكنها تبعد كل البعد عن مفهوم الرواية الأوربية بحبكتها وحدثها وزمانها المتنامي، نجد تلك الروايات تقف جنبا إلي جنب مع روايات تعتمد وحدة الحدث وتناميه ،روايات كلاسية الطابع تماما، وبجانب ذلك نجد روايات بنت الخيال التام والأسطورة، ونجد روايات تفيد من تقنيات السينما والميديا الجديدة، كل ذلك في تجاور وتنوع مدهش يستحق التأمل فيه عن كثب في جلسات مؤتمر كهذا.

النقطة الأخري التي أود التحدث فيها هي عن التدوين علي شبكة الإنترنت، وما هو السيناريو المتخيل لهذا الرافد السردي الهام، كيف يمكن أن يغير التدوين من خريطة المشهد السردي؟

وهل ما يكتب في بعض التدوينات الشهيرة مثل الكنبة الحمرة وذرياب ووسع خيالك وأرز باللبن لشخصين وعايزة أتجوز إلي آخر هذه التدوينات، هل هذا أدب تفاعلي أم هو أدب تشاعبي ؟

وحين تتحول هذه الكتابة التدوينية إلي كتابة ورقية يضمها كتاب كما حدث مع عايزة أتجوز والرقصة دي وأرز بلبن ألا يسجن هذا الكتاب ذلك الأدب التدويني بين دفتيه، وينفي عنه صفة التفاعلية ؟

كذلك ما أود مناقشته هو دور المؤسسات الصحفية، أو ما يسمي بالصحافة الأدبية في قيادة المشهد السردي والتأثير فيه، حين يحل الصحفي محل الناقد الذي يقرأ ويتأمل ذلك المشهد ؟

كذلك ما دور النشر الخاص في التأصيل لتيار معين في الكتابة ونفي ما سواه من تيارات كتابية أخري، وعدم الإيمان بفكرة التعددية ؟

كذلك أود الحديث عن فكرة الوكيل الأدبي، وصناعة النجم، وفكرة الأكثر مبيعا، وتأثير كل ذلك علي سيادة تيار أو اتجاه في الكتابة بعينه دون سواه.

التغطية(باللون الاسود) بالاستعانة من العدد الثالث من النشره الغير دورية الصادره عن مؤتمر أسئلة السرد وهى ليست كاملة وليست دقيقة ولكن كافية لألقاء الضوء على شكل الجلسة حتى يتحدث المشاركون عن كلماتهم بأنفسهم







جنة، وسنرجع غداً

صوت البحر مرعب فى الليل خاصة مع الريح المثلجه العنيفه، ولأن" جنة من غير ناس ما تنداس" فقد فضلت قضاء السهرات بعد الجلسات مع الاصدقاء فى فندق "AIR BILL" وتجاهلت فى تدويناتى المقارنه بين فندقهم والفندق الذى أسكن فية مع الاعلاميين. الاكيد أنى لا أحب أن يدخل أحد غرفتى المغلقة ولكن عندما أعود أمس وأجد السرير والغرفه مرتبة الى درجة أعجبتنى ولاشت دهشتى وضيقى فهذا يعنى أن الاعلاميون يعاملون معامله الخمس نجوم أو بمعنى أخر" أطعم الفم تستحى العين". فى الصباح أمطرت، ولكن الشمس أشرقت الان لذا أتوقع حضور مقبول للأدباء الشبان فى جلسة الشهادات عكس أمس ! وفى المساء ستكون المائده المستديره التى ينتظرها كثيرون من المشاركين فى المؤتمر.

الدنيا مغسولة

هذا أول ما خطر فى ذهنى وأنا أطالع شاطئ البحر من نافذة غرفتى بعد المطر

سأنشر بعد عودتى من المؤتمر كتاب الأبحاث الذى يضم الأبحاث الرئسية فى المؤتمر، وكتاب الشهادات الأدبية، وأوراق عمل المـائدة المسـتديرة، وكـتاب "الشعر البدوى" فى محافظة مرسى مطروح، إلى جانب كتاب "تقليب المواجع" وهو مجموعة قصصية لم تنشر من قبل أهداها الأديب خيرى شلبى إلى المؤتمر بدلا من نشر الاوراق والابحاث بشكل مستقل على المدونه. وننشر أسماء المكرمون ونبذة عنهم:

الأديب والروائي خيـري شـلبي

حكّاء من طراز فريد، وروائي قدّم للأدب العربي أعمالا عديدة خالدة.

