(1)
ظهر مع الحداثة ما سمي(علم الرواية) وتابعه (علم السرد) تأسيساً علي أن هناك نوعا من النصوص الأدبية التي حصرت وظيفتها في إعادة إنتاج الواقع بمجموع وقائعه وشخوصه، والعلاقة الجدلية التي تربطهم، ثم تقديم هذا المنتج في لغة توصيلية ذات مواصفات أدبية، وكان ظهور مصطلح (علم الرواية) وتابعه (علم السرد) ذا تأثير واسع في المحيط الأدبي والنقدي، وازداد هذا التأثير عندما زاحمت الرواية سواها من أجناس القول، وسعت أن تجد لها مقعداً في المقدمة.
إن ترديد هذين المصطلحين في زمن الحداثة، قد استهدف تخليص الرواية من القراءة الانطباعية التي صاحبتها منذ بواكيرها حتي أوائل القرن العشرين، ومما لاشك فيه، أن هذه الانطباعية كانت وليدة (المحكاة) التي كانت تنظر في النص بوصفه محاكاة الواقع، إذا كانت المحاكاة أمينة وصادقة نال النص الرضا والقبول النقدي، وإذا انعدمت الأمانة والصدق، كان الرفض الفوري، دون نظر إلي الأداة التعبيرية التي وظفها الأديب، سواء أكان صادقا أم غير صادق، ذلك أن الانطباعية احتكمت إلي (المرآة) النصية، وأهملت سواها من الأدوات المنتجة للنص، وتناست الهيكل البنائي للرواية.
ومع سقوط الانطباعية، أو تحجيمها ـ علي أقل الاحتمالات ـ اتجهت القراءة النقدية إلي البناء الداخلي للنص الروائي، وبخاصة بعد جهود فرويد في مباحثه النفسية، وما قاله عن الوعي والعقل الباطن، وهو ما هيأ المجال الأدبي لظهور (رواية تيار الوعي) التي أسقطت المحاكاة والانطباعية نهائيا، إذ إنها تجاهلت وقائع العالم التي تسكن الخارج، وسلطت عنايتها علي الوقائع الداخلية للإنسان، أو لنقل: إنها جعلت وقائع الخارج انعكاسا لوقائع الداخل، وهو انعكاس عضوي، بل ربما يكون عشوائياً.
معني هذا أن يبدأ السرد ممارسة وظيفتة من الداخل، وهو منطقة ليس لأحد سلطان عليها، وليس هناك رقابة تحاصرها، وربما لذلك اتسم هذا التيار الإبداعي بكثير من الغموض، ولم يكن غموضا من أجل الغموض، وإنما من أجل الإفصاح.
وهذا التحول الطارئ للخطاب الروائي، صاحبته عناية واضحة من الخطاب النقدي بالأبنية المنتمية (للوعي الداخلي)، مثل (الحوار الداخلي) و(الأحلام) و (التفريغ النفسي) و (الإسقاط) ثم عناية أخري بتخليص النص من سلطة المبدع حتي لا تلاحق المتلقي.
وفي هذا السياق ظهرت بعض الإشارات لمصطلحات ما بعد الحداثة التي تختص الرواية، مثل الذي دار حول (الحوار الداخلي) من كونه حوارا مباشراً أو غير مباشر، ومثلما هو الأمر مع بعض الأبنية الصياغية (كالضمير) و(الإشارة) و(أدوات الربط)، وبعض الأبنية الدلالية، مثل (المناجاة) و (التداعي الحر)، ثم رصد بعض تقنيات الفنون البصرية، كالمونتاج والسيناريو والفضاء النصي وغيرها من التقنيات.
