لتستهلك طاقتنا فى الكلام بدلا من الإنتاج الإبداعى
فمن كاتبة تعتبر جيل التسعينيات هو مخترع الكتابة والرواية الجديدة
وأخرى تعتبر جيل التسعينات لم يترك سوى ميراث ضحل وبالمرة الثمانينيات
ومن قبل كل هذا كان كتاب الثمانينيات يعترضون على الستينين ويعتبرونهم كهنة ماضويون
وهكذا نفى الأجيال بعضها لبعض مستمر
وحتى هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الجيل الأحدث
فبعد عشر سنوات سيظهر جيل جديد وينفيهم
أنها ثقافة نفى الآخر التى تعكس حقيقة واحدة هى أن حيز الحياة الأدبية ضيق جدا ، وأن عليك أن تدفع بجارك إلى الخارج لتبقى أنت فى الضوء
الغريب أنه كان هناك مبرر عند الأجيال لسابقة لهذا التفكير
فالحيز كان ضيقا بالفعل
وفرص النشر والتعبير عن الذات كانت محدودة جدا
أما اليوم فبفضل وسائط الاتصال التكنولوجية أصبح كل شيء متاح وممكن
عشرات من دور النشر مئات الصحف والقنوات التلفزيونية وملايين المواقع على الأنترنت
ومازلنا ننفى بعضنا بعضا
فماذا يعنى هذاالتناقض الغريب ؟
أنا مندهش لأديب شاب يعتبر نفسه كاتب مابعد حداثى ، وأن كتابته فقط هى الكتابة
وهو لايعرف أن أول مفاهيم مابعد الحداثة هى التعدد والتجاور وليس الأحادية ونفى الآخر
وأن سمة مابعد الحداثة هى التداخل والسيولة ، وعدم خطية الزمن
أى أن الزمن لايمضى فى خط واحد إلى الأمام بالضرورة
ولهذا جاءت مابعد الحداثة محملة بكثير من الأصوليات ،
سواء الدينية أو الثقافية وطبعا هما لاينفصلان باعتبار الدين ثقافة
لماذ يعود شباب جديد إلى قصيدة التفعيلة التى تجاوزها الثمانيون
بل ويعود إلى القصيدة العمودية التى تجاوزها الستينيون
فلونظرنا إلى تجربة أحمد بخيت الشعرية سنرى أنها ارتداد إلى القصيدة القديمة ، وتقويض لقصيدة السبعينين ، ومع ذلك فبخيت شاعر جماهيرى وحلم لكثير من الشعراء الجدد
لماذا تعود زائقة قراء الرواية إلى الوراء خمسين سنة ، ويصبح علاء الأسوانى أشهر روائى فى مصر رغم أن تجربته بالكاد لاتتجاوز إحسان عبد القدوس
المسألة ببساطة هى أننا نعيش مابعد الحداثة
يعنى كله ماشى كما قالها منظر مابعد الحداثة المصرى إيهاب حسن
فهل يجرؤأحد فى عصر مثل هذا أن يقول أن فلانا هو الآفضل أو جيلا أفضل من جيل
أو أن رواية ما هى اول رواية تمثل الرواية الجديدة ؟
الجديد في الرواية دائما وفي ظني المتواضع أنها تعبير عن روح العالم في حقبة ما، هذه الحقبة التي تتكرر دائما وتكررت من قبل آلاف المرات، لكنها أي الحقبة ترتدي ثيابا جديدة دائما.
إن الدفاع المستميت من شباب الكتاب عن كتابتهم الجديدة سيقابله بعد حين دفاع مستميت ممن أصغر منهم سنا بأنهم لم يأتوا بكتابة جديدة وبأنهم أصحاب الكتابة الجديدة، فيما سيجابههم أيضا دفاعا مستميتا من الجيل الأسبق بأنهم أصحاب الكتابة الجديدة أو أن كتابة الجيل الأحدث ليس فيها جديد؟ إنها المعضلة الانسانية للسرد في كل جيل سواء كان هذا الجيل يقاس بعشر سنوات وفقا لمنحى الكتابة، أو للتاريخ البيولوجي للجيل وأعنى به خمسة وعشرون عاما.
لا أبحث هنا عن من يتفق أو يختلف معي، لكنها جدلية التاريخ تفرض نفسها وفقا لهيجل من جانب، والرؤية الكلية للعالم في لحظة معينة هي مايميز العمل الروائي في كل عصر، فالعلم لايستطيع أن يقدم رؤية كلية إلا في اتجاه خطي أحادي معين، هذا العالم المهووس بقدراته المعرفية، في تلك اللحظة التي يشتد فيها الهوس تصبح الرواية نبيا جديدا يضع أيادينا على أماكن التقيح في الحضارة الانسانية، فوفقا لهيرمان بروخ أن الرواية تملك مبررا للوجود يفوق العلم وأي شكل فني أو أدبي آخر، حيث كان يكرر باستمرار أن اكتشاف مايمكن للرواية وحدها أن تكتشفه؛ هو ذا مايؤلف وجود الرواية.
إن حديث بعض الأصدقاء والصديقات اللطيفات عن اكتشافاتهن أو اكتشافاتهم في الكتابة الجديدة في الرواية حديث ينقصه المبرر التارخي، والعلمي والوجودى ومبني على نماذج لم تتجاوز بعد طور التكوين، ولم تضح حتى ملامح تجربتها!.
ماأريد قوله ألا نذبح شباب الكتاب بادعاء أنهم لم قدموا جديدا، بالعكس أعتقد أنهم قدموا جديدا في التعبير عن روح عصرهم هم وربما تمثل رواية أحمد العايدي "أن تكون عباس العبد" نموذجا يمكن الاعتماد عليه هنا على سبيل المثال لا الحصر، فيما قدم سعيد نوح نموذجا جديدا تماما في الكتابة في "ملاك الفرصة الأخيرة"، ولكن العشر سنوات القادمة قد دخلت غرف نومنا جميعا، ومعنى ذلك أننا يجب أن نستمع للجيل القادم أيضا، الذي سينادي بكتابة جديدة مغايرة، لقد ظلمنا الرواية المصرية بمصطلح جيل الستينيات، وبالمصطلحات الزمنية التي سيقت لتعبر عن نوع من الشوفينية في الرواية المصرية، كأن الجميع يبحث عن قطعة الأرض التي حررها من (مدعي الكتابة الجديدة) من الجيل السابق، وأصبح تجاور الأجيال كفرا بينا.
في ظني أيضا أن التعبير عن روح العالم في حقبة زمنية محددة هي التزام كاتدرائي من قبل كل جيل يأتي، بعض الأجيال تفشل لاعتبارات تتعلق بمساحة الحرية، ووطأة الالتزام، والخوف والقهر، لكن ذلك لم يمنعها من الانتاج، هذا الانتاج الذي له معايير كثيرة يمكننا القياس على أساسه، ومادامت اختلفت المعايير والقضايا والبيئة والظروف فليس معنى ذلك أن هذا الفشل هو فشل تعبيري، إنه فشل في التوصيل فقط، لأن الوعاء الذي يحمل الفكر لم يكن متاحا بدرجة كافية!
من اللافت للنظر أيضا أن تعبير الكتابة الجديدة يرتبط في أحد محاوره بظهور مجتمع المعلومات الذي اعترف به العالم في السنوات الأخيرة، أوهي نقلة لم تحدث في التاريخ الحضاري للإنسان منذ ظهر على الأرض إلا مع ظهور وتطور أدوات الكتابة، لم يكن لهذا المجتمع تأثير على قنوات الاتصال والوصول للمجتمع القارئ أكثر من أي تطور آخر حدث في التاريخ، هذه هي الظروف الحاكمة والاستراتيجية، ومع ذلك فكل الأجيال تقف الآن جنبا إلى جنب على شبكة الإنترنت.
لم أفهم لماذا هذا الصراع، أم هي رغبة في إزاحة البعض عن قطعة من الأرض لتحريرها من مفسدي الكتابة في الأجيال السابقة التي تتمحك في الكتابة الجديدة!
ليس فكرا.. وإنما خناقة على قطعة من التورتة
إلى طارق إمام ومحمد عبد النبي طبعا
وصديقتى الرائعة نهى محمود .. بس من غير كراكيب
أفرح جدا عندما أرى المبدعين يقولون أراء نقدية ، ويمارسون حقهم فى تقييم تجاربهم وتجارب الآخرين .
أفرح جدا عندما أرى مبدعا يمتلك وعى نقدى وفكرى يمكنه من الدفاع عن مفاهيمه للسرد . لأن هذا يعنى أنه ليس مجرد حكاء حواديت بل مثقف ومسيطرعلى المعرفة ، ولأن الكتابة تحتاج دائما إلى معرفة عميقة بالعالم وإلا جاءت تافهة وهبلة .
لهذا أفرح جدا كلما قرأت أو سمعت مداخلات ثقافية أو فكرية أو نقدية لطارق أمام ومحمد عبد النبى وأعتبرهما مثقفين حقيقين ومبدعين مهمين فى نفس الوقت .
مثل هؤلاء الكتاب يشعروننى بالفرح لأنى اخترت أن أكون مثلهم ، رغم أن القدرـ فقط ـ جعلنى أسبقهم فى رسم صورة المبدع الجديد الذى أؤمن به .
عندما خضت التجربة الثقافية والنقدية من غير أن التفت إلى تحذيرات البعض من أن يؤثر هذا على تجربتى الإبداعية ، ووصل الأمر إلى السخرية عندما قال أحدهم : سيد الوكيل قلب لمفكر ، وكأنه يجب على أن ألغى عقلى حتى أكون مبدعا .