يمتزج في أدبه الحسُّ الشعبيّ بالتأمل في رؤية ملحمية تُكسب العمل الروائي أو القصصي صفاتِ التمايز والنضوج الوفير، فهو يرسم شخصياته بإتقان، ويكسوها بصبغة أسطورية تجعل منها أنماطًا مغايرة، وتحوّل مصائرها إلى أمثولات.

ابتكر الأديب الكبير خيري شلبي فن "البورتريه" الصحفيّ في أدب الصحافة العربية، فصار رائدَه الأوّل، وراح يفتش في كنه الشخصية عبر ملامح وجهها، وعبر تجلياتها الإبداعية، وأهدانا عبر السنوات فنًّا أدبيا جديدًا.

وفضلا عن كتاباته النقدية في القصة والرواية والمسرح، فقد كتب الدراما الإذاعية والتليفزيونية، ومارس العمل الصحفي، وأشرف على إصدار العديد من المجلات والسلاسل الثقافية.

الناقد الكبير الدكتور محمود الربيعى

واحد من أبرز النقاد المصريين.قدّم للحركة الأدبية إسهاماتٍ متميزة، وتبنّى رؤية نقدية تجمع بين تحليل العمل الأدبي، وبين تقريب وجهة نظر الأديب إلى القارئ العادي، فهو يؤمن بأن النقد مسارٌ يجمع الأطرافَ كافةً، ويؤلّف بين الأشتات؛ ومن هنا فهو يأخذ نفسَه بالجد، ويعمل على تفعيل قيمة العمق والبساطة، ويدفع بالنقد المصري والعربي إلى طريقه الصحيحة التي كاد أن يفقدها.

الأديب والمترجم رجب سعد السيد

فضلاً عن إسهامه الأدبيّ في القصة القصيرة والرواية والنقد، فإنه كذلك مترجم متميز سواء في الأدب أو في العلوم، كما أنه باحث متمكّن، وناشطٌ في مجال العلوم والبيئة، والعمل ضد أخطار التقدم الصناعي والتكنولوجيا.

وإلى ذلك فقد أضاف الكثير إلى الحركة الأدبية في أرجاء مصر من شمالها إلى جنوبها، وله مشاركات متعددة في مؤتمر أدباء مصر وفي غيره من مؤتمرات الأقاليم، والمؤتمرات الثقافية والأدبية.

الشاعر مأمون الحجاجى

يرسم هذا الشاعر في شعره صورة الوطن العصي على الاقتراب، الذي يضع الإنسان مباشرة أمام مأزق الحياة العصرية الطاحنة، ويلتهم جُلّ مشاعره وأحاسيسه، ولا يُبقي له إلا مرافقة الهم والأسى.

والشاعر مأمون الحجاجي أحد المبدعين المخلصين للإبداع وللحركة الأدبية في الأقاليم، وفي الأقصر بخاصة، وقد سبق أن لقِيَ التكريم من جهات ومؤسسات متعددة، فيما يكرّمه المؤتمر في هذه الدورة تقديرًا لدروه الأدبيّ، وممثلاً لأدباء الوجه القبلي.

الروائي الراحل خيرى عبد الجواد

لم يكن خيري عبد الجواد فردًا من أفراد كتيبة الكتابة الأدبية الساعية إلى التجديد، ولا من الأدباء الذين بشّر بهم الحراك الثقافي في مطلع الثمانينيات فحسب، بل كان كذلك (وللحقيقة) كاتبًا منغمسًا في عمق الواقع المصري الأصيل، الذي يلمس عصب الألم في المناطق الفقيرة المزدحمة بالبشر، والواقعة تحت تأثير الهم المباشر لمشكلات التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثَمّ فقد أعاد كتابة هذه المشاهد معتمدًا على رؤية فنية تمزج الواقع بالحكاية الشعبية، أو تعيد إنتاجه وفق قوانينها، أو دلالاتها الحديثة.

ولم تكن بساطة الكاتب وسماحته تلك غيرَ بعيدةٍ عن أدائه في الكتابة وتقنياته ورؤاه الفنية، وهو يصوغ لنا أعماله، أو يقدّم ـ متفانيًا ـ ذوقه المتميز، وكذا حين قدّم لنا روائعَ الحكايات العربية في التراث الشعبي والثقافي والأدبي والتاريخي.

الروائية سحر الموجى

تُعدّ واحدةً من أكثر الكاتبات المصريات تمتعًا برؤية تحديث الكتابة الروائية في مصر، فضلاً عن اهتمامها الدائم بنُصرة قضايا المرأة على اختلافها وتعددها.

