في الدورة الـ23 لمؤتمر أدباء مصر:
المبدعون ينحرفون عن النص، واستمرار عزلة كتَاب الأقاليم
شلبي يعلن دولة السرد الروائي وعبد الله يعلن إنجاز نظرية عربية
)ة)؛ التاء المربوطة المحذوفة أو المضافة لـكلمة"جديد" بعد أسئلة السرد
موضوع الدورة الثالثة والعشرين لمؤتمر أدباء مصر، كانت سؤالاً جوهرياً طرحه الباحثون والمشاركون في المؤتمر، في جلساتهم ومداخلاتهم وأحاديثهم الجانبية.
هل ما يُكتب ويُنشر، ويُحتفى به، ويُشتبك معه، ويُنكر، ويُؤكد، هل فيضان الحكي والتلقي والتفاعل، هل كل ذلك سردُُ جديد، أم أسئلة جديدة لموضوعٍ وجودي ولا نهائي هو السرد؟
الجانب الآخر من السؤال الملغز حقاً، هل هذا السرد الجديد صناعة و ملكية الكتَاب الجدد من الشباب التسعينيين وكتاب الألفية الجديدة، أم هو السرد المغاير حتى وإن اكتشف لدى الستينيين أوالسبعينيين ومن سبقهم أو تلاهم بأجيال؟
أخيراً هل المارد الطيع المسمى بالسرد، هو السرد الروائي المتمتن على الساحة الإبداعية الآن، ويضيق بالسرد القصصي، أم يتسع ليشمله، ومعه أيضاً السرد الشعري، خاصةً بعد مقاربته لفن النثر عبر قصيدة النثر، وغيرها من تقنيات الكتابة؟
مابين تقنين المفهوم وانسيابيته، ومابين محدودية أنواعه ولانهائيتها دارت المحادثات والمشاركات وحتى المشادات، هناك بمدينة مطروح الآسرة، شكلاً ومضموناً، والتي استبقت كل ذلك الجدل بحفل استقبال خاص، قُدم خلاله شاى الزردة المطروحي، وعروض فنية لفرقتى سيوة ومطروح للفنون الشعبية، ونصبت الخيام عارضةً بعض الصناعات والمشغولات البدوية.
وبدأ المؤتمر..
بكلمته التي تصدرت الجلسة الافتتاحية كأمينٍ عام، قشر الروائي الناقد "سيد الوكيل" المؤتمر من رسميته، كفعاليةٍ أنتجتها إحدى مؤسسات الدولة، بالتشديد على رفض أشكال الوصاية والرقابة والمصادرة كافةً، وأهمها تلك الإجراءت "السياحكومية"، مؤكداً على قدرة السرد الجديد الموزع بين مختلف أشكال التعبير، والوسائط الناقلة، خصوصاً الأفضية التكنولوجية الحديثة على إظهار عبث استمرار تلك الإجراءات، مستشهداً بنجاح "شهرزاد" في مقاومة نزق السلطة، وشهوة الانتقام بالحكاية.
أما الروائي الكبير"خيري شلبي" رئيس المؤتمر، فقد أعلن قيام دولة السرد الروائي، ونصب على عرشها جيله من كتاب الستينيات، بدوره الذي حول الرواية ــ في رأيه ــ لديوان العرب، قبل أن تصبح حالياً ديواناً للعالم.
وهاجم "شلبي" بشدة جهاز التليفزيون، واصفاً إياه بقاطع طريقٍ يشن حروباً مجانيةً على الحياة. وحمله مسئولية تنسيخ البشر، وتمديد أسطح الكراهية بينهم، لكنه أكد على أن الرواية هي الفن الوحيد القادر على مقاومة ذلك المارد، وتغذية الذات الإنسانية بمشاعر المقاومة والوعي بواقعها، وإطلاعها على جوهر المسائل وحقائق الأمور، وتنبيهها إلى قواها الخفية.
وقدمت مداخلة الناقد "سيد إمام" "مدخل إلى نظرية الحكي"، والتي تصدرت أولى الجلسات البحثية في المؤتمر "السرد الجديد وإشكالية المفهوم" فرشة نظريةً وافية لعلم السرد وتطوره، على أهميتها، حال طابعها النظري دون تواصل بعض المشاركين معه، ما دفع إلى مطالبة بعضهم بنظرية نقد عربية "يفهمونها"، وهو ما أزعج "إمام" وجعله يشدد على إنسانية العلم وتراكميته، والمطالبة بالإضافة للمنتج العالمي والتواصل معه بدلاً من المطالبة بشيئٍ غير منطقي.