(2)
لقد تردد في زمن الحداثة مصطلحان متشابكان: (الخطاب ـ النص) وليس من همنا هنا الدخول في جدل حول ما دار حولهما من حدود معرفية، وعلاقة أدبية، وثم فإننا نغادرهما إلي ما سبق أن أشرنا إليه (علم الرواية) و (علم السرد) ومردودهما المعرفي، إذ كان هناك يقين بأن كل خطاب له مستويان منفصلان علي مستوي التحليل، وإن كانا متحدين علي مستوي الإنتاج، أما المستوي الأول، فهو البناء الصياغي، والمستوي الثاني هو المنتج الدلالي، وكان السؤال النقدي الملح: هل من الممكن أن ينضوي المصطلحان تحت مصطلح (النص) ؟ وأهمية السؤال جاءت من أن قراءات ما بعد الحداثة أعطت للنص حقوقا كثيرة، وأولها :حق أن يكون النص منتجا لذاته، بل في قدرته أن يكتب نفسه، علي معني أن يكون النص هو(القائل) أي (فاعل القول)، وبحق هذه القدرة فإنه يسعي للتعبير عن مكنوناته الداخلية، وكيفية إطلالها علي الخارج التي علي ضوئها يشكل مواقفه وأحواله وزاوية رؤياه، ومن ثم رفضت النصية مجموع المرجعيات الخارجية بكل مستوياتها، سواء أكانت مرجعية واقعية، أم مرجعية فكرية، معني هذا أن عناية النص البالغة تكون بالمستوي الأول .
ومن الملاحظ أن مصطلح النص ارتبط ارتباطا حميما بمصطلح (النوعية) الذي جاء ظهوره في حوار مصطلح (العولمة) بكل متغيراته الكمية والكيفية في كل المجالات الإنسانية، أي في (متغيرات الثقافة) بوصف الثقافة جامعة للمسلك البشري داخليا وخارجيا، ومن مكرور القول أن نعيد الكلام عن مرحلة (الوفاق الدولي) التي أوقفت الصدام بين الكتلتين: الغربية والشرقية.
ويبدو أن (العولمة) كان لها مواليدها، ومن هؤلاء المواليد (ظاهرة التجنيس) التي كسرت الحواجز النوعية، وكان مصطلح (النص) هو المناسب لاستيعاب هذا الكسر، علي معني أن الإيغال في النصية كان مصاحبا لتحجيم النوعية، وكان لذلك صداه ـ المباشر حينا، وغير المباشر حينا آخر ـ في الرواية، حيث تنازلت عن بعض حقوقها المحددة لخصوصيتها، وهو تنازل باعد بينها وبين المفهوم التقليدي لها، وهو مفهوم أحاطته المذاهب النقدية المتتابعة بإطار من القداسة الفنية.
ومع انكسار التنوعية، ظهرت بداية التداخل النوعي علي نحو محدود، ثم أخذت في الاتساع، فكانت تداخل الرواية بالقصة، وتداخلها بالسيرة، والمذكرات اليومية، وتداخلها بالمسرحية، ثم تداخلها بالشعر.
(3)
إن منهج البحث يقتضي أن يكون الحديث عن الرواية بدءا من مصدر إنتاجها، فمن هو منتجها؟ هل المؤلف أم الراوي؟ لقد استحضر بارت مصطلح (المؤلف) ثم أماته، ورأي أن حاشية حضوره كانت رهنا (بحقوق التأليف والنشر)، وقد سعي فوكو إلي فك الارتباط بين المؤلف والشخص الذي كتب العمل الأدبي، وهو ما يعني أن هذا المؤلف قد استحال إلي كينونة ضبابية ليس دوراً أو وظيفة تنفيذية، ومن ثم فإننا نتقبل مقولة بارت ـ مع التحفظ ـ وتقبلنا راجع إلي أن هدف بارت من إماتة المؤلف، هو الحد من سلطته علي النص (1).
وإذا نظرنا إلي المؤلف بوصفه القائم بالكتابة فحسب، فإن النظر لابد أن يتجه إلي (الراوي) بوصفه المنتج التنفيذي لهذه الكتابة، ولن نطيل الكلام حول مفهوم الراوي، فهو مفهوم يكاد يدركه عامة المثقفين، ذلك أن التراث العربي قد تعامل مع هذا المصطلح علي مستويات متعددة، منذ أن كان هناك رواة للشعر، ورواة للحكايات والأساطير، وينضاف إلي كل ذلك الوظيفة الدينية التي أداها الرواة في حفظ النصوص المقدسة.