دخلت سحر الموجي التجربة الأدبية عبر كتابة القصة القصيرة، واستطاعت أن تحقّق حضورًا خاصًّا وسط قريناتها، وانتقلت إلى كتابة الرواية، والترجمة، فبرزت فيهما، وبخاصة بعد روايتها " ن "، كما نهضت للاشتغال على الأدب الإنجليزي عبر تدريسه في الجامعة.وغير ذلك، فهي تؤدي دورًا إعلاميًّا متميزًا في خدمة الأدب والثقافة المصرية سواء عبر الإذاعة، أو كتابة المقالات في الدوريات والصحف المصرية والعربية.

الإعلامي عمرو الشامى

قبل أن يكون إعلاميًّا ناجحًا، فهو مثقّف أصيل، وواحدٌ من الجيل الذي لَحِقَ بركب الثقافة، وهو يدخل المجال الإعلامي مسلّحا بهذه الثقافة في مواجهة الكثير من المواقف.

ولذلك فقد وظّف هذا الوعي في خدمة الثقافة، وراح يعمل في هدوء ويقظة وانتقاء طيلة عشرين عامًا في إذاعة البرنامج الثقافي (الثاني سابقًا) مفضّلا خدمةَ المشهد الأدبي على كثير من المغريات، فقدم مئاتِ الحلقات عن الندوات والمؤتمرات التي قدّمها الواقع الثقافي في مصر.

وهو كذلك أحد أحفاد العلامة العظيم الدكاترة زكي مبارك.

يكرّمه المؤتمر تقديرًا لدوره الإعلاميّ الكبير في العمل الثقافي، وفي متابعة الأحداث الثقافية في شتى ربوع مصر.

الشاعر إسماعيل عُقاب

شاعرٌ معنيٌّ بالإنسان، وبالقيمة، والحقيقة، والوطن.

تغنّى بالقضايا الكبيرة التي شغلت الوطن العربي كله، كما تغنى بالمرأة وأعلى من شأن الجمال كقيمة إنسانية وطبيعية، وأقام معبدًا للقصيدة الأصيلة، وانفتح على التجديد في الشعر دون أن يتخلّى عن أصالته، ولا عن موسيقاه الكونية الخالدة.

رعَى الحركة الأدبية في مصر، قبل أن يجعل من مطروح منطقة إشعاعٍ ثقافيّ، ويطوّرَ الحركة الأدبية فيها، ويأخذ بيد عددٍ كبير من أدبائها إلى نور الإبداع.

الشاعر محمد الحسينى

يبلغ من العمر 49 عاما، متزوج ولديه ابنين. صدر له من قبل أكثر من ديوان شعرى منها، "مس الكلام" و"عباد الشمس" و"غرفة السر جانب صندوق الحزن" ومسرحية واحدة هى "حورى". والراحل هو أحد شعراء العامية الذين ينتمون إلى جيل الثمانينيات، وكان صاحب حضور قوى فى الوسط، وتجربته تتميز بخصوصيتها وفرادتها، ولم يكن يشبه أحدا من الشعراء، ويعد رحيله خسارة فادحة لحركة شعر العامية المعاصر فى مصر.



كلمه الروائى خيرى شلبى أمس فى جلسه الافتتاح


إنه لأمر مبهج حقاً أن تقوم للرواية دولة في ثقافتنا العربية المعاصرة، على أيدي جيل بأكمله، هو ذلك الجيل الذي أشرف بالانتماء إليه، والذي درجنا على تسميته –خطأ أو صواباً- بجيل الستينيات.

إني زعيم بأن هذا الجيل هو صانع مجد الرواية العربية، الذي أسس له إمامنا الأكبر نجيب محفوظ؛ وكنا نحن أول رعيل يتخرج في أكاديميته المصرية الخالصة.

ذلك ليس من الغرور في شيء، ولا هو من قبيل الزهو والتفاخر. فالواقع أن تاريخ الثقافة العربية في مصر لم يعرف من قبل جيلاً فيه هذا الكم الوفير من الروائيين. هو كم وكيف معاً، كم في التنوع، كثرة في التفرد. فإذا افترضنا أن حديقة فيها مائة شجرة مثلاً، نكون إزاء مائة نوع من الفاكهة، لكل نوع مذاقه المختلف.

