أعتقد أن البعض منا ليس طرفا في صراع هل هذا زمن الرواية أم زمن السرد أم زمن أي حاجة تتكتب على سطور كاملة وفقرات، وليس تقطيعا في السطر، وبتجاهل للفقرات، هل هو رغبة في التغيير في الشكل السردي، أم أنه العجز، والعجز هنا إشارة لما قاله حمدي أبو جليل في احتفالية حصوله على جائزة نجيب محفوظ، العجز الذي دفعه لكتابة رواية الفاعل بالشكل الذي كتبت به، وفي مقالي عن الرواية قلت أن أبوجليل أمسك بمقشة الفركشة لينثر جسد الرواية الكاتدرائي في كل الطرقات، ليجعلنا نتسائل لماذا فعل ذلك؟ في الوقت الذي قال فيه أيضا أنه غير مهتم بالتجديد في الشكل الروائي لأنه لايملك الرفاهية لفعل ذلك؟ وليجعلنا نتسائل أيضا هل مافعله تجديد أم تهديد لأشكال السرد المتعارف عليها في الرواية.
ماأريد قوله أن مناهج العلوم الطبيعية تعترف بتسيد جنس من الأجناس في لحظة ما، ولكن في ظني أن هذا التسيد ظاهري، إذ لم تتوقف الأجناس الأخرى عن الحياة، والمرة الوحيدة التي اختفى فيها جنس عن ظهر الأرض تماما هي اللحظة التي حدثت منذ 60 مليون عاما – وفقا لعالم الحفريات – حين انتهت الديناصورات من على سطح الأرض نتيجة لحدث سماوي، وهذا بالطبع قد يحدث في علم الاجتماع نتيجة لتحول قبيلة مثلا من أكل لحوم البشر إلى قبيلة عادية جدا تأكل مثلنا لحوم الحيوانات، وهو تطور هائل في المسيرة الاجتماعية والبيولوجية، وفي مجال الرواية في ظني ليس معنى زمن الرواية هو انتهاء الأجناس الأخرى، بل إنها موجودة، لكن التأثير الأكبر يكون للرواية في ظني المتواضع، وشئنا أم أبينا يجب أن نتطلع لبعض الحقائق المنهجية والتاريخية في هذا الاطار، الأول أن أغلب الجوائز العالمية وعلى رأسها نوبل أصبحت تمنح جائزتها لكتاب الرواية ولأنه تعوزني الاحصائيات الآن، لكن على الأقل كشواهد أولية نلاحظ ذلك، كما أن جونكور تفعل ذلك، فيما تتوارى الجوائز الأخرى في الخلف، لكن هل معنى ذلك أن الفصيلة السردية والفصيلة الشعرية قد اختفتا، لاأعتقد ولن يحدث، احضر لي كاتبا روائيا واحدا لم يبدأ شاعرا، أو لم يقرأ شعرا، أو لايقرأ شعرا كمعين لاينضب للتجديد اللغوي على الأقل في العمل الروائي، المشكلة أن الديناصورات لم تنتهي ولكنها تحولت إلى مانعرفه الآن ويملأ حياتنا كلها، ولايمكننا الحياة بدونها وأعني بها تلك الفصيلة العجيبة التي تسمى الطيور!.
الفكرة التي نتصارع حولها كما أفهمها هي هل نقول للشعراء وكتاب القصة القصيرة توقفوا فما عاد ينفع ماتقومون به لأن ما تبدعونه لن يترك تأثيرا، وهذا التأثير على مستويين ظاهرين الأول على مستوى الابداع، وعلى مستوى التلقي، فالشاعر لم يعد له مكان، وكاتب القصة القصيرة أصبح يتوارى خجلا من فضيحة القصة القصيرة، والمتلقى لم يعد يهتم سوى بالرواية لأنها أكثر تأثيرا، وعلى مستوى خفي يتعلق بالنقد فلم يعد أحد يهتم بنقد الشعر والقصة القصيرة بالتبعية والكتابة النقدية فيهما كالحرث في البحر، هذه هي المشكلة بكل صراحة ووضوح، وأرجو أن لاأكون قد شطحت بعيدا.
ولعل جوائز الدولة لدينا في مصر على الأقل قد شجعت على الاحساس بهذا الأمر، الجوائز التي توقفت، والجوائز التي حجبت والجوائز التي كانت مخصصة للشعر والقصة القصيرة قد ذهبت لمجالات أخرى، وهنا أعتمد على شواهد وملحوظات على هامش المقولة الهائلة التي أطلقت بأنه زمن الرواية، وعلى ذلك فلتسقط جميع الأنواع الأدبية الأخرى، ومن بعدها مقولة أن الرواية ديوان العرب وليس العجم، ثم الرواية وإلا فلا!
لايتبقى في النهاية من عصر الرواية سوى عصر القصب، والقصب مشروب شعبي رائع، وإذا كان الشعب المصري سيقرأ الرواية والرواية فقط فأنا أرفع القبعة لجميع الروائيين، والمسألة في كتابة الرواية وكما أشار الصديق الجميل محمد رفيع – من جانب خفي- هي أن كل من هب ودب يكتب الرواية، كما أن كتاب الرواية أصبحوا يكتبون فقط حتى يكونوا ظاهرين في الحركة الأدبية ليس أكثر، مما دفع بدور النشر المصرية إلى أن تنتج أعدادا هائلا من الروايات التي تستحق بالفعل سلة المهملات من ناحية الكلمة ومن ناحية الفكرة ومن ناحية التجريف الثقافي والفكري الذي تمتلئ به، إنها إذن لحظة فتح النافذه، اللحظة التي يصاب فيها الجميع بالأنفلونزا، ومادام الجميع مصابون بالأنفلونزا الآن فإن الحكم على المسألة يصبح عسيرا للغاية، لأنها لحظة مرضية أكثر منها لحظة صحية، فهل يجوز القياس لمرضى؟ وهل يجوز القياس على شكل واحد أعتبره بتواضع هو الأكثر مرضا الآن، وهل يجوز القياس على لحظة تنسحب فيها الأجناس الأخرى السردية والشعرية، ماأعلمه أنها لحظة التحول للتوافق adaptation ومعذرة لكتابتي باللغة الانجليزية، لكنها الكلمة التي تعني التوافق البيئي.
وشكرا لعم سيد اللي خلاني أفك بكلمتين ولصديقي الجميل محمد رفيع القصاص الجميل والشاعر الذي يحاول التواري لبعض الوقت حتى يمكنه أن يقول لي ماذا يفعل بالشعر الآن، الشعر الذي لاتعترف به الجوائز..المريضة!
خالص المحبة وأعتذر عن الاطالة واشوفكم الأحد..