ما أعنيه أن :
الإبداع الجديد ليس مجرد طريقة جديدة فى كتابة السرد أو الشعر ، بل هو قدرة على التفكير الديناميكى والمتجدد.
فطرائق السر الجديدة موجودة دائما فى كل زمن ، ثم تصبح قديمة بمرور الوقت . وما أحدثته من تجديد فى روايتى فوق الحياة قليلا أثار الدهشة وقتها واعتبر بداية للرواية الجديدة ، أما الآن فبعد مرور عشر سنوات عليه ، صار شائعا ومنتشرا ومبتذلا ولامعنى له، حتى أننى أرفض أن أكتب مثله الآن . وهكذا يحتاج المبدع درجة كبيرة من الوعى والمعرفة ليظل ساردا جديدا ومتجددا .
السرد الجديد هو ابن زمنه ولحظته ، ولا يوجد سرد جديد للأبد .
لهذا فالحاكمية للمبدع نفسه وليس للسرد أ أقصد لوعى وثقافة المبدع.
فالمبدع المثقف الذى يمتلك وعيا متجددا ، يمتلك أيضا رؤية موسوعية شاملة ، تجعله قادرا على فهم الماضى بدرجة أعمق ، والنظر إلى المستقبل بدرجة أبعد .
ومثل هؤلاء لايتورطون فى أحكام القيمة المطلقة ، كتورط إبراهيم فرغلى بالسخرية من كتاب القصة القصيرة وإعلان موتها ، أو كتورط نهى محمود بأن جيل الثمانينيات والتسعينيات جيل ضحل . وتورط سحر الموجى بأن كتاب جيلها ( التسعينيات ) هم أصحاب الكتابة الجديدة ، وهكذا فإن مثل هذه التصريحات لاتعكس سوى مجرد خناقة على تورتة الكتابة الجديدة .
فقط أردت أن أقول : إن الأراء النقدية والمداخلات الفكرية ورطة لصاحبها، تحتاج منه أن يكون شديد الحذر قبل إطلاق مقولاته بثقة .
أخطر شيء فى حياتنا هو أننا نطلق المقولات بثقة ، بما يعنى أننا فقدنا فضيلة الشك ، والشك هو أول خطوة فى تفكير نقدى وثقافى جديد . ومن ثم إنتاج سرد جديد .
مما يدهشنى أننا الآن نتكلم عن اللايقينية ، وما بعد الحداثة ، لكن مقولاتنا تفتقد التفكير المابعد حداثى ، وتمتلك اليقين ، وتنزع إلى تثبيت اللحظة المعاشة وتضعها فى حيز الإطلاق وكأنها قرآن لايأتيه الباطل من أى جهة لامن يمينه ولاشماله ولامن بين يديه .
التفكير المابعد حداثى يقتضى التعدد والتجاور وليس نفى الآخرين
التفكير المابعد حداثى يقتضى الشك ورفض اليقينيات والمطلقات .
التفكير ما بعد الحداثى يقتضى التجريب والمراجعة المستمرة للمقولات التى ننتجها .
التفكير المابعد حداثى يقتضى التفكيك وخلخلة الثوابت ، وليس استبدال الثوابت القديمة بأخرى جديدة .
والتفكير القديم هوالذى استبدل زمن القصة فى عصر يوسف إدريس بزمن الرواية بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل .
والتفكير القديم هو الذى استبدل أيقونات جيل الستينيات بأيقونات جيل التسعينيات ، وهونفسه التفكير الذى يسعى لإنتاج أيقونات جديدة فى الألفينيات.
التفكير القديم هو التفكير الضيق الذى ينحصر فى معانى ضيقة مثل الجيل أو الزمن أوالقيمة أو الأهمية أو الريادة .
وكما ترون ، كلها معانى مطلقة ومطاطة ، ويمكن أن نطلقها على أى شخص وأى زمن . وأى عمل . مثل هذا التفكير لايرسخ سوى للأحادية ، ولا ينتج سوى الأيقونات ، إنه فى الحقيقة تفكيرالنصف الأول من القرن الماضى ، الذى أنتج الزعامات الكبرى : عبد الناصر فى السياسة ، وأم كلثوم فى الغناء ، وصالح سليم فى الكرة ، ويوسف إدريس فى القصة ....إلى آخرمثل هذا الكلام الكبير جدا .
عموما ، وانطلاقا من حمى التنظير للرواية الجديدة ، وانطلاقا أيضا من فكرة أن مصطلح الرواية الجديدة ليس مصطلحا جديدا فقد طرح من قبل في الرواية الفرنسية ، فلم يعد ينفع أن نطلقه على الرواية في لحظتها الراهنة ، فلنقل السرد الجديد ، وهذا مصطلح أقرب للتصديق ، لأن السرد الآن يراوغ بين القصة والرواية والشعر ، سرديات متجاورة أحيانا ومتتابعة أحيانا ، سرديات صغيرة ، أو حلقات سرد أو حلقات قص ، .
تحولت الرواية إلى جسد كبير متسع لكل صوت ولكل شكل سردي ، استطاعت أن تحتوي حتى المعرفة والوثائقية والتأريخ ، فهل نقول الآن رواية جديدة ، أم نقول سردا ونخرج من المأزق ؟
عموما التسريد الآن أصبح يدخل في كل شيئ حتى تسريد التاريخ ، وكما قال إدوارد سعيد ما الأمم إلا سرديات كبرى !
ولو حتم علينا أن نطلق مصطلح الرواية متبوعا بوصف ما فكان الأولى بنا أن نطلق على السرديات التي تقدم في اللحظة الراهنة رواية ما بعد الحداثة ، وإن كنت أيضا أتحفظ على مصطلح رواية ما بعد الحداثة لأن السرد الجديد يعكس بعض تجليات ما بعد الحداثة ، لكنها لا تكتمل في السرد أو لا تشكل تيارا ، بل هي بعض التجليات التي انعكست في السرد .
لجريدة الوسط الكويتية
1ـ كناقد مهتم بالأعمال الروائية للروائيين الشبان ، ما رأيك فى مصطلح الكتابة الجديدة ، ومدىانضباط المصطلح ، وهل ينسحب على كل كتابات الشباب ؟
ـ الرواية الجديدة مصطلح مائع شأنه شأن زمن الرواية ، فالجدة والزمن أشياء ليست محددة ولا معيارية ، ففى كل زمن ستجد رواية يقال إنها جديدة ، كما أن التجديد ليس شيئاً واحداً ولا كليا ، إنها عمليات صغرى من الهدم والبناء تمتد فى الزمن ، والناقد عليه أن يلاحظ هذه العمليات بدلاً من الانشغال بمصطلحات كلية تختزل وعينا بالحراك الإبداعى . فالأدب ذو طبيعة تراكمية ، والمشهد الأدبى الان فى حال لم يشهدها من قبل ، فيه تعدد هائل وسيولة عجيبة تجعل أحكام القيمة بلا معنى ، وتربك أى محاولة للتصنيف ، فأنت لاتعرف من الذى يحدد قيمة العمل الأدبى ، القارىء أو التوزيع ، أم الإعلام الذى يروج لنصوص وكتاب بعينهم ، أم الناقد الذى تقوقع فى الأكاديميات ، أم الجوائز التى تمنح بدون انتقاء ومن قبيل الوجاهة الثقافية ، ونتيجة لهذه الفوضى فالكثير من الكتابات تمر بوصفها كتابة جديدة بينما يعوزها دليل على ذلك .
2ـ أنت من المهتمين بالنقد الثقافى بشكل خاص ، فما هى الفروقات بين النقد الثقافى والنقد الأدبى ؟
ـ النقد الثقافى يمارس قدرا واسعاً من التفكيك لكثير من الثوابت التى عاشت فى التاريخ بوصفها حقائق لاتقبل الشك فيما نجد أن أكثرها أوهام ، فمثلا : النقد الثقافى يكشف لنا كيف صنعنا صورة المرأة فى التاريخ بوصفها آخر أو تابعا، وعندما نكتشف سر صناعة ما فنحن نكتشف ما تنطوى عليه من مغالطات ।
أما النقد الأدبى فهو ابن شرعى للميتافيزيقا الغربية ووفى لها منذ أرسطو ، وهو يعمل على تثبيت قيمها دونما اعتداد بالآخر أو العالم خارجها ، فتاريخ قهر المرأة فى العالم عاش فى الميتافيزيقا الغربية ، وقد ثبتته الحداثة الغربية ضمن منظومة الثنائيات التى صنعتها مثل : الأنا والآخر والروح والجسد والعقل والمادة إلى آخره ، وهى كما ترى ثنائيات تقسم العالم إلى خير وشر أو مفضل ومفضل عليه ، وفى النقد الأدبى ستجد أن الموضوعى مفضل على الذاتى ، لكن الذات ـ فى حقيقة الأمر ـ هى مكون ثقافى ، فكيف تستطيع الثقافات غير الغربية أن تعبر عن نفسها مالم تضع اعتبارا للذاتى ، أو مالم تتعامل مع نفسها بوصفها أنا وليس آخر تابعاً كما يريد الغرب أن يرسم صورتها ؟ إن النقد الثقافى يحترم الخصوصيات الثقافية ويضع المبادرة فى يدها .فالذين أنفقوا عمرهم سدى بحثاً عن نظرية عربية للنقد ، يمكنهم أن يمارسوا نقداً عربيا من خلال النقد الثقافى ، فالنقد الثقافى ليس نظرية بل ممارسة ثقافية واسعة .