إن استبعاد الكلام حول مفهوم الراوي، يضعنا مباشرة في مواجهة وظائفه ومواقعه التي علي أساسها يتدخل في بناء النص، وفي مسارات السرد، وفي اختيار أدوات هذا السرد، ذلك أن عقيدتنا ـ بعيدا علي الجدل حول المؤلف والراوي ـ أن هذا الراوي هو الموكل بنقل النص من المؤلف إلي المتلقي، وبحق هذا التكليف، فإنه يتمكن من توجيه النص بما يوافق ميوله الخاصة أو العامة.
وإذا كانت هذه الوظيفة المركزية للراوي، فإن مواقعه متعددة ومتنوعة، فله مواقع مكانية، ومواقع زمانية، وفي المواقع المكانية منطقتان رئيستان، لأنه إما أن يكون خارج النص، وإما أن يكون داخله، ومن المتاح له أن يتحرك بين هاتين المنطقتين، وعندما يحتل منطقة الخارج تنحصر مهمته في إنتاج الأقوال، وعندها يتحول إلي شخصية من الشخوص المنتجة للأفعال.
وسواء احتل الراوي منطقة الخارج أو منطقة الداخل، فإنه يؤثر ـ غالبا ـ المواقع الخلفية التي تتيح له قدرا واسعا من الرؤية الكلية، وقد يغادر هذا الموقع الأثير ليحتل المقدمة، بهدف أن يقود الأحداث والشخوص، وإحكام السيطرة عليهم، وقد يترك الراوي كل هذه المواقع، ليحتل موقعا فوقيا، يقود منه السرد إلي مسارات أيديولوجية أو فلسفية أو نفسية أو أسطورية بالغة التعقيد.
ويتوازي مع هذه المواقع المكانية، مواقع زمانية صالحة لحلول الراوي فيها، وإذا كان الوعي البشري قد حصر هذه المواقع في ثلاثية خالدة: (الماضي ـ الحاضر ـ الآتي) فإن الراوي يحتلها حينا، ويغادرها إلي هوامشها حينا آخر، ونعني بالهوامش: الماضي البعيد والقريب، والآتي البعيد والقريب، والحاضر المتصل بالماضي، والحاضر الممتد في الآتي، برغم تعدد هذه المواقع الزمنية، فإن الروائية لا تستريح إلا إلي الماضي، ومن ثم فإن متعلقات هذا الماضي من الأبنية الفكرية واللغوية تكون صاحبة السيادة في السرد، حيث يتعمد فتح ذاكرة الشخوص تارة، ونوافذ الحلم تارة أخري، وإفساح مساحات واسعة للأحاديث النفسية، أما الأبنية اللغوية، فسوف نعرض لها في المحور الخاص بلغة الرواية.
(4)
في المحور السابق تناولنا الراوي ووظائفه ومواقعه في بناء السرد بخصوصيته التوصيلية، أم تخلص منه تخلصا محدودا أو مؤقتا ليرتفع إلي أفق الشعرية، حيث تكون الصياغة هدفا في ذاتها.
إن طبيعة السرد أن يتخذ في النص مسارا أفقيا، تتتابع فيه الأحداث وتتطور، وتتحرك فيه الشخوص حركة أفقية ـ أيضا ـ لكن ربما تخرج علي هذه الحركة المألوفة، وتتحرك حركة رأسية، فبدلا من التتابع، يحضر العمق، وهذا يتعقد، وتتولد الدرامية.