وإذا كانت هذه الحديقة الروائية قد غاب عنها الجناينية، وافتقدت حركة نقدية تحرمها وترعاها وتنقيها من النباتات الشيطانية التي تتسلق الشجيرات لتسرق غذاءها، فإنها برغم ذلك أينعت، وبسقت، وأنجبت كل هذا العمران الروائي المصري والعربي المبهر حقاً، الذي انجذب إليه الشعراء والرؤساء والأمراء، وكأن الرواية قد أصبحت بالفعل –كما وصفها أحد الدارسين- ديون العرب.

ولكن، يلوح لي أنها في القريب العاجل ستكون ديوان العالم كله، سوف تسترد عرشها الشعبي العريق، من قاطع الطريق الساحر الذي اختطف منها جمهورها نحو سبعين عاماً لايني يصب في عقولهم جهالات وملالات، إلى أن سطح مداركهم، فباتوا نسخاً متكررة من نموذج واحد قتله التلقي السلبي، سحق ملكاته الإبداعية الذاتية جعله حيوانا استهلاكياً، وتحول هو في أيدي التجار إلى جهاز إعلاني لا شرف له على الإطلاق. والواقع أنه لم يكن يصدر عن هذا الجهاز في يوم من الأيام شيء يكرس لمصلحة الجماهير، أو لمبدأ أخلاقي، أو حتى لعلاقات إنسانية سوية. اليوم تتبارى القنوات الفضائية العربية في شن حروب مجانية على مبدأ الحياة نفسه، وعلى التقدم بوجه عام، وعلى العقل . بات العالم كله مزرعة للإرهاب، عرفت القسوة الوحشية طريقها إلى قلوب المصريين، مات السلام الاجتماعي، أصبحت الكراهية عازلاً سميكاً يمنع التواصل بين الأخ وأخيه، جمود التبلد واللامبالاة تنشع رطوبته بين الطوبة والطوبة في كل بناء في مصر الآن، لم تعد أحجار الأبنية هي الأخرى يطيق بعضها بعضاً، ليس من الفقر وحده فحسب- وهو صديق مخلص للمصريين على طول الزمان- وإنما بفعل الضلالات والإثارات التي يبثها ذلك الجهاز الإعلاني الذي أصبح يوازي في خطورته اختراع البارود والذرة، ويليق بمخترعه أن يقتدي بألفريد نوبل، فيعتذر عن اختراعه الذي لم يكن بالتأكيد يرجو له أن يكون كذلك.

وفي اعتقادي –حسب ما أقرأه من دراسات لعلماء اجتماع الأدب وعلماء النقد وعلم نفس المجتمعات أن العالم قد انتبه إلى خطورة هذا الجهاز في تنسيخ البشر. أصبحت الشعوب التي استسلمت لهذا الجهاز، سواء في أيدي حكام سخروه لخدمة طغيانهم واستبدادهم، أو في أيدي تجار وسماسرة ووكلاء يسخرونه لخدمة مصالحهم، هذه الشعوب باتت في أيدي تجار وسماسرة ووكلاء يسخرونه لخدمة مصالحهم، هذه الشعوب باتت في أمس الحاجة إلى إعادة بناء الذات الفردية، أو المفردة بمعنى أدق. فإذا كانت الشعوب الناهضة تتكون من مجموعة أفراد مستنيرين، فإنها اليوم بحاجة إلى خطاب فردي، يغذي الذات المفردة بمشاعر المقاومة والوعي بواقعه، وإطلاعه على جوهر المسائل وحقائق الأمور، وتنبيهه إلى قواه الخفية، كي تساعده على أن يكون صاحب رأي فيما يدور حوله، صاحب موقف إيجابي فيما يختص بمصيره ومستقبل وطنه وعياله. فإذا كان التلفاز قد غذى فينا روح القطيع وخصائصه فإننا لابد أن نخرج عن هذا القطيع، نتمرد على شيئيتنا، أن نكون بشراً لا حيوانات يتاجر فيها السياسيون والنخاسون.

وإذاً؛ فإن الفن الوحيد المرشح للقيام بهذه المهمة الصعبة هو فن الرواية، حيث تتفرد الرواية بالقارئ في خلوة حميمة تخاطبه بندية، تغذي فيه فرديته الإيجابية.. يتبادلان معاً محاولة تفكيك العالم وإعادة بنائه من خلل الحواديت والعلاقات الدرامية الإنسانية في ملحمة الكفاح الإنساني من أجل الحياة في نبل وكرامة.