أرى ان مقولة زمن الرواية وانها "ديوان العرب الجديد " سببت ضررا بالغا فى حياتنا الثقافية وان كانت ارادت الكشف والتنبؤ عن مستقبل ابداع هذه الامة ، وأولا أن صراعات النوع الادبى حسمت فى الثمانيات من القرن الماضى لصالح التماهى والتمازج بين الاجناس الادبية وهو ما دعى المبدعين كتابة "نصوص" على ابدعاتهم دون نسب هذه النصوص الى جنس أدبى معين ، وكانت هذه النتيجة مريحة لجميع الاطراف وبدأ الباحثين فى تقديم جيل جديد من الابحاث والدراسات عن تلاقح الاجناس الادبية ومدى استفادتها من الفنون الاخرى كالفن التشكيلى والسينما وتأثير ذلك على النصوص الادبية ، وحتى هذا الوقت الامور تسير فى نصابها الطبيعى وتوقعت ان تكون المرحلة اللاحقة لذلك ظهور فيض من الاعمال تمتزج فيها الفنون فى نسق بديع وتتلاقح مع الاعمال الادبية و يمهد الارض لذلك تقدم الميديا وظهور وسائط جديدة بأستخدام الكمبيوتر ، و طبيعى جدا ان يأخذ ذلك وقتا حتى يتدرب المتلقى وتتحول ذائقته لهذا النوع وهذا لا يحدث بين ليلة وضحاها فقد يأخذ من السنوات أكثر مما نتوقع ، ويجد هذا التطور مستهلكا يروق له ذلك دون الحنين الى أشكال معينة بفعل كسل ذائقى أو كسل فى وظائف الحس الفنى والتذوق ان كان لهذا المصطلح معنى . ويمكن ان تظهر اجناس اخرى تستعصى على التصنيف على اساس الجنس الكامل فتجد لنفسها مكان وجنس أدبى حتى تعود دورة التلاقح والاندماج مرة أخرى وكل ذلك فى حركة دائبة هى متماشية مع حركة الكون و نمو الوعى وتطور اللغات الانسانية. ولكن بدلا من ان يحدث ذلك الموار الدائب فجأة توقفنا وعدنا الى الخلف فى ردة غريبة لنؤصل ليس فقط لعودة الاجناس الادبية ولكن لتسيد جنس ما . " هنا تكاسلنا حتى عن ايجاد اخطاء جديدة فأخترنا نفس الاخطاء التى سبق وان اقترفناها "
والخطورة فى ذلك فى رايى المتواضع وعلى حد علمى وعدم تخصصى
أولا : العودة الى الوراء وتدشين الصراع بين الاجناس الادبية مرة أخرى
ثانيا : حرق كل التجارب والابحاث التى وصلت بنا الى هذا الحراك والعودة الى نقطة الصفر
فقد ظهرت بالفعل اجناس جديدة هى نتاج تلاقح بين الاجناس القديمة فظهرت الرواية القصير ة و النوفيلا والمتواليات القصصية والحلقة القصصية و قد كنت اطلقت على مجموعة لسمير الفيل انها متقاطعة قصصية لانى لاحظت تيمة التقاطع على غير التوال او الحلقة وكتب محسن يونس على مجموعته موجات قصصية وهى بالاحرى موجات حقيقية وليست متوالية بغض النظر عن اتخاذها للبحر موضوعا ، كما ظهرت الاقصوصة والقصة القصيرة جدا أو الومضة ، وكان يمكن ان يستمر هذا الحراك حتى يتوالد نوع ادبى قادر على البقاء وأن يرسخ قواعده الى ان يجئ نوع اخر بعد فترة ما ليزيحه ويقدم اطروحته الخاصة . وهكذا ولكن بدلا من ان يحدث ذلك ويترك لهذا الحراك مجالا و وقتا لكى تكتمل تجربته يتم اجهاض ذلك كله والعودة لصراعات ستؤدى الى حراكا أخر ولكن بعد عشرين عاما أخرى .
هذا و بالاضافة الى توجيه الطعنات ومحاولة اغتيال الاجناس الاخرى ، واختيار الرواية تحديدا يوجه الطعنة الى الاجناس الاخرى التى ماذالت موجودة لان حراكا لم يكتمل ولان جنينا قتل قبل الولادة .
ولكى أوضح فكرتى هنا تعال نتفق على انه فى فنون القص "كل رواية قصة وليس كل قصة رواية" فاذا قلت ان هذا زمن القصة مثلا فلا انا سأضر بالقصة ولا بالرواية لانها قصة فى الاساس ولكن اذا قلت زمان الرواية فقد نفيت القصة القصيرة مثلا . وهذا ما حدث على مستوى حجب الجوائز والنشر وجاءت الطامة الكبرى فى مؤتمر عقد من عدة شهور فى الاردن ليقول " متى تطلقون رصاصة الرحمة على القصة القصيرة " ، نعم هذا حقيقى وعلينا مراجعة المصادر لنتأكد من ذلك. ضف الى ذلك اننا نضع الشعر فى ازمة هوية طاحنة حيث أنه بعد ان اعطى لهذه الامة سره لاكثر من ألف سنة تتركه لقيطا وتمتطى جوادا حديث السن لم يخرج من هذه الارض ولا حدثت نجوم الصحراء عنه . وامعانا فى التشنيع بهذا الكهل الذى سقانا حليب غنماته نقول الرواية ديوان العرب الجديد ، وبدلا من ان نقول مثلا "العرب يسردون " أو ان الرواية فن عربى جديد أو أى شئ يرصد التحول دون التنصل من ماضينا .
الامر الثانى انه فى بحث سيسيولجى * عن تسيد الاجناس الادبية تبين ان فن الرواية يذدهر دائما فى حالات وضوح الرؤية لدى الامة ونمو وعى جمعى ما فى تحديد كنه اللحظة الراهنة ، فى هذا المناخ يبنى الروائى عالمه الموازى ويعلو جنس الرواية من حيث الكم والكيف ، أما فى زمان التشظى وغياب الوعى الجمعى و تشتت الرؤية وتضببها فيكون المجال مهيئا لفن القصة الذى يعتمد على تكثيفه وقصره فى قول ما يريد . وهذا ما حاولت الاشارة اليه بشكل فانتازى فى القصة التى نشرت فى مقالى السابق وتشبيه القصة بعلى الزيبق . فأى مغالطة تحدث لو كنا فى زمان التردى هذا .
وعلى اية حال يجب ان نفرق بين كلامى عن شيئين هنا وهما التكريس للرواية من خلال المؤسسات والنقاد الكبار وهذا الانفجار الروائى الذى تعانى منه مصر تحديدا وان كان هذا احد اسباب ذاك . واريد ان اقول هنا ان الانفجار الروائى هو ليس بظاهرة ثقافية على اى حال فالثقافة على هذه الارض تعانى من نفس الموات الذى يعانيه الاقتصاد والتعليم والصحة ، فباى امارة تكون ظاهرة ثقافية ونحن لم ننتج نصف هذا العدد من الروايات وقت ان كانت الثقافة منتعشة بشكل ما . ولكنى ادعى هنا ان ذلك الانفجار الروائى هو ظاهرة اجتماعية شأنها شأن الحجاب و الختان والتحرش ، على علماء الاجتماع ان يفتونا فيه قبل النقاد ، فاذا سلمنا بهذا البحث السيسيولجى السابق ذكره فنحن فى زمن القصة القصيرة واذا لم نسلم واردنا ان نحيلها لظاهرة ثقافية ، فاعطنى دليلا واحدا على هذه النهضة الثقافية فى ظل مشاكل التعليم والترجمة والنشرالى اخر المشاكل التى بلا أخر ، فمن اين اتى هذا الجيش الجرار من كتاب الرواية . وان دليلى الاخير على ان الظاهرة اجتماعية بالاساس انها تنمو وتتوسع افقيا بأسرع بكثير من نموها الرأسى – ان كانت تنمو رأسيا فى الاساس- . وان لم توافقنى على ذلك أذا احصر لى عشر روايات فقط فى اخر خمس سنوات اجتازت منجزنا السابق عليها فى عصر محفوظ مثلا . طبعا توجد روايات جيدة جدا و لكن بما لا يشكل ظاهرة اجادة او توسع رأسى حقيقى واذا كان محفوظ نال جائزة نوبل فى 88 فماذا فعلنا فى العشرين سنة الفائتة ، غير اختلاق الصراعات التى ما ان ننتهى منها حتى نشعلها من جديد شريطة ان نبدأ من نقطة الصفر دائما
ونجد ايضا كتابا كبار استسملوا لهذا التنظير وهذا التوسع الافقى فنشروا لنا روايات ليست حتى قريبة فى المستوى من أعمال سابقة لهم ، فعلوا ذلك للتواجد فقط وكان الاحرى بهم ان يضعوها فى ذلك الدرج الذى بأسفل عمود الادراج بالمكتب لتأنس بوحدتها ونأنس نحن بالاعمال الجيدة ، وهذا دليل اخر ان مقولة كهذه عصفت بالكبار عصفها بالصغار .
وفى النهاية هذه بعض الافكار التى تدور فى رأسى وأنا الان بصدد تقديم أشكال سردية متعددة قدمت لها بذلك النص الذى ظهر فى مقالى السابق والذى أعددته خصيصا للتدليل على كلامى وعلنى استطيع ان اقدم تجاربى السردية فى أول شهور العام القادم ولكم منى تحية ياسمين.
محمد رفيع

هوامش المقال :
البحث السيسيولجى المشار اليه فى فقرة تسيد الاجناس الادبية هو للدكتور صلاح السروى *

شوية هموم

فكرت أن أكتفى بتعليق على ما كتبت رحاب ابراهبم ولكن تأيد سهى زكى وإثارتهم لبعض الأفكار جعلنى أفرد تدوينه ولكنى أعدكم ألا أطيل عليكم.

مثلما أتفق الادباء الشبان على الساحه الان على عدم ملائمة مصطلح الكتابة الجديدة لهم، فقد اتفقوا على عدم صلاحية مصطلح الجيل عليه أيضا، لأسباب كثيره لا يتسع كلامى الان لها. التأثير الذى رصدته رحاب فى كلامها عن التسعينيين صحيح ولكن يجب أن لا نهمل أنهم أيضا تبنوا فكره قتل الأب والقصيدة النثرية أحد تجليات هذة الفكرة لديهم أى فوضاهم ليست راجعه فقط الى عدم وصول الادب لمستحقيه.