3ـ فى روايتك ( فوق الحياة قليلا ) نراك مهتما بالاشتغال على مجتمع المثقفين والأدباء ، أليس هذا تضييقاً لعالمك الروائى ؟
ـ جرت العادة أن المثقفين يكتبون عن الناس بوصفهم آخر ، وهم بهذا يؤكدون عزلتهم من ناحية ، ومن الأخرى يؤكدون تميزهم كشريحة تمتلك سلطة ما ، هاتين الفكرتين من الأوهام الكثيرة التى أحاطت المثقف ورسمت صورته حتى أصبح سجينا لها ، وعندما أكتب عن الشريحة التى أنتمى لها فأنا أكتب عن ذاتى كمثقف ، ومن ثم أفضح أوهام هذه الذات ، وبالتالى أخرجها من عزلتها ، وأنت لاتستطيع أن تكتب عن الآخرين ما لم تكسر عزلتك عنهم .أو بمعنى آخر ، أنت لاتكتب عن جماعة من المهمشين لمجرد أن تلفت الانتباه إليها ، بل لتخرجها من عزلتها
ومن ناحية أخرى ، فإن مجتمع المثقفين مجتمع معقد مليء بالتناقضات ، ومن ثم فهو ثرى كمادة للكتابة ، بشرط أن تنظر إليه نظرة رأسيا لتكتشف مدى تعقد بنيتة وتجذرها فى التاريخ ، والكتابة عنه تحتاج إلى قدرة على تفكيك هذه البنية ، كما تحتاج إلى قارىء نوعى على وعى بأزمة المثقف وعلاقته بالسلطة و المجتمع بل و الكتابة نفسها .
غير أن أهمية هذه الرواية ليس فقط فى تفردها بفضح مجتمع المثقفين ، بل ـ أيضا ـ فى اعتمادها طرائق سرد جديدة ، تقوم على بناء الحدث ، ثم تعمل على فضح مغالطاته عبر التناص مع أعمال وأحداث مشابهة لمثقفين معروفين ، أو عبر المحاكاة الساخرة لها ، ولذلك كان حضورى الشخصى كناقد ومبدع داخل النص ضرورة تعكس رغبتى فى كسر عزلة المؤلف (الذى هو أنا ) عن نصه ، فأنا أعتقد أن أول خطوة يقوم بها الكاتب لكسر عزلته عن مجتمعه ، هى أن يكسر عزلته عن نصه .
********
4ـ فى مجموعتك مثل واحد آخر ، نراك تبنى الحدث وتفككه فى آن ، هل هذا يؤدى إلى تعقيد النص بشكل يبعده عن القارىء العام ؟
القارىء العام معنى غامض ، وكلى ، وعندما نفككه نجده يتألف من شرائح قراء مختلفين ، كل شريحة تحدد اهتمامتها وفقا لما تمتلكة من خبرة قرائية ومعرفية وجمالية ، وكلما زادت هذه الخبرة كانت الشريحة أضيق ، أى أنه ينتقل من قارىء عام إلى قارىء نوعى ، يختار ما يقرأ بإرادة وقصد ولا يقرأ كل ما يقدم له ، لكن هذه الترقى لايحدث إلا عبر تدريب وإرادة ، وفى مجتمعات تشيع فيها الأمية وتتصارع سلطات عديدة على توجيه وعى الناس فإن اكتساب قارىء نوعى عملية تنمو ببطء شديد ، وهكذا فقاعدة القراءة عندنا هى للقارىء العام ، وهناك فرق بين قارىء يختار كاتبه ، وقارىء يختاره الكاتب ويستهدفه لأى سبب حتى لو كان لمجرد البيع والتوزيع ، فالنوع الثانى هو واحد من الممارسات السلطوية التى يمارسها الكاتب بوصفه ذاتا والقراء آخرين يمكن ابتلاعهم ليسمن هو .
وما نقوله للقارىء نقوله للكاتب أيضا ، فالمفترض أن الكاتب تجربته تزداد عمقاً وتعقيدا مع الخبرة ، ولكن يحدث أن كاتباً لا ينجح فى إقناع شريحة نوعية من القراء لسبب ما ، وهذا يحدث دائما فى كل زمان ومكان ، فقارىء علاء الأسوانى الآن ، لايختلف عن قارىء إحسان عبد القدوس فى زمنه ، وهو أقرب إلى مانسميه القارىء العام الذى بدأنا جميعاً منه ثم تجاوزناه ، وأنا لاأقلل من شأن هذا القارىء أو الذين يكتبون له ، لأن التعدد والتجاور بين كل المستويات مهم جدا لسلامة الحراك الأدبى لكن التطور والترقى غريزة إنسانية أيضا ، ثم دعنى أسألك سؤالاً ساذجا ، إذا كانت قيمة رواية مثل عمارة يعقوبيان مستمدة من أن قارئها عام ، فهل ـ فى المقابل ـ مؤلفها كاتب عام ؟
********
5ـ أنت روائى وناقد وقاص ، كيف يمكنك الجمع بين هذه التوجهات المختلفة ؟ وهل ثمة تلاقح بيتها فى وعيك ؟
اشتغالى بالنقد جاء متأخراً ،فالإبداع عندى هو الأصل و ممارستى للنقد فى البداية كانت إبداعية ، بهدف تسخين المساحة الباردة بين النقد الأكاديمى والإبداع ، كان بينهما صراع كمؤسستين قديمتين ، مؤسسة العقل والعلم فى مقابل مؤسسة الحدس والحواس ، ومنذ الحداثة مثلت نظريات الأدب سموق العقل العلمى وسطوته ، وشيئا فشيئاً أدركت أن الصراع له صبغة سياسية / سلطوية ، يتجسد فى أيهما الذى يتبع الآخر ، فالناقد والمبدع تمثيل حي للثنائيات الضدية التى تملأ حياتنا الثقافية بالعنف مثل الأنا والآخر أو التابع والمتبوع ، فالناقد يمارس سلطة على المبدع بوصفه مرجعا ، والمبدع ينظر إلى الناقد على أنه مبدع فاشل ،وأنا شخصيا أفهم أن النقد والإبداع عملية واحدة متكاملة ومتفاعلة ، عندئذ انتبهت إلى أهمية تفكيك الطابع المؤسسى الذى يجعل كل منهما مستقلاً بذاته ، وكما يقول نيتشة : إذا أردت أن تفكك مؤسسة ما لابد أن تتموضع فيها ، لهذا عكفت على دراسة نظريات الأدب ، وكانت طريقتى فى تفكيك مؤسسة النقد بمدخولات إبداعية فيها ، فى مقابل مدخولات نقدية فى مؤسسة الإبداع ، ويمكنك أن تلاحظ أننى مارست هذا فى روايتى فوق الحياة قليلاً وكذلك مجموعتى القصصية مثل واحد آخر ، ففى كل منهما كنت أقيم نسقاً إبداعيا ، ثم أعيد تفكيكه وهدمه بإجراءات شبه نقدية ، يحدث هذا داخل الخطاب السردى فيغير من معنى السرد ويكسبه مرونة وحيوية، البعض يعتبر أن هذا أفسد تجربتى الإبداعية ، لكن يبدو أنه أفسد تجارب لآخرين ، فالرواية الجديدة تتجه إلى سرد لامخملى ، خادش ومقلق لمفهوم الرواية القديم الذى وقف عنده النقد العلمى ، لهذا فأنا لا أعتبر ( فوق الحياة قليلا ) رواية بالمفهوم الاصطلاحى النقدى ، وأستطيع أن أقول أنها أربكت النقاد ، لكنها لاقت قبولاً واسعا لدى الكتاب حتى أن الكتابة على طريقتها أصبحت شائعة
********
6ـ كيف ترى الأزمة الدائمة بين المبدعين والنقاد وشكوى المبدعين من أن النقاد يدخلون إلى النصوص بـ ( عدة النقد ) الجاهزة ؟
هذه الشكوى مرجعها إلى الصراع المؤسسى الذى أشرت إليه ، هل الناقد يقرأ النص من خلال أدواته هو ، أم عليه أن ينصت للنص وينطلق منه ؟ أو بتعبير آخر من منهما عليه أن يتبع الآخر ، وعندما ننظر إلى النقد والإبداع بوصفهما عملية وأحدة وأن العلاقة بينهما علاقة تفاعل وليس تبعية سوف تتوقف هذه الشكوى ، ولكن مازال الناقد الأكاديمى يمارس سلطته محتميا بميتافيزيقا العقل العلمى ، وهو ينظر إلى كل ممارسة نقدية غير أكاديمية بازدراء ، هناك ضرورة أن ترحب الأكاديميات بكبار المبدعين والمثقفين من غير الأكاديمين لكى يحاضروا فيها حتى يتخلخل النمط المؤسسى المغلق للأكاديمة ، وإلاستظل مجرد معابد قديمة تخرج المزيد من الكهنة الصغار ، ونتيجة لهذا فالمبدعون الجدد لايلتفتون إلى النقاد المهنيين ، إنهم يحتفلون بأعمالهم بطرق أخرى تماما ، مثلاً : المتابعات الصغيرة على صفحات الجرائد أو التعليقات على المدونات والفيس بوك على شبكة الأنترنت ، أو حفلات التوقيع ، أو توزيع البوسترات والإعلانات فى أماكن تجمع المثقفين غير المؤسسية مثل المقاهى والبيوت الثقافية الخاصة التى انتشرت بكثرة فى وسط القاهرة ، وفى هذه الأماكن سيسمعون أراء أكثر انطباعية وحرارة وعفوية بل وأكثر تفاعلية . لكن دعنى أقول أن النمط المؤسسى للأكاديميات فى بلادنا يعجل بموته .