ويجب أن يكون في الوعي أن الرواية عندما تستعين بالسرد، تستعين به وهو محمل بميراث طويل من الحكي الذي جاءه من الشفاهة في المرويات الدينية وغير الدينية، والذي جاءه من الموروث الشعبي بكل أعرافه وتقاليده وطقوسة، لكن يظل من بين كل هذا الموروث لنص (ألف ليلة) أهمية خاصة، بوصفه أهم نص سردي حفظته الذاكرة العربية، وقد أثرت هذه الأهمية تأثيراً بالغا في أبنية السرد العربي حتي يومنا هذا، ولا نجاوز الصواب إذا قلنا إن هذا التأثير قد تجاوز العربية إلي سواها من اللغات الحية في العالم كله.
وأعتقد أن أهم خصيصة تسربت من (الليالي) إلي الروائية، هو ما يمكن أن نسمه (بالسرد المركب) أو (المتعدد)، إذ يتحرك السرد في مساره الأفقي المألوف، ثم ينتابه توقف فجائي في منطقة بعينها ليفسح المجال لسرد إضافي ـ مؤقت ـ يعود بعدها إلي مساره الأول.
وبتأثير ألف ليلة، يمكن أن نلاحظ (أسطرة السرد) علي الرغم من أن النص قد يكون موغلا في واقعه وتحولاته الصاعدة الهابطة، لكنه يقود هذا الواقع ـ في خفاء ـ إلي عالم الأسطورة بعد تخليصه من بعض ركائزه، ليكون صالحا لعملية الإسقاط التي يستهدفها النص.
وأنا علي يقين أن من يعاود التأمل في الليالي، سوف يكتشف أن كثيرا من تقنيات الحداثة السردية تمتد بنسب متين إلي تقنيات هذه الليالي، سواء في ذلك تقنية الحوار أو الوصف، أو تقنية قطع الحدث، وتخليق الفجوات (بالحذف) الذي يغيب بعض الأحداث أو المعلومات، أو الحذف الذي يغيب مساحة زمنية قصيرة أو طويلة، أو تخليقها (بالاختصار) الذي يكاد يؤدي وظيفة الحذف علي نحو دلالي، بينما يؤدي الحذف وظيفته علي نحو مادي.
وهذه الفجوات بوسائلها المتعددة، تعمل علي كسر قانون السبب والمسبب الذي يحيط النص الروائي بأسوار المنطق، وهو ما ينشط (قانون التداعي) بكل ما فيه من عشوائية، ويتيح للسرد أن يقدم قفزا فيما سمي (بالاتساق) أو يتراجع فيما سمي (بالاسترجاع) إلي غير ذلك مما جاءت به تقنيات الحداثة.
(5)
إن السرد مخزون الذاكرة، ولا يصل إلي المتلقي إلا بعد تعبئته في مواد لغوية، وكل ما ذكرناه عن النصية والنوعية والراوي والحدث والشخوص لا يقع تحت طائلة القراءة إلا بعد تحوله إلي لغة، ومن ثم فإن القراءة الصحيحة، وهي التي تطل علي النص من نافذة اللغة أولا.
وهذه الإطلالة الأولية سوف تلاحق عناوين النصوص وافتتاحايتها، ثم تلاحق الصياغة التي تكشف طبيعة النص في مداخله وحواشيه، وتكشف عن أبعاده الزمنية والمكانية، وترصد وقائعه وأحداثه، وتحدد ملامح شخوصه، وهو ما يتيح للقارئ الحكم علي النص بحسب توجهه الغالب، إذ يكون النص ريفيا أو حضريا أو تايخيا أو حربيا أو بوليسيا أو صحراويا أو دينيا أو خياليا إلي آخر هذه التعريفات التي يمكن أن ينتمي إليها النص، وليس معني هذا أن النص ينفرد بنوعية من هذه الانتماءات، وإنما معناه أن نوعية منها قد تغلب علي سواها، فينسب النص لها.