بالنسبة لقضية النشر، فبخبرتي المتواضعة جدا فى هذا المجال سهوله النشر فى الوقت الحالي ستنتج فوضى ذات تأثير فى جوده الادب المعروض وقد رأينا ما فعلته مؤسسه عريقه فى مجال النشر حين تبنت نشر مدونات على الرغم أن الفكرة الرئيسية فى هذا الأمر هى نشر قصص تتسم طابع أدبي – هى مدونه حواديت – وحين تسلك مثل هذة المؤسسة هذا السلوك فليس غريبا أن تصدر دار أكتب أو دار مزيد كتب مدوناتها. عندما يصدر ناشر كتاب، فقد أصبح منتج داخل سوق فوق أرفف المكتبات وهذا ليس عيبا إنما العيب أن يتدخل الناشر فى الأدب نفسه أو بمعنى أدق يدخل السوق والتجاره فى الثقافه

وجهه نظر أخرى فى العلاقة بالقارئ والكاتب، صنفنا القارئ أيضا بقارئ عادى ونخبة ومثقف إنما – حسب رؤيتى لهذة العلاقه- ننزع أل التعريف من القارئ ونجعله قارئ فقط فهذا أكثر أفاده لنا ككتاب يهمهم أن تصل أفكارهم وكتاباتهم و إلا يكون رد فعل القراء هو تحقير المؤلف والمنادة بموته والاهتمام بالنص فقط، فلا يوجد كاتب ضحل وأخر مثقف ولكن يوجد أبداع جيد وأخرردئ والكاتب الذى يؤلف رواية جيده يستطيع صنع أخر رديئة والقارئ الذى أعجبة "أدهم صبرى" يستطيع تذوق "ماركيز" و"سرماجو".

انا اتفق تماما مع الكاتبة الجميلة رحاب ابراهيم ، فأن العلاقة بين الكاتب والمتلقى فى أزمة شديدة خاصة مع هؤلاء الذين يكتفون بالكتابة لمتلقى هم فقط الذين يعرفونه ولا احد غيرهم لا استثنى نفسى احيانا فى بعض نصوصى ، ولكن ليس السرد الرمزى فقط صانع ازمة مع القارىء ، بل السرد الذى يقترب للغة الشارع احيانا يجلعنا فى ازمة ، اذ اننا هنا لا نصنع لنا ككتات تلك الهالة المميزة لكل مختلف ، ورغم محاولات البعض للاقتراب من المتلقى بهذه الطريقة الا انه يفشل ايضا وسيراه المتلقى مجنون ، طبعا انا هنا اتحدث عن متلقى قارىء عادى وليس متخصص او هاوى او من نخبة المثقفين ، فالنتيجة واحدة وهو لا يدرى ، حتى وان نقل له حياته بالكربون على الورق بنفس اللغة سيتحدث لنفسه قائلا "جاب ايه جديد هايعملنا ايه يعنى الكلام دا ، نقلتنا من لحم ودم لورق وحبر" موضوع خطير ومحير ويحتاج للكثير من المحادثات والحوارات والابحاث التى تصل بنا لنتائج ، فمن هو الكاتب العظيم الذى يقف فى شرفة اخر دور يدخن بايب ويلقى نظرات متأففة اسفله على الناس جميعهم ما بين كتاب ونقاد وقراء ويلتقط بين الحين والآخر فكرة من فيلم أو كليب او حتى بواب العمارة وسائق التوك توك ليصنع بها عملا يهلل له بعدها اصدقائه البلكونينن امثاله وهم يدخنون الحشيش فى ظلام غرفة البلكونة أم ذلك الكاتب الذى يعيش الحياة كسائح اجنبى بين أهله ، يسير بينهم يتفحصهم ويتأملهم ويصنع منهم قصصا اسطورية وهم مكانهم لا يشعرون بما يصيبهم ، ام هو الكاتب القارىء المثقف "دودة القراءة الذى يعتمد على ثقافته الموسوعية للوصول لمخبة النخبة دون الاعتبار لهؤلاء او هؤلاء مشكلة كبيرة حقا واتفق تماما مع رحاب ابراهيم ايضا فى تمثيلها الكوميدى الساخر بمشهد فيلم اللمبى وهو بالمناسبة مشهد رمزى ساخر عن شكل المبدع فى اذهان الناس ، من خلال تجسيد الفنان "كريم جوجاك"لدور حبيب شاعر ومقارنته بحبيب "صايع" وهو الذى أداه "محمد سعد "ببراعة فى فيلم اللمبىترى من ومتى وكيف تحسم الازمة بين القارىء والمتلقى وهل سنهتم يوما بالمتلقى اساسا ، ام سيظل هكذا منبوذا طالما أنه لن يفهم شكرا للقاصة الاديبة رحاب ابراهيم على هذا الموضوع المهم فى اشكاليات السرد الجديد والقديم ايضا

شو بيبقى من الرواية ؟


مر زمن طويل منذ أن كان المريض يجلس صامتا أمام طبيبه في انتظار ورقة العلاج ليأخذها شاكرا , وينصرف !
إنه يريد أن يعرف كل شيء عن حالته وأسبابها ولماذا هذا الدواء بالتحديد .. و ... و ....
كذلك القارئ أيضا .. لم يعد ذلك الوديع الجالس محتضنا كتابه , متلقيا حواديتك في صمت باسم , وأنت تحكي له عن عوالم بعيدة لم يختبرها .
إنه المتلقي الذي يعترضك , ويعلق عليك سلبا وإيجابا ببساطة . وليس في الإبداع فقط ... بل حتى الصحف الورقية والتي أصبح لها نسخا إلكترونية على النت , أصبح متاحا لقرائها تقييم ما فيها من أخبار وتوضيح مدى أهميتها لهم ورضاهم أو عدم رضاهم عن التفاصيل التي قدمت لهم .
هذا التواصل تكمن خطورته في الوعي بضرورة التوازن بين الاشتباك مع تفاصيل الحياة وتناول المشاعر الإنسانية بقرب وحميمية تتسلل للمتلقي ببساطة , وبين الحفاظ على جماليات وفنيات الكتابة لتظل في مستوى أعلى من لغة الشارع ,
فما أكثر الكتابة الآن , وما أبسط النشر , ولكن لابد أن نتساءل ما الذي سيبقى من هذا الزخم ؟ سيبقى فقط الحقيقي الذي هو ببساطة لا يشبه إلا نفسه
.
عن الستينات والسبعينات وما بعد الألفين
بصراحة لا أفهم ماذا يعني أن يكون كاتبا ما ستيني أو تسعيني أو ما بعد ألفيني ... هل يرتبط ذلك بتاريخ ميلاده ؟ أم بتاريخ صدور أول كتاب له ؟ ام بتوقيت دماغه وإحساسه بما حوله ؟ ربما كان من الأوقع أن نقول الكتب التي صدرت في الستينات او السبعينات ... وهكذا
وربما بهذا التصنيف نستطيع أن نقول إن إنتاج الثمانينات والتسعينات كان ضحلا , ليس من ناحية جودته الأدبية وإنما من ناحية وصول الأدب لمستحقيه .. أقصد القراء والمشتغلين بالفكر والثقافة عموما .
فإذا كانت السينما قد ساعدت كثيرا في ذيوع وانتشار أدب الستينات , فالشبكة العنكبوتية ساعدت أكثر في انتشار وترويج الإنتاج الأدبي في السنوات الأخيرة ..
أما في التسعينات مثلا كان الواحد / والواحدة طبعا منهم يدور بمخطوط كتابه في أروقة وعتبات قصور الثقافة ثم ينتظر شهورا طويلة ليأخذ دوره في النشر .. قد يكون حينها تجاوز كتابته السابقة بمراحل فيصدر الكتاب كأنه كائن غريب عنه بلا أب أو أم .. هذا طبعا إذا كان غير متيسرا ماديا ليطبع على حسابه ليكون كمن ألقى نقوده في بحر غير آسفا أو مأسوف عليه ..
ثم تبدأ المرحلة التالية , فيحمل علي كاهله سلة الكتب يدور موزعا علي المعارف والأصدقاء - مجانا طبعا - وما يستطيع أن يصل لهم من كبار الأدباء ومسئولي النشر في الصحف الكبرى ليحظى بخبر صغير أو مقالة وينتهي الأمر .
الآن الوضع مختلف كلية , أولا لتعدد وانتشار دور النشر والصحف الخاصة , وثانيا لسهولة الاتصال والتواصل بين المشتغلين بالثقافة ..
هذه السهولة جعلت البعض يعتقد أن فعل الكتابة " ولا أبسط " خصوصا مع النظرة المادية في الترويج والتسويق لبعض الكتابات والتي تنتهجها بعض دور النشر .. وإن كنت أتفهم هذا السلوك التجاري البحت من دور نشر صغيرة وحديثة إلا إني عجزت عن تفهمه من دار نشر لها اسم عريق مثل " الشروق " حين تتبنى نشر وتسويق ثلاثة كتب مأخوذة من مدونات .. وهذا بالمناسبة ليس هجوما علي تلك المدونات ,فنجاحها له ما يبرره من تماسها الصادق مع الواقع المعاش واشتباكها مع معاناة وأحلام الكثيرين من الشباب , لكنه جعل الأمر يبدو كمن استغل ذيوع أغنية ما وأراد تحويلها لديوان شعر .
عن السرد والسرد الجديد
في مشهد من أحد أفلام هنيدي الكوميدية كان البطل يجلس في الكافيتيريا مع حبيبته محاولا أن يقول لها قصيدة غزل , وراءه كان يجلس الرجل الذي يرمز للمثقف بنظارته وكلامه الرصين .. بدأ هنيدي يقتبس من كلمات الرجل الجالس خلفه لحبيبته , حتي اضطر أن يكمل بنفسه فقال لها : الحب الحب .. الشوق الشوق .. بلوبيف بلوبيف " وينتهي المشهد بالرجل الرصين يعيد نفس الكلمات التي سمعها من هنيدي لحبيبته : بلوبيف بلوبيف
!!
ورغم هزلية المشهد إلا إنه يجعلني أقف طويلا أمام العلاقة بين الكاتب والمتلقي وتأثر كل منهما بالآخر وإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا التأثر مقبولا ...
مازلت لا أستطيع وضع تعريف محدد للسرد الجديد , ففي رأيي إن كل سرد جيد لابد بالضرورة أن يحمل شيئا جديدا متفردا ..
لكني أتوقع الكثير والكثير من هذا المؤتمر الذي يجري التحضير له بطريقه غير مسبوقة لسببين .. أولهما أمين عام المؤتمر أ . سيد الجميل والذي يتعامل مع الأمر بروح المبدع وليس بروح الموظف .. والثاني هو هذه التقنيات الحديثة التي تجبرت وتسلطت وجعلت الجميع يعيش في علبة واحدة يبدأها بكلمة
start
حتى فكرة الشللية والجماعات الأدبية المنغلقة على أنفسها وعلى أماكنها الخاصة , أصبح من السهل اختراقها والتفاعل والاشتباك معها , والاستفادة منها أو نقدها عن طريق التواصل الإلكتروني ..