وإذاً، فمرحباً بهذا العمران الروائي، مرحباً بقيام دولة للسرد في الثقافة العربية المعاصرة. مرحباً بمؤتمركم الموقر وبكل هذه الرؤس الباحثة الدارسة الناقدة.

وإنه ليسعدني أن تكون آفاق السرد قد وصلت في الدراسات الأدبية إلى هذه الآماد البعيدة التي شرفت باستعراض رءوسها في برنامج مؤتمركم الموقر. وقد ضوعفت سعادتي لأن كل هذه الزوايا البحثية تبدو لي كأنها تدرسني أنا شخصياً في كل ما كتبته من قصص وروايات ودراسات نظرية وتطبيقية كثيرة.

وأظن أن من قرأني من حضراتكم ربما يكون قد لاحظ أنني قد حاولت الإطاحة بلغة الأدب الرصينة الموروثة، لصالح لغة الحياة، لغة العيش الفعلية، قرنية الألم، والحلم، والمناكفة، والمعافره، والفلفصه، والزمزقه، والحداقه، والمهيصه، والمرمطه، والزفارة، والروبة، والروث.. أقصد المفردات ذات الحمولات الشعورية المعجونة في عرق الكدح والسعي والمثابرة. لم يكن ذلك يتطلب مني أكثر من التأمل الدقيق في معاني المفردات العامية المتداولة يشع منها الزخم، لأعيدها إلى أصولها العربية، وأندهش من قدرة المصريين على تمصيرها بتحميلها دلالات حياتية قد تبعد بها عن معناها القاموسي؛ ولكن بالدراسة المبدئية لقواعد اللغة العربية نحوها وصرفها، يسهل وضع هذه المفردات في سياقات تجعلها قابلة للإعراب، مع الاحتفاظ بمدلولها العامي الذي يجب أن يوحي به السياق من تلقاء بنيانه، لقد اكتشفت عبر رحلة طويلة مع اللغة الفصحى، ورحلة أطول مع العامية بمستوياتها الطبقية والاجتماعية العديدة، أن العامية المصرية هي نفسها العربية الفصحى بعد أن نزلت إلى المزارع والمصانع والأسواق والشوارع والحواري، فأجهدت بعض المفردات، وأصاب بعضها العرج؛ لكن المفردات التي صمدت في معترك الحياة المصرية

الزراعية التجارية الحرفية، أصبحت لغة قائمة بذاتها قد تشكل نطقها حسب إيقاع الحياة، تخلصت من بداوة الصحراء ومن خشونتها وقسوتها، ارتوت بالخيال الزراعي المتدفع في نهر النيل وتشربت عسل الطمي، فظهرت جمالياتها في البكائيات المصرية وفي أغاني الزرع والحصاد، والمواويل الحمراء. ثم ارتقت على أيدي النديم وبيرم وحداد وجاهين.. وكان من حسن حظي أن عشقت العامية وشربت من كل هذه الينابيع حتى الارتواء.

من جانب آخر فإني تلميذ مجتهد في أربع مدارس أسلوبية كانت مهداً لذائقتي اللغوية: إبراهيم عبد القادر المازني، ويحى حقي، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس. كل مدرسة من هذه المدارس الأسلوبية الأربع لعبت دوراً كبيراً جداً في المصالحة بين لغة العامة ولغة الأدب. على هدي منها، على أرض ارتوت من ينابيع العامية في مستوياتها السالفة الذكر، قامت تجربتي في بناء لغة قصصية درامية شفاهية تشكيلية معاً، قادرة على احتواء مشاعر البسطاء، واستجلاء دخائلهم.

كانت رواية (السنيورة) هي المغامرة الأولى في البحث عن سرد جديد يرفع الواقع إلى مرتبة الأسطورة. ثم جاءت رواية (الوتد) ثم تعددت المغامرات السردية، ليتولى دفة الحكي ناس ما كان لهم الحق في أن ينصت إليهم أحد من قبل، العربجي والجزمجي والبويجي وقاطع الطريق والمتشرد والمتسول، والموظف والمثقف والسياسي والفنان. ولم أكن لأجرؤ على الحكي بلسان أحد إلا بعد أن أكون قد صرت خبيراً تماماً بقاموسه الخاص. هل أحدثكم عن ثلاثية الأمالي، أولنا ولد، ثانينا الكومي، وثالثنا الورق؟ أم عن وكالة عطية؟ أو صالح هيصة؟ أو موال البيات والنوم؟ أو بغلة العرش؟ أو موت عباءة؟ أو العراوي؟ أو الشطار؟ أو فرعان من الصبار؟ أو رحلات الطرشجي الحلوجي؟ أو منامات عم أحمد السماك؟ أو لحس العتب؟ أو الأوباش؟ أو زهرة الخشخاش؟ أو نسف الأدمغة أو صهاريج اللؤلؤ؟ أو صحراء المماليك وبطن البقرة؟ ناهيك عن المجموعات القصصية.

