منذ خمسين عاما – تحديدا في فبراير 1966 - أصدر أربعة شباب بياناً عن كتابة جديدة وصفوها بأنها " الكتابة الصادقة المؤلمة أحياناً " ،اختار الشباب – رؤوف مسعد ، كمال القلش ، عبد الحكيم قاسم - الغلاف الأخير لرواية صنع الله الأولى ( تلك الرائحة ) لإعلان بيانهم ، - بعد خمسين عاماً مازالت أسئلة الكتابة الجديدة والسرد الجديد تدور رحاها سواء على مستوى تقنيات الكتابة أو اللغة أو المضمون
بمناسبة صدور رواية صنع الله الجديدة ( القانون الفرنسي ) أجريت حوارا معه ، بعيدا عن الأسئلة الظرفية المرتبطة بالرواية دار جزء كبير من الحوار عن أسئلة الكتابة ، ومدى تحقيق مشروعه الروائي ما كان يحلم به ، ولأن الأسئلة تم اختصارها لاعتبارات المساحة ، أنشرها على المدونة ، :).
· ألا تراودك فكرة الكتابة الخالدة التي تصمد للزمن ؟
· لا ، لدي شكوك في هذه المسألة ، ولا تعنيني ، لن أكون موجوداً بعد 50 سنة لأعرف ما الذي حدث ، يضحك بشدة .
· يرى البعض أن ما تكتبه في رواياتك من بحث تاريخي وسياسي من الأفضل فصله في مقالات ، ما رأيك ؟
· هل تفصدين أن في رواياتي موضوعات وصياغات يمكن عرضها في مقالات مستقلة وليس من الضروري وجودها في الرواية ؟ ، أي أنك تريدين مناقشة مدى مشروعية أن تستخدم الرواية أشكالاً لا تنتمي تاريخياً للسرد الروائي ، ردي هو أن الرواية مثل السينما ، فكما تستوعب السينما بداخلها فنون كثيرة ، تستطيع الرواية استيعاب الشهادات الوثائقية والخبر والتعليق والرأي السياسي والمقال ، هذا لا ينفي أن هذه الأشكال يمكن فصلها عن الرواية لكن يمكن أن تكون داخلها بشكل عضوي أيضاً ، المهم هو نجاح التضفير والتضمين ، أعتقد أن الرواية تستفيد من وجود المقال بداخلها كما يستفيد المقال من وجوده داخل الرواية لأنها شكل أكثر حيوية ودراماتيكية وقبولا بسبب القالب القصصي ، الأهم من مناقشة مشروعية استخدام المقال داخل الرواية مناقشة هل نجح المقال في توصيل مضمون معين .
· هل الناس في احتياج لقراءة روايات داخلها أبحاث ومقالات لتتعلم ؟
· بالطبع لا ، الناس غالبا تقرأ روايات لتستمتع .
· وهل يمكن الاستمتاع مع كل هذا الكم من المعلومات والتوثيق ؟
· علينا القبول بوجود حديقة مليئة بأزهار متنوعة تتعايش مع بعضها ، كذلك الكتابة هناك أنواع وأشكال متنوعة منها ، هناك كتابة تعتمد على وصف خارجي تفصيلي أو مونولوج داخلي أو وثائق ، كلها أشكال موجودة ومتعايشة .
· اتفق معك لكن هل وظيفة الرواية أن تعطي معلومات ؟
· الرواية ممكن يكون لها أغراض وأهداف كثيرة يمكن أن تمتع وتسلي فقط أو تشرح فكرة أو تدافع عن قضية ، هناك أشكال مختلفة من العمل الروائي مثل حديقة مليئة بأزهار متنوعة .
· بعد وفاة الكاتب الشاب محمد ربيع ، قلت أنه كتب ما كنت تود كتابته ، لماذا ؟
· محمد ربيع حقق على صعيد اللغة والموضوعات نوع الصدمة التي يحتاجها هذا المجتمع ليفيق من الظلام الذي يعيش فيه ، وهو ما كنت أود فعله
· وما الذي منعك ؟
· محاولة التواجد ، كنت مدرك منذ كتابة ( تلك الرائحة ) أن الواقع قد لا يسمح لي بكتابة ما أريده ، لابد من وجود مسافة معينة بين ما تريد كتابته وبين القيود المجتمعية
· وبعد تحقيق التواجد لماذا لم تحاول مرة أخرى كتابة الصدمة ؟
· وزن الأفضليات ، هل الأفضلية كسر وتحطيم الأخلاقيات الموجودة ، أم الأفضل أن أصب اهتمامي على النظام القائم ودوافعه ، فضلت تأجيل التعامل مع أخلاقيات اللغة إلى بعد الفروغ من أخلاقيات النظام .
· بعد مرور ما يقرب من 50 سنة على بيان الكتابة الجديدة ، هل حققت ما كنت تتمناه وتخطط له في بيانك ؟
· حدثت أشياء كثيرة خلال هذه الفترة ، الكتابة الإبداعية حققت نجاحات على مستوى التكنيك ، الموضوعات ، حرية التعبير .
· لكن هل حقق مشروعك الروائي ما كنت أعلنته في بيان الكتابة الجديدة ؟
· مشروعي لم ينفصل عما حققته الكتابة الإبداعية من نجاحات خلال 50 عاما وأنا راض عما قدمته ووصلت إليه .
· بعد 50 عاما نتحدث مرة أخرى عن السرد الجديد والكتابة الجديدة ، هناك كتاب شباب يهدون إليك عملهم الأول ، يعتزون بالانتماء إليك ، كيف تعلق على المشهد الروائي الآن ؟
· هناك حالة جميلة في الكتابة الجديدة من اقتحام الأشكال والموضوعات بجرأة متناهية ، وهذه حالة تبسطني ، حدثت قفزات مهمة في تكنيك الكتابة واللغة ، بعض الحالات - والمدهش أنهن كاتبات - تمس بشكل قوي موضوعات كنت أتمنى التعرض لها ، مثل رواية ( أني أحدثك لترى ) لمنى البرنس ، فيها درجة عالية من الحرية والقوة التعبيرية كنت أتمنى ممارستها ، اعتقد أن كل جيل يتعرض لمراحل أولها تجاوز مشروع الجيل الذي سبقه ، ثم التركيز على الشكل ، ويستغرق وقتا للنضج الخاص بتناول القضايا والأحوال العامة ، لذلك نجد أصوات ظهرت واختفت ، أصوات ما زالت موجودة تقدم جديداً ، فهي عملية مرتبطة بالنضج
0 تعليق:
إرسال تعليق