خطأ غير مقصود


ورد فى أحد أعداد جريدة البديل أثناء حوار لى أن قلت أن الكاتب أحمد العايدى صرح بأن القصة القصيرة ماتت بعد يوسف إدريس وأن لا أحد يكتب قصة الآن سوى محمد المخزنجى
لم يكن المقصود هو أحمد العايدى ، فقائل المقولة هو إبراهيم فرغلى فى عدد خاص بمجلة الكلمة الأليلكتروتية صدر عن القصة القصيرة 
ربما صدر منى اسم أحمد العايدى عفوا ولكن المفصود هو إبراهيم فرغلى
أعتذر للأستاذ أحمد العايدى عن هذا الخطأ عير المقصود 
وتقديرى واحترامى له كبيرين

القصة مازالت تثير الدهشة

نزهة في المقبرة



فى وقت يتحدم فيه الاهتمام بالرواية ، تحاول القصة القصيرة ـ وفي صمت ـ أن تعيد رسم ملامحها على ضوء المتغيرات التى عصفت بمفهوم الإبداع الأدبي ، وظني أن القصة القصيرة استشعرت أزمتها بعد يوسف إدريس ، إذ وجد القاص نفسه سجين النموذج الأدريسى الذى سيطر قرابة ثلاثين العام منذ الخمسينيات ، وشكّل النواة الحقيقية للقصة العربية الحديثة ، لهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن نجد إرهاصات التجديد منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، مؤسسة على دعوة للكتابة عابرة النوعية ، تنطلق من القصة القصيرة بالتحديد ، ولإدوار الخراط الذى حقق نموذجه السيادة منذ الثمانينيات ـ فضل فى هذا ، بل وألف كتابا فى التعريف بقدرات السرد القصصي على مفارقة نمط الحكاية المتبعة. وهوالكتاب المعروف بالقصة عابرة الأنواع .
لكنى أعتقد أن القصة القصيرة ـ الآن ـ تعيش مرحلة جديدة تماما ، توسع من مفهومها ، بحيث نجد تجليات جديدة لها ، ليس فقط على صفحات الجرائد والمجلات السيارة ، بل وعلى شبكات الأنترنت ، وشاشات التلفزيون من خلال الأفلام الوثائقية والإخبارية ، فكثير من الخواطر والأخبار والتقارير والحوادث واليوميات تشتمل على طابع سردى مكثف يستعير أبنية وطرائق السرد المألوفة فى القصة القصيرة ويدمغها بطوابع عديدة من التجديدالتقنى والأسلوبي .
أدى هذا ـ فى الأونة الأخيرة ـ إلى شيوع أشكال بينية فى السرد ، فلم يعد الأمر حصريا بين نمطي القصة والرواية ، سنجد مثلا : النوفيللا ، وحلقات السرد أو المتتاليات القصصية التى تنتظم عبر سردات صغيرة تتواصل فيما بينها بروابط أسلوبية أو تقنية أو موضوعية ، وفى هذا السياق يمكن الإشارة إلى نوازع التجريب التى يحققها قاص متميز مثل محمد المخزنجى ، الذى قدم مؤخرا نصوص : " حيوانات أيامنا " وهى بمثابة بحث سردى فى عالم الحيوان . يطيب للباحث حسين حمودة أن يطلق عليه :" الكتاب القصصى " لكونه يجمع بين صفة الكتاب العلمي البحثي والسرد القصصي ، وكان المخزنجي قد قدم من قبل ، وفى سياق التجريب القصصي ـ أيضا ـ نصوص : " غرق جزيرة الحوت " التى تعتبر بمثابة تقرير سردي لواقعة انفجار المفاعل النووي الروسي تشرنوبل .
وتأتى نصوص : " نزهة فى المقبرة " للقاص (محمد أبو الدهب ) ، فى سياق هذا النزوع التجريبي للقصة القصيرة ، فالنصوص تقوم على وحدات سردية مكثفة ومنفصلة عن بعضها البعض ، لكنها فى نفس الوقت تتواصل فيما بينها بموضوع واحد وهو الموت ، فيبدو الكتاب وكأنه بحث سردى فى الموت ، وذلك باعتبار الموت أكثر سرديات التاريخ البشرى غموضا وغرائبية وديمومة.
وإذا اعتبرنا أن السرد القصصي ليس مجرد شكل مميز عن السرد الروائى إلا بقدر ماهو زاوية نظر مختلفة للموضوع مناط السرد ، فنستطيع أن نلمح فى نصوص " نزهة فى المقبرة " محاولات سردية لرصد الموت من أكثر من زاوية . فالموت موضوع كتبت فيه روايات وتناولته السير والملاحم والأساطير والدراما المسرحية والشعر الغنائي ، ولكن ، عندما تتوفر مجموعة من النصوص القصصية على موضوع مثل الموت ، فهذا يعنى رؤية أدق ، بمعنى أنها رؤية لاتضيع ملامحها فى تشابهات أو تفاصيل جانبية .
إننا نقرا فى نصوص هذه المجموعة عدة وجوه وزوايا للموت ، وكـأننا نتأمله وندرسه ونقلبه على كل وجه . فالموت هو اليقين الوحيد الذى عرفه البشر ، وهو المجهول الغامض المحاط بالأساطير والحكايات حتى ليبدو أكثر سرديات التاريخ البشرى تعقيداً وغرائبية وتنوعا ، لهذا فإن تفكيك هذه السردية الكبرى فى عدة سردات صغرى يسهم بطريقة ما فى فهم الموت ورصد تجلياته ،وصوره التى تتفاوت بين الموت الحقيقي والموت المجازي النفسى ، فالخوف ، وإنعدام الرغبة والتوحد، مثل هذه المشاعر تبدو أحد تمثيلات الموت ، والطريف أن النصوص تكشف أن معكوسها أيضا يكون صحيحا ، فالتهور والنهم وتأخر الوعى بالذات هى من صور الموت أيضا .
وقصة ( الخوف ) تصور هذه الطبيعة المتناقضة للموت ، فللموت حيله التى لاتنفد وطرائقه التى لاتنتهي . كما أن الموت يمثل أكبر صور المفارقة فى الوجود بوصفه تغيرا من الحركة إلى الثبات ومن الوجود إلى العدم ومن الشك إلى اليقين ، لهذا نجد من الحكمة قولاً مثل :" الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " . إن المقولة تنطوى على حكمة التجربة الإنسانية بين الحياة والموت ، إنها المفارقة ، ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن نجد المفارقة ملمحا رئيسا يسري فى كل نصوص المجموعة، وتأخذ المفارقة عدة صور موضوعية وأسلوبية على نحو ما نجد فى العنوان : " نزهة فى المقبرة " الذى يحوى أكثر من دلالة ترتبط بمفهوم الموت فى الثقافة الشعبية والدينية ، سواء من حيث هو مجرد رحلة أخيرة يقوم بها الإنسان، ينتقل فيها من دار الباطل إلى دار الحق ، أو من حيث هو تجسيد دراماتيكي لسخرية الحياة . ويمكن أن نلحظ أن السخرية سمة ممتدة فى كثير من نصوص المجموعة ، حيث تتعرض الشخصيات للموت بطرائق عدة ، وحيث يأتى فى لحظات يتصور فيها الإنسان أنه أبعد ما يكون عن الموت .
فى قصة (الكاتب يبكي ) ، نجد تجسيدا ساخرا لكاتب يجلس على مكتبه يحاول الكتابة عن الموت ، ويبدأ فى استدعاء الصور والمفارقات التى ارتبطت بحكايات الموت التى سمع بها ، يقلبها جميعا فى ذهنه وكأنه يختبرها كمادة لكتابة مفارقة ، وأثناء ذلك يلقى الموت عليه بثقله ، فيجهش بالبكاء : " سقط القلم من قبضة الكاتب على غير المتوقع، فغطى وجهه بيديه ، ثم نزل به على الأوراق ، وأنبرى يبكي ، ارتعش جسده مع ارتفاع نشيجه ، وابتلت أوراقه بدموعه ، ولم يرفع رأسه ليكتب شيئا عن البكاء " .
تتميز النصوص بكثافة لغتها حتى لتقترب إلى لحظات من الشعر ، أوالإخبار ، أو الحكمة ، لتعمق هاجس الموت ، كما تكشف عن معرفة عميقة بالمفهوم الواسع للموت سواء فى تصوراته العلمية الفيزيقية ، أو فى مفهومه الشعبي والدينى ولاسيما التصور الصوفى للموت .
ونتيجة لهذاالتكثيف والالتقاط الذكي للحظات فارقة أحيانا ومتشابهة أحياناً ، تبدو النصوص فى تجاورها وكأنها تنويعات على معزوفة جنائزية ، لاتخلو من مفارقات ساخرة على نحو ما نجد فى هذا النص : " فجأة عرف الخوف . لايفهم كيف ولا متى ، هو الذى يتمنى الخلود بين مزرعة الدواجن التى امتلكها أخيراً ، ومدرسة بلدته الابتدائية التى صار ناظرها وحامل تاريخها .أحب هذه الصيغة من الحياة .. الانتقال الذي لا يراه مختلفاً بين التلاميذ والدجاج .. ابتسامته المتسامحة كل صباح ـ وقت تحية العلم ـ إذ يتذكر أمنيته القديمة بأن يصبح ضابطاً فى الطيران .. وقفته المطمئتة وهو يراقب العمال ينقلون البيض من مزرعته إلى الشاحنة المسافرة بعيداً ، لكن الخوف نغص عليه ، أرسل إليه هاتفاً بحذره من القادم ، يقوم صباحا فلايجد أثراً للمزرعة على جسر النيل .. يدخل المدرسة فيقرأ ورقة مختومة تطالبه بالخروج .. أو يأخذه شيء إلى بعيد ، فلا يرجع .
والنص السابق ، المتوسط فى طوله يعطى مثالاً لطابع الكثافة اللغوية التى تشيع فى النصوص كلها ،ومن ثم نجد نصوصا أطول من ذلك قليلاً ، كما نجد نصوصا لاتتجاوز خمسة الأسطر . لهذا فإن الكتاب يحوي بين دفتيه ( 68 نصا ) يمكنها من خلال التجاور أن تقدم هذا التنوع الهائل لصور الموت ، وكأننا بالفعل أمام تنويعات على معزوفة جنائزية كبرى .
من الطريف أن هذا ليس الكتاب السردي الوحيد للكاتب محمد أبو الدهب الذى يتناول الموت ، فمن قبل تناوله فى عدة إصدارات وكأن الموت صار مشروعه الذى يدرسه سردا ، محمد أبو الدهب له من قبل مجموعات قصصية منها : " أوراق صفراء ـ آخر الموتى ـ نصف لحية كثيفة " .
نزهة فى المقبرة : صادرة عن دار الناشر بالقاهرة ـ 2008 ।
كتبها : سيد الوكيل