*******
7ـ هل تعيش القصة القصيرة فى أزمة كما يقول البعض ، خصوصاً ولك كتاب نقدى مهم عن القصة القصيرة ؟
أنت تقصد كتاب (أفضية الذات ) ، أشكرك لوصفك له بأنه مهم ، لكن أهميته تكمن فى أنه يلفت الانتباه بقوة إلى اهتزاز عرش النقد الأكاديمى ، من خلال ممارسة عملية للتفاعل بين النقد والإبداع ، وهو أول من لفت الانتباه لتجاهل النقد لدور القصة القصيرة فى تغيير صورة الرواية الآن ، فالقصة القصيرة ومنذ نشأتها متمردة على التشكل والقولبة ، فيها مرونة مدهشة وقابلية عظيمة للتجريب ، وليس أدل على ذلك من حيرة النقاد فى تعريفها ، وهى نفسها نشأت فى أوروبا كثورة على نمطية الشكل الروائى ، ومع الوقت نجحت القصة القصيرة أن تسرب رهاناتها التقنية والشكلانية إلى الرواية فأحدثت فيها ثورة ، الآن الرواية نص مفتوح لكل الاحتمالات ، فأنت ترى شيوع أشكال سردية بينية مثل : المتتالية القصصية والنوفيلا وحلقات القص ، كما أن الرواية نفسها لم تعد سوى مجموعة موجات سردية تتابع فيما بينها بروابط فنية وموضوعية ، عموما ، فالقصة هى معمل التجريب لاستنباط طرائق جديدة من السرد ، والعلاقة بينها وبين الرواية علاقة تفاعل خصب موار ، وليست مجرد علاقة بين نوعين من جنس واحد أحدهما أفضل من الآخر ، لهذا فإهمال القصة القصيرة بدعوى أننا نعيش زمن الرواية ، هو نوع من الغباء لأنه لن يقضى على القصة فقط ، بل سيجفف منابع السرد الروائى أيضا . ويمكنك أن تلاحظ أن القصة القصيرة أكثر مغامرة فى التعاطى مع النشر الأليكترونى الآن ، فليس لديها تاريخاً من الأبنية العظيمة تخشى أن تخسرها ، بما يعنى أنها تدخل مرحلة جديدة سرعان ما تظهر ثمارها على الرواية أيضاً .
8 ـ كروائى ثمانينى ، ماهى أهم الملامح الجمالية للرواية الثمانينية ، وماهى علاقتها بما قبلها ؟
أنا فعلا بدأت الكتابة فى الثمانينيات ، لكن إصدارى الأول كان فى بداية التسعينيات لكن سؤالك له أهمية تاريخية ، مرحلة الثمانينات فى مصر كان لها طابع خاص ، فهى بداية الخروج من شرنقة هزيمة 67 وكان مقتل السادات نهاية لمرحلة ثورة يوليو وخطابها الثقافى ، ودخولنا مرحلة ضبابية ، مربكة ، كان هناك أدباء المراثى الناصرية موجودون ، واليسار يطلق مدافعه الأخيرة قبل الوداع ، موجات أصولية تزمجر بصخب وعنف ، ودعاوى لهوية مصرية كمخرج من أزمتى الأصولية الأسلامية والعروبة المنكوبة ، وفى هذا المعترك الذى كل أبطاله من الرديكاليين بدت مصر كحديقة للديناصورات ، وبدا صوت الإبداع الأدبى خفيضاً ، وكان من الطبيعى أن نتطلع إلى مرحلة جديدة تخرجنا كمبدعين جدد من كل هذا ، تستطيع أن تقول أن عقد الثمانينيات كان مرحلة مراجعة للذات، عميقة وشاملة ، ومع بداية التسعينيات ظهرت نتائج هذه المراجعة مدفوعة بحدثين مهمين هما : غزو صدام حسين العبثى للكويت عربيا وسقوط الاتحاد السوفيتى عالميا، ومحليا كان زلزال 1992 بمثابة رمز له أثر نفسى عميق ، لم تكن هذه الأحداث بالنسبة لنا صدمات تدخلنا فى شرنقة جديدة بقدر ماكانت مكاشفة لواقع مهترىء عالميا وعربيا ومحليا وهذا معناه أننا امتلكنا وعيا جديدا يجعلنا قادرين على تجاوز أزماتنا فلا نتوقف عندها كما توقف الستينيون أمام النكسة ، عندئذ حدث الانفجار الإبداعى الذى صمت طويلا ، أنا شخصيا أصدرت مجموعتى القصصية الأولى مع بداية التسعينيات ثم مجموعتى الثانية وروايتى الأولى فى منتصفها وكتابى النقدى الأول فى آخرها ،وتستطيع أن ترى أن معظم الإنتاج الأدبى للتسعينيات لكتاب بدأوا خطواتهم الأولى فى الثمانينيات التى كانت بمثابة عنق الزجاجة ، ونجاحنا فى الخروج منها هو أهم انجاز قدمناه للأجيال التالية .
9ـ إذا كانت الثمانيات مرحلة مهمة كما تقول ، لماذا لم يتم الالتفات إلى جيل الثمانيات ، فقد سقطوا بين السبعينين والتسعينين ؟
كما قلت كانت الثمانينيات مرحلة صراع القوى القديمة والكبرى ، وكنا صغارا ولم يكن مسموحا لنا أن نعلن عن أنفسنا بوضوح بين هذه القوى الكبرى ، صحيح أن من سقطوا من بيننا أكثر ممن سقطوا فى أى جيل آخر نتيجة لهذه الطروف ، لكن ها أنت ترانا موجودين الآن ، لقد بقينا رغم كل شيء ، أليست هذه بطولة فى حد ذاتها ؟ لاتنسى أننا الجيل الذى خرج من حرب أكتوبر بانتصار هو الأول من نوعه .
لكنى أرفض فكرة أن كل عشر سنوات يأتى جيل جديد بملامح جديدة ، إن التغيير والتجديد يحتاج وقتا فى مجتمعات تعانى القمع ،وما نسميه جيل الستينيات هو فى الحقيقة مكون من أفراد تشكل وعيهم فى الأربعينيات والخمسينيات فيما جنت الستينيات ثمار هذا الغرس ، نفس الأمر ، فالنقلة الإبداعية فى التسعينيات هى ثمار عقدين سابقين ، ولذلك أفضل استخدام كلمة المرحلة بدلا من الجيل لأنها كلمة تحمل أجيالا تنتمى لعقود متداخلة ، ولاحظ أن كل مرحلة تبدأ بحدث كبير وقد تنتهى بحدث كبير آخر ، وفى الماضى كان للأحداث المحلية والإقليمية تأثير مثل : ثورة يوليو ونكسة 67 وغزو صدام للكويت ، أما ألان ، فإن العالم أصبح قرية صغيرة ، لهذا فالأحداث العالمية مؤثرة بقوة ، كما أن التغيرات أصبحت سريعة نتيجة لتماهى حدود الزمان والمكان بفضل تكنولوجيا الاتصال ، وعلى الرغم من أن ضرب مركز التجارة العالمى وتداعياته الممتدة للآن حدث كبير أثر بقوة فى وعى هذا الجيل ، إلا أننى أزعم أن التغيرات التى حدثت نتيجة لشيوع الكمبيوتر ، ثم الهاتف لجوال أحدثت أثراً أكبر ، إن الإبداع الأدبى الآنى يستجيب بقوة لهذه المعطيات الجديدة ولاسيما أنها متداخلة بقوة كوسائط ثقافية ومعرفية ، ولم تعد الأحداث السياسية هى المؤثر الوحيد .
المجتمعات الثقافية عموما هى أكثر المجتمعات حساسية للتطور واستقبال الجديد، والمشهد الثقافى الآنى فى مصر يعيش لحظة فوضى خلاقة وأظنه كذلك فى أماكن أخرى ، وليس لتعبير ( فوضى خلاقة ) علاقة بكوندليزا رايس ، بل بما بعد الحداثة ومظاهرها على وسائط الاتصال التكنولوجية الحديثة ، فكل شيء يحدث هنا والآن ، أى مجردا من بعدى الزمان والمكان ، ولذلك هناك قدر هائل من التعدد والتجاور سواء على مستوى الأجيال أو على مستوى اتجاهات الكتابة ، فمن المدهش أن الستينيين موجودن بقوة وبعضهم قادر على تجاوز سمات الكتابة فى جيله ، فى مقابل شباب جدد يكتبون الرواية بطريقة الخمسينيات ، وهناك جمهور يحتفى بالأثنين معا ، كما يحتفى بالكتابة على المدونات وبروايات البوح واليوميات وبالروايات العالمية المترجمة ، وصدق أو لاتصدق ، أن الشباب الذى يحتفى ببهاء طاهر هو نفسه الذى يحتفى بروايات مثل ( رز بلبن وعاوزه اتجوز ، ويوميات أثنين مخطوبين وحب فى السعودية وغيرها كثير ) كما أن القصيدة العمودية تعود من جديد وتجد شبابا يكتبونها ويدافعون عنها بعد أن ظن شعراء قصيدة النثر أنهم دفنوها إلى الأبد ، القصد ، لم تعد هناك معيارية واضحة أو ذائقة واحدة حاكمة ففى ظل مابعد الحداثة ॥ كله ماشى ، ويمشى جنبا إلى جنب ، لذلك فالمستقبل ، من الصعب جداً التكهن به ، على الرغم من أنه قريب جدا ، فالتغير قد يحدث كل بضعة شهور ، لكنك لاتستطيع أن تتوقع طبيعته وإلى أين يذهب بنا ، فربما ظهور برنامج كمبيوتر جديد جدير بأن يحدث تغييرا واسعاً فى طرائق التعبير الأدبى ونوعيات الكتاب والمبدعين بل والقراء أيضا ولكنى أتوقع اختفاء مصطلحات قديمة مثل : الأديب والناقد والنوع الأدبى والجيل والقارىء العام ، إلى آخرهذه المصطلحات التى شغلتنا معظم حوارنا معا
من جروب مؤتمر أدباء مصر ننشر هذة الاخبار على مسئولية أحمد أبو المجد
"تقليب المواجع" هو عنوان المجموعة القصصية التى أهداها الأديب خيرى شلبى الى المؤتمر و التى طلب توزيعها في الأسواق مع الباعة حرصا منه على أن تصل إلى جميع قرائه.وقد وافق د. أحمد مجاهد على طلب خيري شلبي، وسيوزع الكتاب في السوق مع بداية المؤتمر وسيباع بسعر لا يتعدى ثلاثة جنيهات.