وبرغم تكاثر المادة اللغوية معجمياً ونحوياً، نجد أن الرواية لها غواية خاصة مع مواد بعينها، وفي مقدمة هذه المواد (الثنائيات) ذات المرجعية المتعددة، فبعضها مرجعه لغوي خالص، وبعضها مرجعه بلاغي خالص، وبعضها مشحون بأبعاد فلسفية أو نفسية أو أيديولوجية، ومن بين هذه الثنائيات، هناك ثنائية تتقدم سواها من الثنائيات، ولا يكاد يخلو منها نص سردي، هي ثنائية (المرأة ـ الرجل) (الذكر ـ الأنثي) وتوابعها: (الزواج ـ العزوبة) (الإنجاب ـ العقم) وحواشيها: (الضعف ـ القوة) (الحب ـ الكره) ثم (الحياة ـ الموت).
وبالضرورة، فإن هذه الثنائيات سوف تشحن النص بكم وافر من التوتر الذي يتيح للمفاقة أن تحتل مساحة واسعة في السرد، سواء أكانت مفارقة صريحة أم ضمنية، وسواء أكانت ملفوظة أم ملحوظة، سواء أكانت موقفية أم حالية، وبالضرورة ـ أيضاً ـ فإن هذه المفارقة سوف تتخلي تدريجيا عن ارتباطها بهذه الثنائيات، لتحل في الأنساق الكلية، والوقائع الممتدة، دون أن يحجب ذلك الدور اللغوي لكل ثنائية.
وفي هذا المحور اللغوي، يفرض (الضمير) حضوره بوصفه أداة مركزية في بناء السرد، بل هو عنصر أساسي في تحديد النوعية، فالضميران (أنا ـ نحن) وتوابعهما، يقودان النص إلي منطقة (الشعرية) حينا، وإلي منطقة (السيرة) حينا آخر، وربما لا يكون هذا ولا ذاك، وإنما يكون حضورهما علامة واضحة علي توحد المؤلف بالراوي الداخلي.
أما ضمير المخاطب (أنت) وتوابعه، فإنه يقود النص إلي دائرة (الحوار) المسرحي علي وجه العموم، والملاحظ أن هذا الضمير له صلة حميمة بمناطق التوتر والصدام، سواء أكان صدام مواقف، أم صدام شخوص.
معني هذا أن ضمائر (التكلم والخطاب) ليست من الأبنية الأثيرة في السرد، إذ إن الضمير الأثير لديه، هو (ضمير الغياب) هذا الضمير الذي أسماه البلاغيون القدامي (ضمير الحكاية).
وغواية السرد مع ضمير الغائب، توازيها غوايته مع فعل الكينونة (كان) الذي يكاد يكون صاحب الحضور الأول في السرديات عموما، ولا يرجع ذلك إلي كونه فعلا مساعدا، بل إلي طاقته التي اكتسبها من مواضعته الأولي، ومن هوامش الاستعمال الممتدة في الزمن، فهو قادر علي فتح أبواب (الحدث) الماضي البعيد والقريب، وهو مشحون بطاقة تراثية اكتسبها من وظيفته في المرويات والحكايات، وهو قبل ذلك وبعده، له قدرة إنتاج (الحدوث والوجود والصيرورة والثبوت والوقوع).
إن اعتماد القراءة علي المادة اللغوية ببعديها: الكمي والكيفي، وجانبيها الإفرادي والتركيبي، يكاد يغلق النص علي ذاته، وهذا ما أصابه اهتزاز كبير في المرحلة الثقافية الأخيرة التي لم تعد تستريح للتعامل مع النص حال انغلاقه، ذلك أن المنجز النقدي في زمن ما بعد الحداثة لا يعول كثيرا علي مثل هذا الانغلاق، لأنه ضد طبيعة النصية ذاتها، إذ لا يكاد يفلت نص روائي أو غير روائي من الانفتاح علي سواه من النصوص القديمة والحديثة، ولا يكاد يفلت نص من امتصاص أنساق الثقافة المحلية أو الإنسانية، فالزمن أصبح زمن انفتاح النص،لا زمن انغلاقة.
