بدت لي فكرة الكتابة الجديدة أكثر قربا لما المسه في مشهدنا السردي في مصرالآن بعد فترة ثبات دامت لعقدين كاملين .. والميراث الضحل الذي تركه لنا جيل الثمانينات والتسعينات ، هكذا أختار الجيل الجديد بإتفاق غير معلن التماهي مع حدود الرواية والعبور فوق نقطة السرد التقليدي. بينما مهد الطريق ادباء مثل شحاته العريان وحمدي الجزار وحسين عبد العليم وحمدي ابو جليل ومصطفى ذكري من خلال روايات بدت اقرب للسيرة الذاتية تنتهي معها رؤية الراوي العليم ليمتزج الكاتب بابطاله صانعا مساحة من تجارب يعرفها" ان يكتب عما يعرفه جيدا"
لا ادرى إن كان ذلك عن وعي من الكاتب ولا ادري إن كان ذلك يحسب له ام عليه ، إلا ان الحقيقي تماما هو أننا نعاني من قصور وضيق في التجارب وإني لا اجد تفسير ما انجزه جيل الستينات من مئات الكتب في سنوات قليله بينما ينفق الكثير من الكتاب الآن سنوات طويله بين كتاب وأخر. هذا من حيث الكم لكن الامر بالطبع يختلف من ناحية الكيف المميز فيما يقدمه هذا الجيل .
لا ادرى إن كان ذلك عن وعي من الكاتب ولا ادري إن كان ذلك يحسب له ام عليه ، إلا ان الحقيقي تماما هو أننا نعاني من قصور وضيق في التجارب وإني لا اجد تفسير ما انجزه جيل الستينات من مئات الكتب في سنوات قليله بينما ينفق الكثير من الكتاب الآن سنوات طويله بين كتاب وأخر. هذا من حيث الكم لكن الامر بالطبع يختلف من ناحية الكيف المميز فيما يقدمه هذا الجيل .
قد يبدأ التأريخ من أحمد العايدي ذلك الذي أصدر روايته الأولى " أن تكون عباس العبد" منذ سنوات أربع واخترق بها بوابة العبور من عالم القراءة والكّتاب للعالم الموازي حيث الجمهور والقراء . تنحصر معظم الكتابات الآن ما بين الذاتية والجنس الذاتية .. كسمة صارخة لهذا العصر إننا نحاول أن نكتشف العالم من خلالنا حيث يجد الكاتب من داخله وعبره تفسيرا ومبررا لكل الاشياء . الجنس .. ووجه الآخر في الكتابة الجديدة العنف .. وأتصور أن رواية العايدي وما بها من مزيج من الفصام والعنف والجنس هي تجسيد لآلية الكتابة الجديدة .
بينما أختار محمد الفخراني الذي يؤمن أن الكتابة لا تعرف الحياد صاحب رواية " فاصل للدهشة" ان يتفوق علينا جميعا وعلى كل ما كتبه هذا الجيل قدم رواية لا تخلو صفحة منها من الجنس ومع ذلك لا يمكننا ان نجزم يقينا أن هذا ما أراده الفخراني. ونجاحه لم يرجع فقط للجنون الذي أقدم على كتابته ولكن للتناقض الشديد بين القبح والرقي في كتاباته الرومانسية الخالصة والمادية المزعجة تلك التي مضت الرواية متوازية ومتداخلة عبرها تماما كما خرجت مجموعته الأولى " بنت ليل" ناعمة ونقية ومتناقضة . جازف محمد بالتجديد بخوض عالمين مرهقين الأول عالم الجنس الذي تناوله كثيرون غيره لكن الجرأة التي قدمه بها جعلته في المقدمه بلا منازع .. والعالم الآخر هو عالم المهمشين ذلك اذي يقول انه انحاز له وانهم جزء من مشروع يأمل أن يكمله وهذه سمة اخرى للمشهد السردي الحالي حيث يتضح تماما ان لكل اديب شاب على الساحة الآن مشروع خاص به يتملكه تماما يسعى لخوضه بخصوصية ودون تكرار. وهو ما حدث عند محمد صلاح العزب أيضا حيث العوالم المتشابهه رغم الإختلاف بين روايته الأولى " سرداب طويل يجبرك سقفه على الإنحناء" وروايته " وقوف متكرر" وسرير الرجل الإيطالي يمكنك بسهولة أن تلمح روح محمد صلاح العزب وأن تمسك إشكالياته وفلسفته وربما مخاوفه . وهو ما تتضح قسماته جدا في عالم محمد علاء الدين صاحب رواية " إنجيل أدم" تلك التي قدم بها نفسه لقارئ دون قلق رغم وقوفها على محاك الدين والجنس معا . ثم عمله الثاني " اليوم الثاني والعشرين" تماما رغم الإختلاف بين العملين إلا إنك تلمح عبق محمد علاء في عالمه الذي اختار ان يجسد.