قبل يومين وليلة من عيدنا الحالى ، أهدتنى الصدفة البحتة لان أجلس على كنبة فى بيت الصديق الرائع محمود الشاذلى ، طبعا ليست هذه هى الصدفة وان كان فرح القلب والبقاء على ظهر الحياة هى مصادفات فى الاساس ، ولكن الصدفة هنا أن مكانى على الاريكة فى موضع معين تحت جزء من المكتبة ، فقد كنت اجلس وبعض الكتب الناتئة من الارفف توخذ مؤخرة رأسى ، وأنا أحرك رأسى يمينا وشمالا متفاديا الاحتكاك بها ، لحظتها كنت استمع لقصيدة الخريف وهى من اواخر ما كتب شاعرنا، ومع اندماجى مع تموجات القصيدة لم يكن بوسعى زحزحة مكانى لأقى المخيخ لديا من تحرشات الكتب ، لكنى بعد ان انتهيت من كلامى عن القصيدة ، تفرغت لمهمة حماية رأسى فمددت يدى الى الكتاب الذى وخذنى عمدا او مصادفة ، واذا به كتاب " زمن الرواية " وقد كنت ابحث عنه ولكن لم يقع فى يدى بورقه وغلافه الا فى ذلك اليوم ، تحسست رأسى وكأنما الالم لم يظهر الا فى هذا الان رآنى الصديق انظر للسقف فصمت قليلا واحترم تأملاتى لكنى فى الحقيقة كنت انظر الى الله لانى تخيلت انه كتب على صفحات القدر
.
" زمن الفانتازيا"

مشهد (150 ألف) " مكتبة محمود" ليل \ داخلى

جلس محمد على الاريكة مسندا رأسه على حواف الكتب المدببة
وبخار الشاى يصعد سلم الهواء الحلزونى ، وانفاسه مطربة وعلى ثيابه
خطوط من الدم تشف عن مسارات طولية تحت القميص وكأنه تعرض للجلد

محمد : قتلوا القصة القصيرة يا محمود
محمود: امتى حصل ده
محمد : : بعد ظهر الزمن دة
محمود: فين اتنشر الخبر
نظر محمد الى سطور الجراح فى صدره وكأنه يجاوب على السؤال
محمود: وازاى حصل دة
محمد : : بدم بارد
محمود متاثرا محمود: طيب ليه بس
محمد : عشان مش عايزين على الزيبق يظهر
محمود: انت شكلك تعبان وابدتديت تلخبط فى الكلام
محمد : لا صدقنى هوة دة اللى حصل
: محمود انا عارف انك شايف العصر دة عصر اضمحلال وكتير بتشبهه بعصر المماليك بس دة مايخلكش تخلط بين على الزيبق البطل الشعبى وبين فن القصة القصيرة

يقوم من مكانه ويدور فى المكان وهو يتحدث محمد : صدقنى القصة القصيرة هى على الزيبق بص فى عصر مملوكى زى دة بتموت فيه كل حاجة حلوة وبينحدر الاقتصاد والثقافة والمرور وكل حاجة بتغرق وتتتجه للقاع بيظهر كاتب القصة القصيرة زى الفارس الملثم ويبعت تلغرافاته ومنشوراته الصغيرة القادرة على تحريك الناس وكب النار على جرحهم ، رسايل موجعة زى النخذات تصحى الناس والثقافة من الثبات العميق

محمود: انت بتتكلم عن الفن بشكل عام

محمد : : لا مش كل الفنون تقدر تعمل كدة فى كل الاوقات والعصور ، فيه فنون معينة بتعمل دة بجدارة فى عصر معين وفنون تانية فى عصور تانية تقدر تعمل نفس الدور
محمود: أنت برضه بتخلط الامور ببعضها
محمد : لا اسمعنى بس الشعب اللى نايم على الرصيف مش ممكن اصحيه واقدمله مشروع ورؤية كاملة عن العالم هينام فى النص لكن ممكن اصحيه على اغنية صغيرة احكيله حكاية صغننه تحرك الموت اللى جواه ، اشد انتباهه اجرجره فى ديل الحكايات لحد ما يقف على رجليه اللى نسى هوة مفروض يعمل بيها ايه

محمود: يا سيدى الفنون كلها بتعمل كدة وبعدين الشعب اللى نايم دة بيقرا رواية وبيستمتع بيها

محمد : : فيه فرق هوة بيقرا ايه وهوة محتاج يقرا ايه ايه اللى ينفع ايه اللى يعدى بيه السور بالاعيب سحرية زى الاعيب على الزيبق مفيش زمن معين لفن معين بس لو هنقول دة زمن ايه يبقى زمن انفجار روائى فى حين اننا فى لحظة تاريخية تحتاج للقصة القصيرة تحتاج للزيبق

محمود : برضه هتقلى على الزيبق بقلك ايه انا مش مقتنع بكلامك وبعدين شامم فيه ريحة تحريض وادلجة واحنا فى زمن المقولات الصغرى والرواية فن كبير

محمد: مهو لو عبرنا بفن كبير عن المقولات الصغرى دى يبقى حطينا مكعب سكر صغير فى برميل ميه ، على العموم سيبك انت سمعنى اخر قصيدة

القصيدة بعنوان الخريف بتداعياته غاص الصديقين فى تموجاتها غير ان المستمع منهما عندما دفع رأسه للوراء مستمتعا بما سمع نخذه حد كتاب حتى اوجعه ولما شده من مكانه اقتربت الكاميرا من الغلاف ، كان مكتوبا عليه " زمن الروايه : جابر عصفور" فضحك الصديقان حتى استغرقا
قطع