أعربت الروائية الدكتورة سحر الموجي عن سعادتها وترحيبها بأن تكون ممثلة لأديبات مصر في المكرمين لهذه الدورة، مقدرة لأمانة المؤتمر دورها الكبير في الوصول به إلى حالة نجاح متميزة، وقالت (في اتصال هاتفي مع مدير الثقافة العامة مساء اليوم) إنها ستشارك في المؤتمر بنشاط، وتحضر جميع أيامه لتوافق موعد المؤتمر مع نهاية الفصل الدراسي بالجامعة.
انتهى د. مصطفى الضبع، د. خالد سرور من تصميم الموقع الجديد لمؤتمر أدباء مصر، حيث من المتوقع بدء إطلاقه في أول ديسمبر، على أن يفتتح رسميا مع بداية المؤتمر.
ويقوم على الموقع فريق عمل يضم الشاعر عزت إبراهيم والشاعر حامد أنور، ومهندس الاتصالات والبرمجة محمد غريب، وجميعهم من العاملين في الهيئة.
أوشكت إدارة الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة على الانتهاء من طباعة كتب المؤتمر، حيث تنتظر وصول الأبحاث الثلاثة التي خصصت لمناقشة مبدعي مطروح، ومن المتوقع وصولها مع نهاية الأسبوع القادم. وبمجرد وصولها ستبدأ الهيئة على الفور في طباعة الكتب، حتى يتسنى لها الانتهاء من بقية تفصيلات تنظيم المؤتمر.
عن مشهد السردي في الكتابة الجديدة لجيل الشباب في مصر
0 تعليق مرسلة بواسطة كراكيب نـهـى مـحمود في 11:28:00 ملا ادرى إن كان ذلك عن وعي من الكاتب ولا ادري إن كان ذلك يحسب له ام عليه ، إلا ان الحقيقي تماما هو أننا نعاني من قصور وضيق في التجارب وإني لا اجد تفسير ما انجزه جيل الستينات من مئات الكتب في سنوات قليله بينما ينفق الكثير من الكتاب الآن سنوات طويله بين كتاب وأخر. هذا من حيث الكم لكن الامر بالطبع يختلف من ناحية الكيف المميز فيما يقدمه هذا الجيل .
وليست وصفة سرية لايعرفها إلا الكتاب الشبابا بل هى درجة من الوعى وحساسية فائقة للتجريب والتطور قد لاتتوفر عند كل كاتب وكما أن بين الشباب كتاب على قدهم وكتاب موهوبين، فأيضا بين الأكبر سنا نجد نفس الشيء. المشكلة فى تصورى مصرية بالدرجة الأولى، فلدينا هوجة من المبدعين الذين يفتخرون بأنهم لم يقرأوا لأحد، وأنهم لايقرأون فى الفكر والفلسفة حتى لاتفسد دماغهم، لأن دماغم متضبطة على روايتين لأصحابهم وسيجارتين حشيش ولابأس من وجود هؤلاء فقد كانوا موجودين فى كل زمن، لكن المشكلة أنهم الآن وبسبب اشتغالهم فى الصحافة وبعض منافذ النشر أصبحوا يفتون بالكلام ويقولون رأيهم بثقة غريبة.
يرى أن كتاب القصة دخلاء على الرواية، وهذا قول مضحك جدا
أنا كتبت القصة وكتبت الرواية وعدت للقصة من جديد والان أكتب رواية ، ولا أجد مشكلة فى الانتقال بين الأثنين لأن السرد هو إمكانية واحدة ومعايير الطول والقصر شأن مرتبط بزاوية النظر للموضوع وكثافة اللغة ، وتعدد روافد الموضوع واتساعه
كما أنى أرفض اعتبار الشعراء دخلاء على الرواية، وإذا تكلمنا بهذه الصيغة فمن الأولى أن نرفض الصحافيين الذين يكتبون الرواية أو القصة أو الشعر لمجرد انهم صحافيين ويعرفون الكلام والكتابة وعندى مشكلة فى فهم مقولة الدخلاء أصلا ، وكأن أحدا بعينه يمتلك توكيل الرواية والباقى دخلاء عليه هذا كلام يخلو من كل منطق، فأنا أعرف أن الآستاذ فرغلى له رواية حازت الإعجاب، ودخل عالم الروائيين بسببها ، ولكنه قبل ذلك لم يكن روائيا ولاحتى قاصا ، فهل طالبه أحد بشهادة خبرة روائية قبل أن يطلع علينا بروايته أو هل اعتبره أحد دخيلا ولو أخذتا الأمور بهذه الطريقة ، وطالبنا كل كاتب جديد بشهادة خبرة فى الجنس الذى يكتب، فمن الأولى أن كاتب القصة لدية خبرة سردية عن الذى لم يكتب من قبل ، ومع ذلك فالأستاذ فرغلى يعتبره دخيلا على الرواية. هذه المشكلة منشأها فى ذهنه أنه أسير المفاهيم القديمة التى تظن أن ثمة حدودا فاصلة بين القصة والرواية
وأنا اتحدى أى واحد يقول لى ما الذى يوجد فى الرواية ولا أستطيع أن افعله فى القصة غير الطول والقصر ، وكذلك العكس صحيح
أقول أن السرد هوجوهر التعبير الإنسانى الحديث ، وقد استفاد كثيرا من التقنيات ، والرغبة فى التجريب ، ومن ثم فممكنات السرد أصبحت كبيرة جدا ، ومتعددة إلى حد كبير ، حتى أن التدوين أصبح فرعا من فروع السرد شأن القصة والرواية والنوفيللا والمتتالية وحلقات السرد واليوميات والسير الذاتية والتقرير القصصى وغيرها من طرائق السرد وليست الرواية وحدها ، ولكن الجميع يكتبون على مثل هذه الأعمال روايات ، فقط ليمتلكوا جواز المرور والشهرة
وعموما فهذه المساحة الواسعة من التجريب السردى تتيح الفرصة لكتاب آخرين من حقول غير الرواية ليكتبوا ويعبروا عن نفسهم سردا ، فليست هناك وصفة للرواية وأخرى للقصة بل هناك إمكانات عديدة للتعبير السردى.
التجريب يعنى حرية ، وفتح الباب لرياح التغير والتطور.
أما إذا قتصرنا الأجناس الأدبية على مجموعة متخصصين فإنها ستتجمد ثم تموت كما مات النقد بسبب انحساره على نخبة الأكاديميين والمتخصصين
أخشى أن يأتى اليوم الذى نطلب فيه من المبدع شهادة خبرة فى النوع الذى يحب أن يكتب فيه وصحيفة سوابق تؤكد أنه لم يكتب فى نوع آخر من قبل وتصريح بالكتابة من الوكيل المعتمد للنوع الذى سيكتب فيه وياريت الأستاذ فرغلى يقول لنا من يمتلك توكيل الرواية فى مصر، لأنى أنوى كتابة رواية
بأقتراح من محمد عبد النبي وتأيد من العبد لله وموافقة أمين عام المؤتمر الأستاذ سيد الوكيل سندعو كثير من الأدباء الشبان للمشاركة فى المدونة بالتدوين حول أسئله السرد الجديد والتفاعل حول القضايا الادبيه المطروحة.
أول المنظمين الجدد هم
د.رحاب إبراهيم صاحبه مجموعة قصصية بعنوان "بنت عمرها عشر دقائق"
ونهى محمود صاحبة رواية " الحكى فوق مكعبات الرخام"
وعثرت على تدوينه تتحدث فيها هند هيثم وهى أديبه من اليمن عن زمن الروايه فى مدونتها"تصدعت المرأه"وهى متصلها بالمبحث الذى فتحه ابراهيم فرغلى فى التدوينه الفائته
نعم، ليس هذا زمن الرواية، بل زمن (الحديث) عن زمن الرواية.