أزعم أن تجربتي في السرد طويلة وحافلة بالمغامرات. على أن تجاربي في السرد لم تكن لمجرد الانعتاق من أسر الأدب ذي اللغة المصقولة التي لا تعكس إلا ظلال كاتبها نظراً لخلو جوفها من الرحيق الإنساني.. إنما كانت تجاربي السردية العديدة في تجارب حياة عشتها وعايشتها محتدمة في محيط حياتي؛ أخذت وقتها في النمو بداخلي حتى نضحت، فكلما أقبلت على كتابتها من خانتني وهربت، لتصير كالمعادن في جوف الأرض حيث تفور وتمور في زلزلة تبحث عن منطقة رخوة تخترقها لتخرج. أرى شخصياتها في الحرفة تتمرد على أخيلتي السقيمة، ترفض لغتي العتيقة المعلبة.. فكيف لشخصيات من الأنفار والمشردين أن يدخلوا في الأنفاق اللغوية التي لا تؤدي إلا إلى الكذب والافتراء على والإفتئات على حقائق التاريخ.

ولكن الذي خدمني حقاً وأعانني على اقتحام هذا التنوع، هو التحامي الوجداني المبكر بالسير والملاحم الشعبية، وبدراسة الفولكلور الشفاهي والمدون، الذي كان له أكبر الأثر في مساعدتي على الفهم الصحيح والدقيق للشخصية المصرية من خلال مكوناتها الوجدانية الماثلة في الفولكلور، بجميع أجناسه الفنية. غير أن ذلك كله لم يكن ليفيد بدون هذه التجربة الحياتية المروعة التي عشتها متقلباً بين الحــرف والمهن: من عامل ترحيله إلى بائع سريح إلى ترزي إلى مكوجي إلى بائع في محل، إلى كاتب أنفار، وكاتب محامي، ومدون حسابات في مخبز، وما بين جراج للسيارات في مدينة المنصورة، ناهيك عن فترات تدريب وتجريب في مصانع وفابريقات عديدة في الإسكندرية.. إلخ إلخ. وإلى يومنا هذا لا أزال أقدس العمل اليدوي، وحتى وقت قريب جداً كنت أتوق إلى الجلوس إلى ماكينة الخياطة في ضوء الكلوب ووشيشه المؤنس في دكان المعلم فرحات البربري في بلدتنا خلال شهر رمضان. وفي مكتبي وفي مطبخي أحتفظ بأدوات وعدد غريبة جداً: شواكيش ومفكات وزرديات ومسامير، وإبر خياطة وبكرات خيط وكستبان وحفنة أزرار.. إلخ إلخ.

عفواً سيداتي وسادتي أصحاب هذا المؤتمر الموقر. لست نرجسياً ولا أحب الحديث عن نفسي.. إنما أردت أن أفرح بين أيديكم بهذا الذي يجري، وبين أعطافي طفل غرير مغتبط بما أنجز، ليقول إن كل ما خطه قلمه منذ عرف الكتابة إلى اليوم لم يكن إلا بعض محاولة، لم أتأكد بعد- وأظنني لن أتأكد فيما يبدو- مما إذا كانت تنتمي إلى الفن حقاً أم أنها محض هراء. كل ما أنا متأكد منه- ومجموعة تقليب المواجع بين أيديكم تشهد على ذلك –أنني سأبقى ما حييت ولوعاً بفتح آفاق جديدة للسرد القصصي تكون أكثر قدرة على اختراق المناطق المجهولة في البنيان الإنساني، والوصول إلى أدق الخفايا في الجبلة الإنسانية. ولن نفلح في ذلك حقاً إلا باستلهام ملكة القص العظيمة المتأصلة في الشخصية المصرية، سيما في مستوياتها التحتية المكافحة المنافحة معاً.

أرجو لمؤتمركم الموقر أن يكون عوناً جديداً على مزيد من التجديد في لغة السرد وأشكاله الفنية، وأن يكون إسهاماً مشهوداً في قيام ونهوض وازدهار دولة السرد الروائي.

خيري شلبي

Blogger Template by Blogcrowds