(6)
التسميات: الابحاث
التسميات: الابحاث
في الدورة الـ23 لمؤتمر أدباء مصر:
المبدعون ينحرفون عن النص، واستمرار عزلة كتَاب الأقاليم
شلبي يعلن دولة السرد الروائي وعبد الله يعلن إنجاز نظرية عربية
)ة)؛ التاء المربوطة المحذوفة أو المضافة لـكلمة"جديد" بعد أسئلة السرد
موضوع الدورة الثالثة والعشرين لمؤتمر أدباء مصر، كانت سؤالاً جوهرياً طرحه الباحثون والمشاركون في المؤتمر، في جلساتهم ومداخلاتهم وأحاديثهم الجانبية.
هل ما يُكتب ويُنشر، ويُحتفى به، ويُشتبك معه، ويُنكر، ويُؤكد، هل فيضان الحكي والتلقي والتفاعل، هل كل ذلك سردُُ جديد، أم أسئلة جديدة لموضوعٍ وجودي ولا نهائي هو السرد؟
الجانب الآخر من السؤال الملغز حقاً، هل هذا السرد الجديد صناعة و ملكية الكتَاب الجدد من الشباب التسعينيين وكتاب الألفية الجديدة، أم هو السرد المغاير حتى وإن اكتشف لدى الستينيين أوالسبعينيين ومن سبقهم أو تلاهم بأجيال؟
أخيراً هل المارد الطيع المسمى بالسرد، هو السرد الروائي المتمتن على الساحة الإبداعية الآن، ويضيق بالسرد القصصي، أم يتسع ليشمله، ومعه أيضاً السرد الشعري، خاصةً بعد مقاربته لفن النثر عبر قصيدة النثر، وغيرها من تقنيات الكتابة؟
مابين تقنين المفهوم وانسيابيته، ومابين محدودية أنواعه ولانهائيتها دارت المحادثات والمشاركات وحتى المشادات، هناك بمدينة مطروح الآسرة، شكلاً ومضموناً، والتي استبقت كل ذلك الجدل بحفل استقبال خاص، قُدم خلاله شاى الزردة المطروحي، وعروض فنية لفرقتى سيوة ومطروح للفنون الشعبية، ونصبت الخيام عارضةً بعض الصناعات والمشغولات البدوية.
وبدأ المؤتمر..
بكلمته التي تصدرت الجلسة الافتتاحية كأمينٍ عام، قشر الروائي الناقد "سيد الوكيل" المؤتمر من رسميته، كفعاليةٍ أنتجتها إحدى مؤسسات الدولة، بالتشديد على رفض أشكال الوصاية والرقابة والمصادرة كافةً، وأهمها تلك الإجراءت "السياحكومية"، مؤكداً على قدرة السرد الجديد الموزع بين مختلف أشكال التعبير، والوسائط الناقلة، خصوصاً الأفضية التكنولوجية الحديثة على إظهار عبث استمرار تلك الإجراءات، مستشهداً بنجاح "شهرزاد" في مقاومة نزق السلطة، وشهوة الانتقام بالحكاية.
أما الروائي الكبير"خيري شلبي" رئيس المؤتمر، فقد أعلن قيام دولة السرد الروائي، ونصب على عرشها جيله من كتاب الستينيات، بدوره الذي حول الرواية ــ في رأيه ــ لديوان العرب، قبل أن تصبح حالياً ديواناً للعالم.
وهاجم "شلبي" بشدة جهاز التليفزيون، واصفاً إياه بقاطع طريقٍ يشن حروباً مجانيةً على الحياة. وحمله مسئولية تنسيخ البشر، وتمديد أسطح الكراهية بينهم، لكنه أكد على أن الرواية هي الفن الوحيد القادر على مقاومة ذلك المارد، وتغذية الذات الإنسانية بمشاعر المقاومة والوعي بواقعها، وإطلاعها على جوهر المسائل وحقائق الأمور، وتنبيهها إلى قواها الخفية.