مُنذ عشر سنواتٍ أو يزيد وأنا أقرأ في الصحف الأدبية – وغير الأدبية – تصريحاتٍ شبه رسمية عن زمن الرواية، ويُرفق التصريح المُهيب عادة بتصريحٍ كئيب عن موت الشعر، دون أدنى إشارةٍ إلى أسباب موته. ولأن هذه التصريحات قاطعة، باترة، صارمة، فقد كُنت أخافها وأنا صغيرة، وأعتبرها كتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين عن الحروب والمجاعات، كلمات تعني أن ما وراءها أسوأ.
اللغط الدائر حول زمن الرواية وموت الشعر يترافق مع تصريحاتٍ أخرى لا تقل إرهاباً عن السابقين، كموت الأدب – قطع رأس الفتنة –، ونهاية التاريخ. ولا بُد من أن يُذكر صدام الحضارات من حينٍ لآخر، مع أشياء مثل موت المؤلف، ينبغي أن تُفهم مجازياً.
في هذا المجاز تتخذ المشكلة سكنها. موت المؤلف – مثلاً – كناية – حسب رولان بارت – عن انتهاء علاقته بالنص بانتهاء كتابته. الرواية كون من ورق، ولا شأن للقارئ بصانعها الذي أدى مهمته ورحل. نهاية التاريخ قد تعني انتفاء الحاجة إليه في الزمن المُعاصر، وصدام الحضارات يشير إلى الاختلافات الثقافية التي تفرق نسل آدم وحواء فرقةً لا رجعة فيها – وتعبير "لا رجعة فيها" مبالغة من أنبياء صدام الحضارات الجدد –. هنا ينتهي المجاز القابل للتفسير بشكلٍ عقلاني، ويبدأ كلام المجانين – مشكلة المجاز أن المبالغة فيه تقود المتكلم إلى الهذيان بكلامٍ لا يفهمه أحد، حتى هو نفسه، كالإفراط في استخدام البناء للمجهول – كيف يموت الأدب؟ هل يعني ذلك نهاية الحاجة إليه كما جاءت نهاية التاريخ؟ وكيف يموت الأدب مع كُل هذه الفوضى عن زمن الرواية؟
وبافتراض أن الأدب حيٌ يُرزق – وهذا مجاز مجانين آخر – لكن جزءاً منه فقط هو الذي مات، الشعر، كيف يموت الشعر؟ ولماذا؟
واحدةٌ من أقدم وأكثر مشاكل الفكر العربي استفحالاً الاستهلاك المفرط للمصطلحات والتعبيرات التي (يظهر) عليها (الذكاء) دون حكمة. وترديد الكلام لذاته دون فهمٍ حقيقي لمعناه – أو حتى اهتمامٍ به –. الزعم بأن الشعر قد مات يقتضي إثبات الكيفية، والسبب. ولا أحد – حسب علمي المتواضع – قد بين حقاً لِمَ مات الشعر – رغم محاولات مجموعة من الناشرين المتذمرين، والشعراء البائسين الذين ينسون أنهم يبيعون كُتباً لأمةٍ لا تقرأ –.
عندما ثبتت الرواية نفسها كشكلٍ أدبي مُعترفٍ به، هلل مناصروها تهليل الجوعى عند وليمةٍ، وأعلنوا في كُل محفل أن روايتهم ستمحو كل الأشكال الأدبية السابقة لها باعتبار الرواية إسفنجة قادرة على الامتصاص إلى ما لا نهاية، وقادرة على حمل الحكاية، بينما لا يستطيع الشعر حملها لذا سيتراجع أمامها. وهذا ادعاء لا سند له، ففي قصائده التي لم تُنظم لتكون جزءاً من ملحمة شعرية – كقصائد الإدا التي تحمل حكايات آلهة سكندنافيا، وقصيدة "بيوولف"، وغيرها – أو جزءاً من مسرحية شعرية – كما في مسرحيات شكسبير ومارلو، ومحاولات شوقي لإنشاء مسرحٍ شعري عربي. مشكلة شوقي أن مسرحه الشعري عمودي، بينما في زمن شكسبير ومارلو، كتب المسرحيون شعر تفعيلة. – يستطيع الشعر أن يحمل الحكاية كما في قصيدة تنيسون "سيدة شالوت"، أو قصيدة ميلن "كريسماس الملك جون"، وحتى في الشعر العربي كما في قصيدة هيثم "غبار السباع".
تتفوق الرواية على الدراما في منظورها للشخصية، فالرواية تستطيع تقديم الشخصية من الداخل والخارج بكفاءةٍ تفوق تلك التي في مُستطاع الدراما، وتعدد ضمائر السرد فيها يُتيح للروائي حُريةً أكبر في كشف شخصيته للقارئ بالصورة الأمثل. ويزيد من امتيازها التزام المسرح بوحدات أرسطو الثلاث – وحدة المكان، الزمان، الحدث – بينما تمتلك الرواية كامل الحُرية في تشظية الزمان والمكان إلى ما لا نهاية – نظرياً –، وفي تقسيم الحدث أو عرضه من وجهات نظرٍ مختلفة، وبضمائر سرد مختلفة. كما أن الرواية – دون حياء – تستعير الحوار من الدراما لتقتبس أقوال شخصياتها كما هي. غير أن الواقع يؤكد أن المسرح لم ينتظر الرواية لتُحلق بعيداً حاملةً كُل ما يخصه، فأعاد – كالشعر – اختراع نفسه، ولم يعد محكوماً بالوحدات الأرسطية، أو بحواجز الخشبة، وأضاف إلى تراث شخصياته المزيد دون توقف، وتعددت أساليبه ومدارسه وحركاته دون أن يفقد هيئته الأساسية، ودون أن يستطيع أحدٌ أن يقول – بضمير مرتاح – أن مسرحيات اليوم لا شأن لها بالمسرحيات الإغريقية التي أُديت في أثينا قبل الميلاد.
كالقصة والخُرافة والرومانس.
تمتص الروايةُ داخلها كُل الأشكال الفنية الأُخرى دون أن تفقد هيئتها الروائية، وفي هذا امتيازٌ هائل تكاد تنفرد به وحدها، لكنها لا تُلغي أي شكلٍ آخر، ولا تحدُ من آفاقه، فما الذي يحمل النقاد وأشباههم على إعلانه زمن الرواية بامتياز؟ ويجعل بعض عتاتهم يضيفون أنه زمن موت الشعر والأشكال الأدبية الأخرى – بالتوازي –؟
وبافتراض أنه زمن الرواية فعلاً، فهل حقق المنجز النقدي العربي شيئاً استثنائياً في نقد الرواية يؤيد هذا الاعتقاد؟!.. النقد في تراجع مستمرٍ، والتجديد فيه متوقف إلى أجلٍ لا يعلمه إلا الله، فكيف يُمكن أن تكونُ هُناك نهضة روائية بوجود روايات دون متونٍ نقدية؟!..
الحُجة الوحيدة شبه المُقنعة التي يستطيع أن يسوقها دُعاة زمن الرواية هي أرقام مبيعات الروايات التي تتفوق دائماً على مبيعات الشعر والمسرحيات وغيرها من الأشكال الأدبية. لكن، هل ما يبيع حقاً روايات؟
باستثناء أسماء مثل نجيب محفوظ وغارسيا ماركيز وأليندي ممن يبيعون كثيراً دون أن يؤثر ذلك على قيمة رواياتهم الفنية، فإن الرائج في سوق النشر بيع خيالاتٍ طويلة يسمونها رواياتٍ مجازاً، بينما لا تتجاوز في الحقيقة كونها قصصاً Fiction تفتقد إلى العُمق الذي يُفترض أن تحتويه الرواية، وإلى المعاني والمباني التي تُكون جوهرها وماهيتها. ما يكتبه دان براون يبيع بشكلٍ خيالي، لكن، هل ما يكتبه رواية Novel أو Fiction مُعاد مراراً وتكراراً؟ الأمرُ لا يحتاج إلى تأمل، فبراون مفضوح لأنه يجتر ما يكتبه وفق خطةٍ محفوظة تفتقد العُمق الإنساني بشكلٍ مخزٍ. (ومع ذلك، هُناك من يعتبر شيفرة دافنشي كتاباً حوى كُل حكمة العالم، وأعرف منهم جبلاً كثيراً). يوجد كتابٌ آخرون يصعب فضحهم مثل باولو كويلهو الذي يُعامل بقداسة شديدة في العالم العربي، مع أن أنغيلا شرويدر، المحررة الأدبية النمساوية صُعقت عندما قُلت لها أنني من قُراء كويلهو. كويلهو بالنسبة لنقاد الأدب الأوروبيين – الذين يتذمر منهم بشدة في روايته الزهير – Charlatan أو دجال يدعي أنه يستطيع تحويل الرصاص إلى تبر. هُناك قدرٌ من الإنجاز في روايته، الخيميائي، لكن بقية رواياته تدور في نفس الفلك، وتعزف على ذات الوتر. تجربته الروحية مع الجماعة الغريبة التي ينتمي إليها عدا استثناءات – أراها – تظهر في الشيطان والآنسة بريم وفيرونيكا تُقرر أن تموت، التين يعتبرهما مع على ضفة نهر بييدرا جلستُ وبكيت ثلاثية يُسميها: في اليوم السابع. الروايتان السابقتان متأثرتان بالفكر الديني، خصوصاً الشيطان والآنسة بريم، لكنهما لا تتحدثان عن الطوائف العجيبة التي يحشرها كويلهو كُل مرة. وفي الشيطان والآنسة بريم حضورٌ للواقعية السحرية يُذكر بلاتينية كويلهو. هُناك أيضاً إحدى عشرة دقيقة،
لكنه يملأ الرواية بأبحاثٍ واستنتاجات وينسى أن الرواية في بُنيتها الأساسية حكاية، وليست استعراضاً لمعارف الروائي وقدراته البحثية.