هذه الواقعة التي برزت في الجلسة الأولى كانت مدخلاً مباشراً للجلسة الثانية، التي ترأسها الناقد "د. محمد حسن عبد الله"، وشارك فيها الباحثان "د.سيد ضيف الله" و"د. أحمد عبد المقصود"، وتغيب عنها الناقد أ.د محمد عبد المطلب"، إذ انتقد "عبد الله" رفض "إمام" لنظرية نقد عربية، وأعلن امتلاكه لتلك النظرية قائلاً:" من استثكروا علينا نظرية نقدية، أقول لهم إنني ألَفت نظرية نقدية عربية، كأننا مستكثرين على أنفسنا أن تكون نظرية أدبية لحضارتنا المترامية في الزمن، فلا نستغرب إذن أن تهب علينا رياح العولمة لتقتلعنا من أرضنا".
مائدة عامرة
الرهان الحقيقي لمسئولي المؤتمر، ومشاركيه كان على جلسة المائدة المستديرة، التي حملت اسم"الكتابة الجديدة ومساءلة الواقع السردى"، وضمت سبعةً من المبدعين الشباب ذوي الصلة الفاعلة في المشهد الإبداعي والنقدي هم: "محمد عبد النبى، طارق أمام، عمر شهريار، هويدا صالح، سهى زكى، منى الشيمى، وهدرا جرجس"، والذين قدموا رؤىً واقعية واعية للمشهد الحالي، اختلفت وتقاطعت، واشتبكت، لكنها تكاملت في النهاية، وحققت بانورامية امتدحها الحضور الذين اكتظت بهم القاعة، وعلى رأسهم الناقد د. أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة والذي أكد أنه دون أربع صفحاتٍ من الملاحظات حول تلك الجلسة، لكنه لم ينج من الخلط بين ثلاثة مفاهيم هي: (الرواية الجديدة) و(الكتابة الجديدة)، و(السرد الجديد).
أهديت هذه المائدة لروح المبدعين الذين رحلوا مؤخراً: محمد حسين بكر، ومحمد ربيع، ونعمات البحيرى، وخيرى عبد الجواد، وأضيف إليهم ــ بناءً على طلب الكاتب "حمدي أبو جليل"ــ الشاعر أسامة الديناصوري.
لكن أهم ماميز تلك الجلسة، ومن قبلها جلسة الشهادات التي ضمت المبدعين: د.سيد البحراوي، د.زين عبد الهادى، هالة البدرى، محسن يونس، يوسف فاخورى، عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل، وأحمد والى" هو انحراف المتحدثين عن موضوعاتهم المنشورة بكتب ونشرات المؤتمر، والتي طولبوا فيها بالإيجاز، وعدد محدد من الكلمات، وكأن هذا تمرداً ضمنياً لفرسان الكتابة على كل السياقات الجاهزة، والمقيدة، فبات أضعفهم هو من قرأ بحثه السابق دون جدلٍ أو ارتجال.
آخر جلسات المؤتمر، رغم خصوصيتها، تناولت الظاهرة الأدبية في مطروح، من خلال ثلاثة أبحاث تناولت الحكاية الشعبية، والرواية، والشعر البدوي في مطروح للباحثين حمدي سليمان، ممدوح فراج النابي، وفارس خضر، وشهدت حضوراً كبيراً من مبدعي المحافظة الذين تفاعلوا مع الباحثين قبل وبعد الجلسة.
وكتقليدٍ ثابت، اختتم المؤتمر بعدة توصياتٍ تلخصت في: استمرار رفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، المبدأ الذي انطلق من إحدى دورات المؤتمر عام 1984، وصار تقليداً ثابتاً لمجمل الدول العربية، وكفالة حرية التعبير لكافة مبدعي مصر، ورفع كافة أشكال الرقابة، والدعوة إلى توحيد صفوف القوى الوطنية بفلسطين والعراق، ورفض تعنت المؤسسات الحكومية في توفير الرعاية الصحية للكتاب والمبدعين، وتلبية الاحتياجات الثقافية للمناطق الحدودية والنائية، ودعم الفنان فاروق حسني لتولي رئاسة اليونسكو.
أخيراً ومالا يمكن تجاهله هو استمرار انفصال أغلب كتاب الأقاليم عن تلك الرحى الدائرة، والنظر إليها باعتبارها "لوغاريتمات"، والاكتفاء بتحريك رؤسهم، أو التعصب للمواريث القديمة في الكتابة، والأسماء القديمة، والتقنيات الكلاسيكية، حيث آخر ماقرأوا، أو تواصلوا، وهؤلاء هم من اكتظت بهم أمسيات الشعر والقصة، التي تزامنت مع بعض الجلسات، كخيارٍ آخر للتفاعل بالمؤتمر، هذه الأمسيات التي كانت فعلاً ذكياً من "محمد أبو المجد" مدير الثقافة العامة بالهيئة، حال دون تهميش مبدعي الفنون الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة والشعر، في مؤتمر يحتفي بالسرد الروائي.
عزة حسين ــ جريدة الشروق
التسميات: صحافة
0 تعليق:
إرسال تعليق