حيث تبدو الأعمال الإبداعية روحا متصلة بكتابها . اعمال قليلة بدت لي خارجة عن هذا السياق واحتفظت بالسنتمنتالية كطريقة للتعبير ومنها رواية " تماثيل الملح" لمحمد كمال حسن تلك التي أختار فيها ان يعبر بروح الشجن القوي والاحاسيس الرقيقة والحضور الواضح للإنسانية والضعف والدموع وهي ذات البوابة التي عبرت منها روايتي الأولى " الحكي فوق مكعبات الرخام" بوابة الشجن البنفسجية ، واظنه الإطار ذاته الذي يعمل داخله الطاهر شرقاوي بمجموعاته القصصية الساحرة الخصبة واخيرا روايته فانيليا التي تحمل عبقا سنتماليا . ولا يمكنني ان أتحدث عن المشهد السردي الحالي في مصر دون أن أتحدث عن موهبة حقيقية قوية ومختلفة " طارق إمام " الذي صدرت له ثلاث مجموعات قصصية ورواية عام 2003 هي شريعة القطة .وأخيرا روايته المدهشة هدوء القتلة لطارق اسلوب مدهش يكتب كمشعوذ يتلو تعاويذ سحرية ويصوغها بلغة نعرفها محاولا أن يقدم لنا فكرا عميقا ومشاعر مدمجة تماما كتحويل البركان لقرص دواء نتناوله ليبعث النشوة واثقة في جوانب كياننا .. هكذا كتب طارق إمام .
التجديد أيضا سمة من سمات هذا الجيل ليس فقط في السرد القصصي وإنما على مستوى كتابة المسرح كما قدم باسم شرف مسرحية " جزمة واحدة مليئة بالأحداث" تلك التي اختلفت تماما عن المسرح التقليدي قدمه بإبتكار وإبداع وعبقرية . ولا شك أن إختلاف صورة المشهد السردي في مصر تأثر كثيرا بظاهرة النشر الخاص ، ودور النشر غير الحكومية وما طرحته من معايير مغايرة لنشر وفتحت بوابة لسعة الافق وحرية الفكر .. ولعل من ابرز تلك الدور- دار ميريت للنشر- تلك التي حازت على جائزة جيري لابيري للنشر العام الماضي . وتبنت فكرة الثورة على الكتابة التقليدية وراهنت عليها . " حق هؤلاء الشباب في التعبير والكتابة " هو إيمان صاحب الدار الناشر محمد هاشم . والجدير بالذكر ان مشكله النشر لم تعد حقيقة عائق امام هذا الجيل لتوصيل كتاباته وأفكاره فقد توصل الجميع لأسلوب اخر للنشر وهو طباعة الشباب لأعمالهم في مطابع محدودة كما فعل محمد حسين بكر رحمه الله وأصدر مجموعه مشتركة مع القاصة سهى زكي ومحمد رفيع" بوح الارصفة" وكذلك محمد ربيع صاحب رواية " التاريخ السري لناس اسمهان عزيز " بطباعة كتابة طبعة محدودة وزعها باليد على اصدقائه وهي رواية جريئة .. غارقة في الجنس والسخرية اللاذعة وتجربة مميزة لها بصمتها إن قبلتها أو أختلفت معها. وأخيرا .. فإني أرى أن الجيل الحالي تمكن بالفعل من خلق تيمة مميزة لكتاباته وإننا صنعنا تاريخنا الخاص وعبرنا عن واقعنا كما نراه وكما نعيشه على إختلاف اتجاهاتنا وأذواقنا أرى أننا جيل قادر على صنع أسطورته الخاصة بشكل يضاهي جيل الستينات ربما لأننا جميعا نعرف كيف نتواصل ونتحاور لدينا إيمان مختلف ويقين صادق بسحر الكلمات ذلك الذي يصنع نفق في أرواحنا حيث العبور من النور وإليه
نهى محمود .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 تعليق:
إرسال تعليق