وعليه، فحتى استثناءاته تُعاني من خللٍ خطير، فالمرء لا يستطيع أن ينسى باولو كويلهو بعد الصفحة الأولى لأنه يقفز بين الصفحات ويقول لك كُل وقت: "أنا هُنا!" – أعرف، بالمناسبة، المقابل العربي لكويلهو لكنني سأحتفظ بالاسم حتى يأذن الله. –
بسقوط حُجة المبيعات، ينبغي العودة إلى الأصول. إلى النقاد الذين ينبغي أن يكفوا عن وظيفة مندوب مبيعات المصطلحات الجديدة في العالم العربي الذي يُروج سلعاً قد لا يفهم حتى فائدتها، وكُل ما يهمه (عمولته) التي يقبضها عن مبيعاته، ليعودوا إلى وظيفتهم الأصلية، مفكرين يصوغون – بالملاحظة والتحليل – القواعد النظرية المُجردة للبُنى والمعاني الأدبية ثُم يُنشئون عليها تطبيقاتهم العملية، ومراقبين دقيقين لتطور التجربة الأدبية، ومؤرخين لها. عندها فقط، سيكون للحديث عن زمن الرواية معنى فعلي، وقد يسقط هذا المجاز سقوطاً مدوياً بعد أن يُدرك النُقاد أنه محض فقاعة.
من مدونه ابراهيم فرغلى عثرت على هذا المقال الذى نشره فى النهار اللبنانيه
حمّى الرواية" في مصر
استقطاب الدخلاء والنص إلى الهاوية !؟
فجأة أصبحت الرواية محطا للأنظار، وقِبلة اهتمام أفراد وأشخاص مستدعيةً إياهم من حقول بعيدة: الشعراء ممن لم يُعرفوا بغواية السرد من قبل، كتّاب القصة القصيرة، المغامرون ممن يجدون في سيرتهم الذاتية ملاذا لكتابة نص يتزين باسم رواية، ثم شباب يكتبون للمرة الأولى، وأخيرا وليس آخرا، باحثون متخصصون في المخطوطات، وكتّاب سيناريو، وقبلهم بعض الأطباء، وغيرهم كثر.لم تكن الروايات قبل فترة وجيزة، على حد زعم الكثير من الناشرين العرب، سوى نصوص تحقق الخسارة، ينشرونها وكأنهم ينعمون على الكتاب بصدقة، لكن من دون أن يتوقفوا عن نشرها. أما الآن فأصبح الناشرون يتسابقون على نشر الروايات، وبات الوافدون إلى هذا الفن المغوي كثرا. فما سبب هذا التحول المدهش إلى فن الرواية؟ وما السر في الجاذبية التي أضحت تستقطب كل هؤلاء؟ هل يعود ذلك الى مرونة الرواية كشكل ادبي يحتمل الكثير من التجارب الفنية، والتجريب ربما، أم يعود إلى الفكرة التجارية التي حققتها نماذج الرواية التجارية الشعبية أخيرا عبر مجموعة الروايات التي أدخلت مصطلح "الأكثر مبيعا" كحقيقة واقعة داخل سوق الأدب العربي؟ أم أنها الجوائز الأدبية العربية والعالمية التي شهدت انتعاشة كبيرة على مدى السنوات القليلة، وتسبب بعضها بالهوس، وبلوثات مدفوعة بإغواء الجائزة من جهة، والنرجسية المريضة من جهة أخرى، لعدد من الكتاب عبر وقائع وثقتها الصحف؟من المؤكد أن بعض هذه الأسئلة تشير إلى مواضع جذب وغواية مطعمة بنوع من الوجاهة ترتبط الان بفكرة كتابة الرواية، ودليلي، على سبيل المثال ان أحد الكتب لاقى نجاحا تجاريا وهو كتاب "تاكسي" لخالد الخميسي، إذ حفز كاتبه على أن يحاول الترويج لكتابه بوصفه أدبا، على الرغم من أنه يتضمن مجموعة من المقابلات والحوارات مع سائقي سيارات الأجرة في مصر، فبدأ يقول إنه ينتمي الى المقامة الأدبية، وكنت حاضرا في ندوة من الندوات التي ناقشت كتابه وسمعت منه هذا الزعم مما اضطرني الى التدخل والتأكيد له ان كتابه مجرد كتاب اجتماعي ولا علاقة له بالأدب من قريب أو بعيد.على كل حال فإن السؤال الأهم هو مدى جدة تلك التجارب وما تقدمه الى فن الرواية. ففي العالم العربي، لا يوجد الا قلة من الكتّاب المحترفين، بالمعنى السائد في الغرب، وإنما عادة ما يمتهن الكاتب عملا آخر في الضرورة، لكي ينفق به على حاجاته الأساسية. لكن اللافت أن عددا ممن انضموا أخيرا إلى حقل الكتابة الروائية، يدخلون المجال كأنه موضع وجاهة أدبية ما.هل أدخلت الطفرة الروائية التي تشهدها الحياة الثقافية منذ فترة جديدا إلى فن الرواية العربي؟ الحقيقة أن هذا السؤال كان من المفترض أن يطرحه نقاد متخصصون، وباحثون أكاديميون في مجال الآداب وعلوم الجمال، وكان المفترض أيضا أن يقدموا إجابات عن نوع هذه النصوص، وعلاقتها بتراث الأدب العربي والنص الروائي على نحو خاص، وما تشكله من قيم جمالية وأسلوبية جديدة في الوقت نفسه، لكن، هذا هو جوهر الأزمة الحقيقي، فالنص الأدبي منذ عقدين تقريبا، يعاني تحوّله جسدا قويا يسير على ساق واحدة هي ساق الإبداع بينما ساق النقد مبتورة، ولا يبدو أن هناك بريق أمل لاستعادتها بأي عملية جراحية علاجية أو تجميلية. على الأقل في الراهن القريب.وحتى لا يبدو ما أشير إليه مجرد تهويمات مجردة، سأشرع في ضرب أمثلة، منها شيوع روايات خفيفة، كلاسيكية، مشوقة، واقعية، داعبت مشاعر الجمهور في الهم الاجتماعي، وفي التلسين على شخصيات من الواقع، من المسؤولين أو من نماذج بشرية للفاسدين الموجودين الآن وهنا، حققت مبيعات كبيرة عكستها طباعة عدد من الطبعات. وفي منطقة الخليج، والسعودية على نحو خاص، شاعت أيضا روايات عدة، اتسمت بقدرتها على فضح المسكوت عنه في بعض المجتمعات العربية المحافظة، ثم ظهرت موجة أخرى لروايات خفيفة تناقش هموم الشباب باسلوب قريب من أسلوب حياة الشباب وطريقة تواصلهم، منها مثلا رواية "ربع غرام" لعصام يوسف، وسوف أعود إليها بالتفصيل، ثم رواية لكاتب هو حامد عبد الصمد ينشر للمرة الأولى، على حد علمي، إذ لم أسمع بكتب له قبل كتابه هذا، عنوانه "وداعا أيتها السماء"، نموذج لانتهاج السير الذاتية للكتّاب، وهذا ما تسهل معرفته من سيرة الكاتب الذي يعمل محاضرا في ألمانيا، ومن شخص بطل الرواية النازح من عمق الريف المصري إلى ألمانيا أيضا. وعلى الرغم من مواضع عديدة مكتوبة جيدا، الا انها تعتمد في جاذبيتها على كليشيهات مثل المثلية الجنسية والاغتصاب والختان، ثم رواية "عزازيل" ليوسف زيدان، وهو في الأساس محقق في التراث، ومسؤول عن المخطوطات في مكتبة الإسكندرية، لكنه قرر التحول أخيرا إلى الرواية لأسباب غير مفهومة. وهي رواية إشكالية، بسبب موضوعها الجدلي حول اختلافات الطوائف المسيحية، واستعراض المسكوت عنه في تاريخ الكنيسة المصرية.هناك خلال السنة الأخيرة عدد لافت من النصوص صدرت لكتّاب شباب، بعضها أثار ضجيجا إعلاميا لإعلاميين وأدباء بسبب آراء انطباعية استخدمها فورا هؤلاء الكتّاب الشباب الذين أصبحوا جميعا آلات دعاية جبارة، يلفقون نصوصا، ويضمنون وجود ناشر في ضوء "حمّى الرواية" التي يتسابق الناشرون الى نشرها الآن، بل وإشاعة أقاويل حول ترشيح تلك الروايات لجوائز عالمية، على اعتبار أن "العيار الذي لا يصيب يدوش"، كما نقول في مصر. ومن بين تلك الروايات، مثالا لا حصرا أيضا، رواية باسم "فيرتيجو" لأحمد مراد، والتي صدرت منها طبعة ثانية، وهي رواية مشوقة بمعنى الإيقاع المتتابع، والحكي، لكنها تفتقر إلى لغة أدبية مميزة، وتتوسل بلغة وسيطة بين العامية والفصحى. سأتوقف عند نموذجين فقط من الروايات التي تبدو لي قفزا على جنس الرواية، وهما رواية "عزازيل"، ليوسف زيدان، و"ربع غرام" لعصام السيد، وبالترتيب ذاته. اثارت "عزازيل" منذ صدورها، وربما قبل صدورها، جدالاً إعلاميا واسعا، وكالعادة لا يعود الجدل الى قضايا فنية أو أسلوبية تضمها الرواية، وإنما الى موضوعها الإشكالي الذي يتناول موضوعا مثيرا في تراث الكنيسة