يبدو المشهد فانتازيا ولكنى لدى مغزى سأوضحه فى مقالى القادم عن السرد ومعاركه التى حسمت منذ عشرين عاما ولكننا نعيد اخطائنا فليس لدينا وقت لاختراع اخطاء جديدة.
محمد رفيع

نشر الصديق نائل الطوخى على مدونته إعتذار عن المشاركه فى مؤتمر أدباء مصر لدورته الحاليه بعنوان " أسئلة السرد الجديد " بينما كان الاستاذ سيد الوكيل مسافرا الى سوريا لحضور مؤتمر أدبى وعندما رجع رد علي على مبررات أعتذاره وننشرها هنا


لو أن الأمر أقتصر على الرسالة الشخصية التى أرسلها لى الصديق المبدع نائل الطوخى على إيميلى الشخصى، مؤكدا على اعتذاره عن المشاركة فى مؤتمر السرد الجديد، ومبررا ذلك بأنه أمر ذاتى وشخصى جدا لهان الأمر، ولكنه كان حريصا على أن يرفق برسالته رابطا لمقال كتبه عن أسباب الاعتذار، وبعد أن قرأت المقال، وجدتها أسبابا تتعلق بالمؤتمر ويعتبرها نائل عيوبا يحتج عليها وتستدعى اعتذاره عن المشاركة، بما يعنى أنه يسجل موقفا ثقافيا وليس الأمر مجرد اعتذار شخصى لظروف ما، وكنت أظن أن الأجيال الجديدة من المثقفين تخلصت من آفة تسجيل المواقف التى تميزت بها الأجيال العتيقة.


كان بوسع صديقنا أن يشارك برأيه هذا فى المؤتمر ويعلنه أثناء النقاش الحر مع الآخرين بدلا من أن يطلع به علينا من وراء المدونة، فأنا شخصيا أفضل، عندما يكون لدى مؤاخذات على عمل ما أن أناقش المسؤلين عنه وجها لوجه، لا أن أسجل موقفا أو اعتذر عنه بالكلية، فالمؤتمر الوحيد الذى لا أشارك فيه، هو المؤتمر الذى ينظمه أو يموله صهيونى ما ، ومع ذلك ، فنحن فى مصر نتكالب على مؤتمرات الأجانب مهما كانت شبهتها، و نقاطع مؤتمراتنا لأن جلسة ما من جلساته لاتعجبنا .

هذه واحدة من عجائب الثقافة المصرية ليس إلا .

عموما...فالمؤتمر لاينحصر فى جلسة المائدة المستديرة، ولا فى ملاحظة واحدة أو ملاحظتين سلبيتين. بالتأكيد هناك الكثير من الجوانب السلبية كما أن هناك الأكثر من الجوانب الإيجابية فى أى عمل ثقافى بهذا الحجم، لهذا فالأمر يستدعى المشاركة والفاعلية والنقد البناء لا الاعتذار .

على أى حال جاءت رسالة نائل الشخصية تعكس سمو أخلاقه وإنسانيته، وهذا وحده يكفى لقبول اعتذاره بلا غضاضة، وإن كان اعتذار أى مشارك فى اللحظات الأخيرة قبيل المؤتمر يؤثر سلبا على المؤتمر ويعرضه للانتقاد ويقلل من فاعلياته، ولو أن شخصا غيرى لاعتبر الأمر نوعا من المؤامرة، ولكنى لا أفكر بطريقة المؤمرات أو تسجيل المواقف فهذا كلام قديم، وكذلك لا اعتبر نفسى ممثلا للمؤتمر أو صاحبه، لهذا أفرق جيدا بين موقف نائل الطوخى منى شحصيا، والذى عبر عنه فى رسالته الشخصية وهو موقف نبيل كما قلت ، وبين موقفه من المؤتمر والاعتذار عنه .

اعتذار نائل شأن يخصه بالتأكيد ، وتقديرى له ولرأيه كبير ، كما أنى أعتبره صديقا عزيزا ومثقفا ومبدعا موهوبا، والاختلاف فى الرأى لايفسد للود قضية كما يقولون، ولهذا فإن ماسوف اكتبه هنا لاعلاقة له بأمر الاعتذار ولا بنائل الطوخى شخصيا، ولكنه توضيح لأمور جاءت فى مقاله حول المؤتمر، وبما أننى أخترت أن أكون أمينا لدورته هذه، وبما أننى حرصت طوال الوقت على أن أقدم دورة متميزة وغير نمطية، تهتم للواقع السردى فعلا، وبالكتاب الفاعلين فى رسم هذا الواقع فى حدود ما أعرف، وأنا أعرف أنه خارج هذه الدائرة التى تضم أكثر من 300 مبدعا يشاركون فى المؤتمر، من هم جديرون بالمشاركة أيضا، وربما أفضل من بعض المشاركين، ولكن ليس بوسعنا أن نلم بكل تفاصيل المشهد السردى لأنه واسع ومتعدد وأكبر من أن نحتويه كله فى دورة واحدة، يكفى هذه الدورة أنها خرجت عن نمطية الأداء والأسماء المكررة وحرصت على الحضور الفاعل لكتاب جدد، وهو ليس مجرد حضور شرفى بل حضور مشارك وفاعل .

هذه رسالة مفتوحة إلى نائل ليس له شخصيا كمبدع موهوب وإنسان جميل، ولكن بوصفه كاتبا لمقال يفند فيه أسباب اعتذاره، وهى كلها أسباب تتعلق بالمؤتمر والآداء العملى فيه، فأرى أن من واجبى الرد عليها فقط لتوضيح بعض ما التبس عليه، فربما يكون ملتبس أيضا على الآخرين. ولا تنقصنى الشجاعة أن اعترف بأى نقص أو أخطاء فى أدائى فلست نبيا لايخطئ ولست محترفا فى تنظيم المؤتمرات، فأنا قبل أى شىء مبدع وكاتب للسرد ولفرط إيمانى ومحبتى للسرد الجديد حرصت على أن أكون أمينا لمؤتمر يسهم ولو بالقليل فى تنميته.

****

الأستاذ نائل الطوخى

ردا على مانشرته بمدونتك من ملاحظات حول جلسة المائدة المستديرة بمؤتمر السرد الجديد أقول :

بفرض أن الاختيار فى المائدة المستديرة ـ كما تقول ـ تم على أساس أن يكون فيها بعض الأسماء اللامعة، وبالطبع الآخر منطفىء ( فى المقابل )، فهذا يسمى فى عرف العمل الثقافى، نوعا من تبادل الخبرات والتفاعل والتنوع بين أفراد المشهد الأدبى فى لحظة واحدة، يعنى عندما يجلس مبدع لامع إلى جوار مبدع أقل لمعانا، سيستفيد الثانى من خبرات الأول، وصدقنى ياصديقى، كثيرا ما يستفيد اللامع من المطفى، لأن من عادة اللامعين أن يكتفوا بأنفسهم فيتجمدون وعندما يواجهم أحد يكتشفون عيوبهم.فيستفيدون أيضا. والمؤتمر معنى بتقديم وجوه جديدة أكثر من عنايته بالتأكيد على نجومية النجوم، فمثل هؤلاء الذين ذكرتهم كنجوم كبار ليسوا فى حاجة لمن يقدمهم أو يعتنى بهم


ومع ذلك .. فالاختيارـ فى المؤتمر ـ لم يقم على أساس من اللامع ومن المنطفى، بل على أساس تنوع فى الخبرات والاتجاهات، ونحن لسنا جهة من شأنها أن تحكم من أكثر قيمة من الآخر؟ أو من اللامع ومن المنطفى ؟ فهذا شأن النقاد والتاريخ هما يحكمان فى النهاية ياصديقى. والتفكير بطريقة من النجم اللامع ومن المطفى هو منطق الإعلام وليس منطق العمل الثقافى. لهذا تمنيت أن تفرق بين أداء المبدع فى العمل الإعلامى، وأداءه فى العمل الثقافى. ولو كنا نفكر بالأسماء اللامعة لضمان نجاح المؤتمر لما جعلنا المؤتمر للسرد الجديد أساسا، فلدينا من الكبار اللامعين مايكفى، ولو كنا نفكر فقط بالبحث عن اللامعين بين الشباب، لوضعنا على القائمة علاء الأسوانى مثلا، وترددنا كثيرا فى البحث عن آخرين يضاهونه فى لمعانه. فمجرد اسم علاء الأسوانى يضمن للمؤتمر أن تتناقل أخباره وكالات الأنباء الأدبية فى العالم.

صدقنى ياصديقى، حسابات اللامع والمطفى لا أعرفها أبدا ولا أفهمها، فأنا قارىء ( ُعقر ) للمشهد الأدبى، ومثقف بدرجة تكفينى لأفرق بين لمعان الذهب ولمعان الصفيح. ولا تضطرنى للكلام عن نفسى أكثر من ذلك.