وقدمت مداخلة الناقد "سيد إمام" "مدخل إلى نظرية الحكي"، والتي تصدرت أولى الجلسات البحثية في المؤتمر "السرد الجديد وإشكالية المفهوم" فرشة نظريةً وافية لعلم السرد وتطوره، على أهميتها، حال طابعها النظري دون تواصل بعض المشاركين معه، ما دفع إلى مطالبة بعضهم بنظرية نقد عربية "يفهمونها"، وهو ما أزعج "إمام" وجعله يشدد على إنسانية العلم وتراكميته، والمطالبة بالإضافة للمنتج العالمي والتواصل معه بدلاً من المطالبة بشيئٍ غير منطقي.
هذه الواقعة التي برزت في الجلسة الأولى كانت مدخلاً مباشراً للجلسة الثانية، التي ترأسها الناقد "د. محمد حسن عبد الله"، وشارك فيها الباحثان "د.سيد ضيف الله" و"د. أحمد عبد المقصود"، وتغيب عنها الناقد أ.د محمد عبد المطلب"، إذ انتقد "عبد الله" رفض "إمام" لنظرية نقد عربية، وأعلن امتلاكه لتلك النظرية قائلاً:" من استثكروا علينا نظرية نقدية، أقول لهم إنني ألَفت نظرية نقدية عربية، كأننا مستكثرين على أنفسنا أن تكون نظرية أدبية لحضارتنا المترامية في الزمن، فلا نستغرب إذن أن تهب علينا رياح العولمة لتقتلعنا من أرضنا".
مائدة عامرة
الرهان الحقيقي لمسئولي المؤتمر، ومشاركيه كان على جلسة المائدة المستديرة، التي حملت اسم"الكتابة الجديدة ومساءلة الواقع السردى"، وضمت سبعةً من المبدعين الشباب ذوي الصلة الفاعلة في المشهد الإبداعي والنقدي هم: "محمد عبد النبى، طارق أمام، عمر شهريار، هويدا صالح، سهى زكى، منى الشيمى، وهدرا جرجس"، والذين قدموا رؤىً واقعية واعية للمشهد الحالي، اختلفت وتقاطعت، واشتبكت، لكنها تكاملت في النهاية، وحققت بانورامية امتدحها الحضور الذين اكتظت بهم القاعة، وعلى رأسهم الناقد د. أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة والذي أكد أنه دون أربع صفحاتٍ من الملاحظات حول تلك الجلسة، لكنه لم ينج من الخلط بين ثلاثة مفاهيم هي: (الرواية الجديدة) و(الكتابة الجديدة)، و(السرد الجديد).
أهديت هذه المائدة لروح المبدعين الذين رحلوا مؤخراً: محمد حسين بكر، ومحمد ربيع، ونعمات البحيرى، وخيرى عبد الجواد، وأضيف إليهم ــ بناءً على طلب الكاتب "حمدي أبو جليل"ــ الشاعر أسامة الديناصوري.
لكن أهم ماميز تلك الجلسة، ومن قبلها جلسة الشهادات التي ضمت المبدعين: د.سيد البحراوي، د.زين عبد الهادى، هالة البدرى، محسن يونس، يوسف فاخورى، عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل، وأحمد والى" هو انحراف المتحدثين عن موضوعاتهم المنشورة بكتب ونشرات المؤتمر، والتي طولبوا فيها بالإيجاز، وعدد محدد من الكلمات، وكأن هذا تمرداً ضمنياً لفرسان الكتابة على كل السياقات الجاهزة، والمقيدة، فبات أضعفهم هو من قرأ بحثه السابق دون جدلٍ أو ارتجال.
آخر جلسات المؤتمر، رغم خصوصيتها، تناولت الظاهرة الأدبية في مطروح، من خلال ثلاثة أبحاث تناولت الحكاية الشعبية، والرواية، والشعر البدوي في مطروح للباحثين حمدي سليمان، ممدوح فراج النابي، وفارس خضر، وشهدت حضوراً كبيراً من مبدعي المحافظة الذين تفاعلوا مع الباحثين قبل وبعد الجلسة.