القبطية المصرية، وفي التراث المسيحي إجمالا، فحوادث الرواية تدور وقائعها في القرن الرابع الميلادي، وتتوقف عند عام 431، وهو عام انعقاد المجمع الكنسي العالمي في افسس الذي شهد الانشطار الكبير بين الكنائس الأرثوذكسية. تبدأ الرواية عبر الراهب هيبا الذي يصف الوقائع التي مر بها، منذ قرر الرهبنة، منطلقا من مدينة أخميم جنوب مصر، وحتى الأسكندرية، في وقت كانت الديانة المسيحية تلقى تعسفا على يد الرومان. وهذا الجزء يستهلك نصف الرواية تقريبا، وفيه يسرد الراهب هيبا وقائع الأفكار التي كانت تمر بعقله عن أصل العقيدة محيلا الأفكار الخبيثة، أو الأسئلة التي تخرج من العقل، لا العاطفة، على عزازيل، أو الشيطان. كما يصف التجربة الجسدية والحسية والعاطفية التي مر بها مع أوكتافية الوثنية، في الإسكندرية عندما وصل إلى هناك للمرة الأولى، وكيف ان عواطفها انقلبت، على الرغم من عشقها العميق له، إلى الكراهية فور معرفتها بأنه مسيحي، الى الدرجة التي دعتها إلى طرده من بيتها الذي شهد علاقة جسدية شهوانية متلاحقة على مدى الأيام التي سبقت معرفتها لديانته. يتعرف الراهب إلى هيباثيا العالمة الجميلة، التي كانت مضرب المثل في العلم، فقد ذاع صيتها حتى قرر ان يحضر إحدى محاضراتها فيذهل من غزارة علمها الذي لا يتوقف عند اللاهوت والفلسفة وإنما يمتد الى الرياضيات، ويصف الوقائع الدامية التي شهدها يوم مقتلها لاحقا على يد المتشددين المسيحيين من أتباع كيرلّس، وحرقها حية، وهو اليوم نفسه الذي تموت فيه عشيقته السابقة التي خرجت للدفاع عن العالمة الكبيرة، حين علمت بالوقائع العاصفة. ثم يتابع رحلته إلى دمياط، حيث يعمل بداية مع أحد الصيادين، ثم يتعرف إلى أحد الرهبان، ثم ينتقل بعد ثلاثة أشهر إلى سيناء، ويستقر فيها قليلا، في طريقه إلى أورشليم، ثم حلب حيث استقر في أحد الأديرة التي يشير المترجم، أو الراوي الأصلي للنص، الى أن مخطوط يوميات هيبا قد وجدت فيه. وعبر تلك الرحلة، التي تتتابع وقائعها بعد مرحلة الإسكندرية في إيقاع أسرع كثيرا من مرحلة الإسكندرية، يشركنا الراهب هيبا في رحلته الفكرية، كما يتخذ قراره في الترهب والعمل في الطب أيضا، ويعود ليتلقى العماد من جديد، لشكوكه في أنه تلقى سر المعمودية في طفولته. النص، في النهاية، ينحو إلى الواقعية لأنه يستلهم تاريخا ويعيد سرده، بغض النظر عن المناطق الجدلية فيه."عزازيل" إذاً، رواية تاريخية، تتقصى وقائع تاريخية وتعيد سردها في قالب روائي. وهذا هو مكمن الأزمة، فلا يوجد بها تقنية من أي نوع، كما أنها تمتلئ بأفكار يوردها الراوي، أحيانا في حوارات تجمعه بالرهبان، أو عبر يومياته.مثل هذه الرواية لا بد أن تستدعي رواية مثل "اسم الوردة" لامبرتو إيكو على مستوى المضمون، لكن شتان بين المستوى الفني للعملين، فبينما تفيض "اسم الوردة" بالتفاصيل الدقيقة، والوصف، وبالسرد الذي ينتهج أسلوب التشويق البوليسي، والتعبير عن حيرة الراوي عبر المتاهات التي كان يواجهها داخل الدير، ومكتبته، وبالغموض الذي يحيط بشخصيات الرهبان، ورجال الدين في ذلك الدير، وغير ذلك، فإن "عزازيل"، على عكس ذلك، وعلى طول الخط، تفتقر الى الأسلوب الروائي، وتقع في أخطاء ساذجة من تلك التي تتصور الرواية وعاء للأفكار، تنطق بها الشخصيات، بلا مبرر درامي، كما تبتعد تماما عن أي تقنيات سردية جديدة، وإن لم تعدم اللغة. فلغتها جيدة، وسلسة، على رغم أنها تبدو بعيدة عن لغة العصر الذي تعبر عنه. لكن المفارقة بالنسبة اليّ هي هذا الاختلاف في مستوى اللغة بين هذه الرواية والرواية السابقة التي نشرها يوسف زيدان بعنوان "ظل الأفعى"، والتي لم أستطع مواصلة قراءتها بسبب لغتها المرتبكة، الخالية من البلاغة والجماليات. كيف عدّل زيدان في لغتة الرواية بهذا الشكل؟! هذا سؤال محيّر، لأن ذهنية الكاتب وأسلوبه، عادة لا يتغيران في مثل هذا الزمن القياسي، الا اذا كان اعتمد لغة المخطوطات التي تناولت تلك الفترة موضوعاً للرواية على نحو ما. "عزازيل"، نموذج لانتهاز الفن الروائي، من أجل إثارة الجدال، والضجيج الإعلامي، من دون اضافة اي جديد الى النص الروائي. النص الثاني الذي يجسد نموذجا عصريا للرواية المكتوبة بهدف دعائي لا يهتم بالتقنيات والأسلوب أو اللغة، هي "ربع غرام" لعصام السيد، والتي طُبعت منها تسع طبعات، وهي رواية ضخمة يزيد عدد صفحاتها على 600 صفحة، لكن يمكن قراءتها بسرعة، لأن لغتها لغة بسيطة تبدأ على النحو الآتي: "جئت للحياة في فترة يطلق عليها: الزمن الجميل. عائلتي معروف عنها أنها عائلة عريقة، مثقفة، متحضرة، مستواها المادي مرتفع إلى حد ما. الأب مهندس، انتخب أكثر من مرة عضوا في مجلس الأمة، "مجلس الشعب حاليا"، الأم أستاذة جامعية تدرّس التاريخ، حقا إنها مربية أجيال". هذه اللغة التلغرافية البسيطة هي لغة الرواية من أولها إلى منتهاها، وموضوعها، كما يبدو من العنوان هو تعاطي المخدرات، وخصوصا في الطبقات الوسطى العليا في المجتمع المصري، خلال فترة من الفترات، وكيف أن مرحلة الشباب أو المراهقة إذا عانت الفراغ وضياع الأفق والطموح قد تقود إلى ضلالات. يتضمن النص وصفا دقيقا للمخدرات وأنواعها وخصوصاً الهيرويين والكوكايين، وما يشعر به متعاطيهما في البداية من الأحاسيس والهلوسات والمتاعب الجسدية، وصولا الى الإدمان. ويصف العلاقات بين الشباب والفتيات على هامش المخدر، والحياة التي تنحو الى العبث تدريجيا، وتتحول إلى أن يكون المخدر في المركز، بينما تبدأ كل عناصر الحياة في الاتجاه نحو الهامش. وفي النص ضوء على المفارقات، والكوارث الاجتماعية التي يتسبب بها إدمان المخدر ومحاولة توفير النقود لشرائها بأي طريقة، حتى لو اقتضى الأمر سرقة خاتم الزواج لإحدى بنات العائلة في يوم زفافها، وطبيعة العلاقات بين المتعاطين، وتجارب الموت التي يتعرضون لها بسبب الجرعات الزائدة، وما شابه ذلك من تفاصيل.الرواية التي يعلن غلافها أنها "رواية واقعية" تبدو في النهاية كرسالة وعظية ضد المخدرات يختمها مؤلفها بعدد من الوثائق الخاصة بمصحات معالجة الإدمان، ووسائل الالتحاق ببرنامج المدمنين أو ما يسمّى زمالة المدمنين المجهولين. أي أنها نص واقعي، يصل في النهاية إلى وعظ مباشر يقول للقارئ أن ذلك المصير المفجع هو مصير متعاطي المخدرات.لكن الحقيقة أن الرواية ذات مستوى سردي بسيط من بدايتها إلى نهايتها، ولا تتمتع بأي سمة فنية أسلوبية، أو تقنية.هذان نموذجان من أبرز نماذج القفز على الرواية الذي تمور به الحياة الأدبية الراهنة في مصر، والتي لا تزال تفرز الكثير من نماذج شبيهة. وفي غياب النقاد، أصبحت المسألة أكثر سهولة. لكن إلى متى يستمر هذا الجو المشوش، الذي تختلط فيه كل القيم، والذي تحاول فيه دور النشر، إسباغ القيمة على الكتب التجارية أيا يكن موضوعها؟ ليست الإجابة سهلة، لكن السؤال الأهم بالفعل هو متى يستفيق النقاد من غفوتهم، ومتى يمكن النصوص الروائية العربية أن تنافس النصوص الغربية التي تفاجئنا يوميا؟ صحيح أن كثيراً مما يصدر في المكتبات العربية يفاجئنا أيضا، لكن، شتان بين مفاجآت سعيدة، وصدمات مذهلة!