تقول: " مشهد "السرد الجديد" واسع جدا في مصر، ولا تمثله المائدة المستديرة المخصصة،""

بالطبع ياصديقى ـ ومعك حق ـ المؤتمر برمته ليس ممثلا للسرد الجديد، ولا يوجد مؤتمر فى العالم يمثل ظاهرة ما ولكنه يدرس الظاهرة من وجهات نظر مختلفة، والأساس فيه الباحثون، ولهذا يشارك فيه مبدعون مختلفون لهم وجهات نظر مختلفة. بما يعنى أن لا أحد من المشاركين فيه يمثل السرد الجديد. والمؤتمر ليس ملزما بقائمة الممثلين للسرد الجديد التى أوردتها أنت ولا بترتيبها لأنها فى الحقيقة قائمة نمطية وسمعناها كثيرا، ولو طلبنا من كل واحد أن يكتب قائمة كهذه لاختلفت فى كل مرة، وليس من غايتنا أن نكرس لأسماء بعينها أو لقوائم يضعها أحد، بل حريصين على أن نفتح المشهد على أكبر اتساع له بقدر الإمكان ولايعنى هذا أننا نتعمد نفى أسماء بعينها ـ أيضا ـ كالذين ذكرتهم وأكثرهم أصدقاء لى ويعرفون أننى أقدر تجاربهم الإبداعية وأنا شخصيا حزين أننى لم أستطع دعوتهم جميعا فللمؤتمر حدوده وسعته. والاختيارات لها اعتبارات أخرى غير جودة إبداع المبدع، أهمها عمق ثقافة المبدع .

ولا تضطرنى للقول بأن بعض هذه الأسماء التى ذكرتها أنت، قرأتُ لها أراء نقدية فوجدتها متواضعة وضيقة، فالبعض رؤيته النقدية أقل كثيرا من موهبته كمبدع، وجلسة المائدة المستديرة هى جلسة للنقاش الثقافى والمعرفى عن السرد الجديد وليست جلسة احتفاء أو تكريس لكتاب السرد الجديد لهذا ففكرة الجدارة الإبداعية ليست هى الشرط الوحيد هنا، لهذا تلاحظ أن بعض المشاركين فى المائدة هم نقاد شباب بالأساس مثل عمر شهريار وأحمد عزت يوسف، وبعضهم يجمع بين النقد والإبداع مثل طارق إمام ومحمد عبد النبى وهويدا صالح ، وبعضهم يمثل تجارب إبداعية مختلفة فى طرائقها بغض النظر عن قيمتها، فمعيار القيمة لاينطق به إلا الحكماء وأنا لست حكيما لامتلك هذه الثقة لأضع قائمة بالترتيب لأهميات الناس. يكفينا حكيم واحد على رأس الدولة .


وعموما فحتى الذين ذكرتهم أنت، لايمثلون السرد الجديد ولكنهم موجودن فيه ومشاركون فى صنعه، والتفكير بطريقة الممثل الأوحد، ليس أساسا فى العمل الثقافى ولايدعى أحد ذلك، فلا أنا ولا أنت ولاغيرنا يمثل أحد، فكل مبدع لا يمثل سوى نفسه ولا يعبر سوى عن تجربته وفهمه لما هو إبداع، والمشهد الآنى يتسم بالتنوع والتعدد والتجاور ، وأنا شخصيا ضد فكرة التنميط التى تحاول أن تجذب المشهد الأدبى إلى اتجاه بعينه أو أسماء بعينها تعتبر ممثلة للمشهد السردى، مثل هذا التفكير عطل تطور السرد لسنوات، عندما فرض علينا يوسف إدريس نموذجه، وعندما حاول إداورد خراط أن يفعل ذلك من بعده، ومازال لدينا كتاب بعضهم فى قائمة اللامعين التى ذكرتها يكتبون تحت المواصفات الإدريسية والخراطية . وكل منهما ينفى الآخر ويعتبر نفسه هو الممثل للإبداع الحقيقى، والذين يفكرون بهذه الطريقة لا يرون ولا يقرأون سوى أنفسهم ومع ذلك لديهم الجرأة بالحكم على الآخرين .

أظن أن ما سبق هو ردى المختصر عن أهم الأفكار التى وردت فى كلامك فقط لتوضيح الأمر لك أو لمن يهمهم أن يعرفوا .

أما عن باقى النقاط الأخرى فى كلامك، والتى وردت بوصفها تساؤلات أو استفسارات فاسمح لى أن أرد عليها فى عجالة .

طه عبد المنعم ـ أيضا ـ مبدع أولا ، صحيح هو لم ينشر حتى الآن ، ولكن لكل إنسان ظروفه، وعلينا احترام هذه الظروف، ومن ناحية أخرى فطه على علاقة وثيقة بالمشهد السردى ولاسيما الجديد، من خلال البوابة الثقافية التى تتابع السرد الجديد، ووجود طه بالمؤتمر كان اقتراحا شخصيا منى وأنا اتحمل مسؤليته، اقتناعا بأن الأنترنت له دور فى تحريك المشهد السردى والتعريف به، وهو بكل صراحة دور أوسع من الصحافة التى لاتسلم من الانتقاء والاختيار الشخصى ربما لصغر المساحة المتاحة للنشر وربما لاعتبارات المزاج الشخصى أو الترويج لكتّاب بعينهم أو ودور نشر بعينها . وهذا ليس بخاف على أحد يانائل. فالعالم مفضوحا ومكشوفا ومؤخرات النعام التى تدفن رؤوسها فى الرمال مكشوفة للآخرين. ونتيجة لذلك فبعض الأسماء اللامعة موجودة بالقوة . لمجرد أنهم يملكون نوافذ تقول أنهم لامعين ، وإذا ما نزعت عنهم هذه النوافذ ، سترى أن الملك عار .


ولهذا اعتبرت الأنترنت بابا جديدا للإعلام ربما سيتفوق فى المستقبل على الصحافة الورقية ـ والله أعلم ـ فعالم الورق يتداعى، ومن ناحية أخرى، الإعلام الأدبى على الأنترنت ظاهرة ولدت مع السرد الجديد ومرتبطة به، وأخيرا فإن طه ممثل ـ هناـ ليس بشخصه ولكن الممثل هو ( البوابة الثقافية ) التى اعتبرها البعض صاحبة دور مؤثر فى التعريف بالمشهد السردى . واسأل طارق إمام .

بالنسبة لحكاية الفخرانى ولا أدرى سبب التركيز عليها ، وكأنك تبحث عن مبررات للاعتذار، فالحكاية ببساطة أن حدث خطأ فى نشر الاسم ليكون أحمد الفخرانى بدلا من محمد الفخرانى ، وقد أعلنت هذا فى أكثر من مناسبة ونشر فى الجرائد ، فلماذا أنت مصصم على أن ثمة شيء خفى وراء الأمر، هل تعتقد مثلا أننا تلقينا تعليمات من أمن الدولة باستبعاد أحمد الفخرانى !!! أنت تعطى الأمر أكثر مما يستحق، هو مجرد خطأ فى الاسم وهذا واضح جدا . أعرف .. أحمد الفخرانى شاعر متميز والمؤتمر العام القادم سيكون عن الشعر واتمنى أن يكون أحد المشاركين فيه. وأنا أتابع مدونتيه السرديتين، وبالمناسبة ما يكتب فيهما أجمل مما يكتبه بعض اللامعين، ولكنه حريص على تقديم نفسه كشاعر ونحن نحترم هذا .


عموما ..تبرير ذكر اسمه فى قائمة المائدة المستديرة، إنه مجرد خطأ طباعى مثل ملايين الأخطاء الطباعية التى ترد فى الجرائد، وأنا شخصيا اكتويت بها وكان آخرها باخبار الأدب، ومع ذلك لم اعتبر هذا مؤامرة ضدى ولا يحزنون بل هو مجرد خطأ طباعى فى عمل مؤسسى ضخم فالأخطاء الصغيرة واردة . والبشر يخطئون لأنهم بشر .


وحتى أجيب على أى تساؤل يقوم فى نفسك أو نفس أى صديق آخر، فمحمد الفخرانى مبدع جميل وصديق عزيز، ولكنه لن يكون موجودا فى المائدة المستديرة لمجرد أنه موظف بالهيئة العامة لقصور الثقافة وكذلك حمدى أبو جليل وطاهر الشرقاوى، وذلك حتى لا يحتج أحد ما بأن الهيئة تكرس لموظفيها من الأدباء، طبعا هذا فى رأيى الشخصى ظلم لهم، ولكنه ضريبة من عمل بالمؤسسات الثقافية، وحرصا على مصداقية العمل. وأظن أنك كصحفى فى جريدة أدبية تعرف ذلك جيدا . فأنت نفسك تتنزه عن التكريس لنفسك فى أخبار الأدب .