وكتقليدٍ ثابت، اختتم المؤتمر بعدة توصياتٍ تلخصت في: استمرار رفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، المبدأ الذي انطلق من إحدى دورات المؤتمر عام 1984، وصار تقليداً ثابتاً لمجمل الدول العربية، وكفالة حرية التعبير لكافة مبدعي مصر، ورفع كافة أشكال الرقابة، والدعوة إلى توحيد صفوف القوى الوطنية بفلسطين والعراق، ورفض تعنت المؤسسات الحكومية في توفير الرعاية الصحية للكتاب والمبدعين، وتلبية الاحتياجات الثقافية للمناطق الحدودية والنائية، ودعم الفنان فاروق حسني لتولي رئاسة اليونسكو.
أخيراً ومالا يمكن تجاهله هو استمرار انفصال أغلب كتاب الأقاليم عن تلك الرحى الدائرة، والنظر إليها باعتبارها "لوغاريتمات"، والاكتفاء بتحريك رؤسهم، أو التعصب للمواريث القديمة في الكتابة، والأسماء القديمة، والتقنيات الكلاسيكية، حيث آخر ماقرأوا، أو تواصلوا، وهؤلاء هم من اكتظت بهم أمسيات الشعر والقصة، التي تزامنت مع بعض الجلسات، كخيارٍ آخر للتفاعل بالمؤتمر، هذه الأمسيات التي كانت فعلاً ذكياً من "محمد أبو المجد" مدير الثقافة العامة بالهيئة، حال دون تهميش مبدعي الفنون الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة والشعر، في مؤتمر يحتفي بالسرد الروائي.
عزة حسين ــ جريدة الشروق
التسميات: صحافة
مرسي مطروح على انك غسلت روحى
مرسي مطروح لانك حويت كل هذا الفرح
وسأحكى لكم
فى ليلة باردة بدت المدينة خالية الا من صوت الرياح و انفاس الاسفلت تتجمع فى منطقة وسطى بين الندى والسراب ، لم يكن معنا الا نحن لم يكن لدينا الا مدينة ساحلية طردت سكانها تحت الاغطية واستقبلتنا حافية كبنت دبت الانوثة فيها فاحرقت حواف الليل بحرارة جسدها ، كانت طازجة كأن الله صنعها خصيصا لنا وكأن يده أنتهت من صنعها الان والان فقط.
نظرت الى ساعتى كانت الواحدة صباحا بتوقيت الفرح لم يكن فى السماء الا بعض السحب الصغيرة تختبر اشكالها وقدرتها على تكوين الاحاسيس، للسحب فقط تجسد الاحاسيس ، وتلقى ظلال ما يعتمل داخلك على صفحة السماء.
ولذلك كانت لكل منا اشكاله الخرافية التى ترسمها روحه على وجه الليل.
كانوا سبعة وثامنهم فرحهم ، و كان عليك ان تهذى وانت تغرف براحتيك من مجرات الجنون التى اقتربت منا كثيرا وعليك ان ترقص
بأقصى ما لديك من موسيقى بدائية سكنت روحك لحظة تخلقها وعليك ان تغنى كانك تحارب فيك الخرس ، تشعل حواسك الى أقصاها كأنك تجرب الحواس خوفا من ان تكون احداهن قد عطبت منك فى الطريق ،
كما تقف امام بائع الكهرباء تجرب جهازا جديدا وتستعرض امكانياتة وترفع صوت غنائه حتى اقصاه وتظل تجرب اقاصى كل شئ كان عليك ان تفعل ذلك مع نفسك وتقول فى سرك : " حسنا كل شئ يعمل بكفاءة أذا اوافق على ان اقضى بقية عمرى فى هذا الجسد"
لكن الاجمل انك لم تفعل ذلك بمفردك كان معك اصدقائك الذين قالوا : خيرا ما فعلت مبروك عليك ذاتك وصكوا معك عقد امتلاكك لروحك وقدرتك على استدعاء مطرا خصوصيا . ورجعتم تمسكون سبعة صكوك ويتنزل عليكم سبعة امطار خصوصية لكنا من فرط اختلاطها ظننا انها واحدة .