فكرة إهداء جلسة المائدة المستديرة إلى محمد حسين بكر نشأت على الانترنت وبين الأصدقاء بعد أن كتبت سهى ذكى مقالا مؤثرا وجميلا قالت فيه أنها تمنت لو أن زوجها كان موجودا معها فى هذا المؤتمر وشهد هذه الجلسة ، وبلمسة إنسانية رددتُ عليها ( على الانترنت أيضا) قائلا : لنعتبر هذه الجلسة مهداة إلى روح زوجها بوصفه واحدا من المبدعين الذين رحلوا مبكرا بين هذا الجيل حتى يكون حاضرا بروحه معها ومعنا . إنه نوع من المواساة وتطييب الخاطر لصديقة فقدت زوجها الذى كان واحدا من هذا الجيل . فهل تعتبر هذا تحيزا لشخص ما ميت على حساب ميت آخر؟ .. بصراحة أنا مندهش أنك تعتبر هذا عيبا خطيرا يستدعى انسحابك من المؤتمر . إلا إذا كنت ستقترح علينا قائمة أخرى بترتيب الموتى اللامعين .


وعموما .. ليس ضمن عمل المؤتمر ـ رسميا ـ إهداء جلسات لأسم أى ميت، ولا المؤتمر نفسه يهدى لأسم أحد، فالمؤتمر ـ فى النهاية ـ كيان مستقل ليس ملكا لأحد حتى يهديه لمن يشاء، وأنا مجرد أمين لدورة واحدة من دوراته وتصادف أننى أول أمين له مهتم بالسرد وكاتب له نقدا وإبداعا . كما تصادف أن محمد حسين بكر كان زوجا لسهى المشاركة فى الجلسة كمبدعة، ولو أن زوجة المرحوم محمد ربيع هى التى كانت مشاركة بدلا من سهى وكتبت مثل هذا الكلام المؤثر وتصادف أن قرأته أنا، لربما كنت قد قلت لها : لنعتبر هذه الجلسة مهداة لروح محمد ربيع . ولكان واحد غيرك اعترض : لماذا محمد ربيع وليس محمد بكر ؟؟؟


وعموما فالأمر كله قائم على الاعتبارات الإنسانية والمعايير الشخصية والصدفة كما ترى وليس له علاقة بالتخطيط للمؤتمر .وليس ضمن أعمال المؤتمر أن ينشغل بمثل هذه الأمور وليس عيبا أو ميزة فيه . إنما هى حوارات إنسانية كانت بين عدد من الأصدقاء على المدونات الشخصية وتدخلت فيها بوصفى صديقا لهم .


وأنا شخصيا ، سأحرص على حضور الجلسة ، وسأطلب من المشاركين فيها، أن يتذكروا أصدقائهم من الراحلين وإن نهدى اجتماعنا معا لأرواحهم وإذا كنت سأبدا بمحمد حسين بكر فلا يمنع هذا أن نذكر محمد ربيع، أو كل من اقترحتهم أنت من الراحلين بديلا لبكر، ولكن بالنسبة للآخرين الذين ذكرتهم لنهديهم جلسة المائدة المستديرة ( خيرى عبد الجواد ونعمات البحيرى ) وهما أصدقائى وأبناء جيلى :

هل لديك فكرة أن المؤتمر سيكرم اسم المرحوم خيرى عبد الجواد ضمن المكرمين وأن هذا معلن منذ شهرين تقريبا ؟

وبالتأكيد لديك فكرة أن المرحومة نعمات البحيرى توفيت بعد انهاء كل أعمال المؤتمر . والإعلان عنها .وهذه تصاريف القدر ، ومع ذلك فنعمات كرمت قبل ذلك فى إحدى دورات هذا المؤتمر وكنت أنا من اقترح اسمها للتكريم قبل موتها .ولا أزايد على صديقة هى الآن بين يدى الله .


على أى حال هذه الاعتبارات الإنسانية ليست من ضمن العمل الثقافى، ولكنها تضفى لمسة إنسانية على الحياة. فوجودها لا يعيب المؤتمر كما أن غيابها لن يؤثر على قيمته كعمل ثقافى، ولكننا بالتأكيد نحتاج إلى مثل هذه اللمسات الإنسانية على الأعمال الرسمية حتى لاتصير جافة منفرة .


أما قولك " السرد الجديد مصطلح غامض بطبعه " فهذا حق، ولعلك تذكر أنى قلته فى حلقة تلفزيونية سجلناها معا عن زمن الرواية، ومن أجل هذا الغموض، كان المؤتمر عن السرد الجديد، لأن العمل البحثى الذى يوفره المؤتمر يسهم فى فض بعض الغموض. وهذه وظيفة المؤتمرات البحثية ، وليس التكريس لأسماء بعينها. أو إتباع مقولات عامة وشائعة عن زمن الرواية .أو موت القصة أو مثل هذا الكلام الذى يردده الإعلام من أجل ارتفاع نسبة التوزيع .


لهذا فعتابى عليك ياصديقى كبير

كان من الممكن أن تعتذر فحسب بدلا من البحث عن مبررات للاعتذار وإعلانها ، ولاسيما أننى قرأت عليك أسماء المشاركين فى جلسة المائدة المستديرة قبل أن ترسل لى بالموافقة على مشاركتك، أى أنك كنت على علم بالمائدة المستديرة وموضوعها والمشاركين فيها . لهذا اعتقد أن اعتذارك له أسباب أخرى غير ماذكرت وهو متأخر جدا، وفى جميع الحالات أنا احترم رغبتك واحترمك، واحترم رأيك فى المؤتمر فأنا لست صاحبه، فقط أنا أمين إحدى دوراته، وأنا اجتهدت قدر الإمكان، وهو فى النهاية مجرد مؤتمر سيمضى ويأتى غيره، فالمؤتمرات لا تصنعنا ولا تهدمنا ايضا، ولن يبقى غير الاحترام والود قائما، ويبقى الإبداع الحقيقى معلنا عن نفسه بغير شهادة من أحد أو رأي من ناقد، أو مقال فى جريدة أو مؤتمر فى مؤسسة ما أو حتى قائمة يمليها علينا أحد.

إلى متى ستستمر خناقات الأجيال
لتستهلك طاقتنا فى الكلام بدلا من الإنتاج الإبداعى
فمن كاتبة تعتبر جيل التسعينيات هو مخترع الكتابة والرواية الجديدة
وأخرى تعتبر جيل التسعينات لم يترك سوى ميراث ضحل وبالمرة الثمانينيات
ومن قبل كل هذا كان كتاب الثمانينيات يعترضون على الستينين ويعتبرونهم كهنة ماضويون
وهكذا نفى الأجيال بعضها لبعض مستمر
وحتى هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الجيل الأحدث
فبعد عشر سنوات سيظهر جيل جديد وينفيهم
أنها ثقافة نفى الآخر التى تعكس حقيقة واحدة هى أن حيز الحياة الأدبية ضيق جدا ، وأن عليك أن تدفع بجارك إلى الخارج لتبقى أنت فى الضوء
الغريب أنه كان هناك مبرر عند الأجيال لسابقة لهذا التفكير
فالحيز كان ضيقا بالفعل
وفرص النشر والتعبير عن الذات كانت محدودة جدا
أما اليوم فبفضل وسائط الاتصال التكنولوجية أصبح كل شيء متاح وممكن
عشرات من دور النشر مئات الصحف والقنوات التلفزيونية وملايين المواقع على الأنترنت
ومازلنا ننفى بعضنا بعضا
فماذا يعنى هذاالتناقض الغريب ؟

أنا مندهش لأديب شاب يعتبر نفسه كاتب مابعد حداثى ، وأن كتابته فقط هى الكتابة
وهو لايعرف أن أول مفاهيم مابعد الحداثة هى التعدد والتجاور وليس الأحادية ونفى الآخر
وأن سمة مابعد الحداثة هى التداخل والسيولة ، وعدم خطية الزمن
أى أن الزمن لايمضى فى خط واحد إلى الأمام بالضرورة
ولهذا جاءت مابعد الحداثة محملة بكثير من الأصوليات ،
سواء الدينية أو الثقافية وطبعا هما لاينفصلان باعتبار الدين ثقافة
لماذ يعود شباب جديد إلى قصيدة التفعيلة التى تجاوزها الثمانيون
بل ويعود إلى القصيدة العمودية التى تجاوزها الستينيون
فلونظرنا إلى تجربة أحمد بخيت الشعرية سنرى أنها ارتداد إلى القصيدة القديمة ، وتقويض لقصيدة السبعينين ، ومع ذلك فبخيت شاعر جماهيرى وحلم لكثير من الشعراء الجدد
لماذا تعود زائقة قراء الرواية إلى الوراء خمسين سنة ، ويصبح علاء الأسوانى أشهر روائى فى مصر رغم أن تجربته بالكاد لاتتجاوز إحسان عبد القدوس
المسألة ببساطة هى أننا نعيش مابعد الحداثة
يعنى كله ماشى كما قالها منظر مابعد الحداثة المصرى إيهاب حسن
فهل يجرؤأحد فى عصر مثل هذا أن يقول أن فلانا هو الآفضل أو جيلا أفضل من جيل
أو أن رواية ما هى اول رواية تمثل الرواية الجديدة ؟

Blogger Template by Blogcrowds